نشر بتاريخ: 08/04/2016 ( آخر تحديث: 08/04/2016 الساعة: 10:33 )
الكاتب: سري سمور
ربما كان علي أن أستخدم كلمة(تلفاز) لا بل كلمة(المرناة) أو كلمة(الرائي) بدل كلمة تلفزيون، كما يرى بعض سدنة اللغة؛ ولعل استخدام كلمة عربية معينة لوصف مخترع أو آلة من ابتكار علماء ينتسبون إلى أمم وثقافات أخرى، هي جزء صغير من مجموعة مشكلات، عنوانها (هل أو كيف نتعامل مع هذه المخترعات؟) فنحن منذ بضعة قرون لم نـقدم للإنسانية مخترعات جديدة، وتتلبسنا نوستالجيا(حنين إلى الماضي) عندما نتذكر علماءنا الذين أبدعوا في الفلك والرياضيات والطب وغيرها أيام مجد العباسيين في بغداد، وأيام ازدهار الأندلس.
ونضيف إلى الحنين والبكاء على ماضينا العظيم هجوما على حالتنا التي لا تشجع الابتكار والإبداع، وحديثا حماسيا مهاجما لهجرة الأدمغة والعقول العربية أو سرقتها من قبل الدول الغربية؛ وبأنها لو وجدت الدعم والمساندة والتبني الرسمي لما كان حصادها يجنيه الغرباء أو الأعداء...إلى آخر هذه المعزوفة التي منذ طفولتي أسمعها وقد مللت تكرارها.
لكن المحصلة أن لا البكاء أو التباكي على زمن ابن سينا والزهراوي والبيروني وعباس بن فرناس والخوارزمي وغيرهم، ولا الشعارات والانتقادات لهجرة العقول أو عدم استثمار ما لم يهاجر منها يغيران شيئا من الواقع المرير:نحن لا نخترع ولا نبتكر، ونحن سوق استهلاكي لمنتجات غيرنا!
ومن الطبيعي أن تصلنا المخترعات الغربـية بإيحاءات كامنة، مثلما يرى مالك بن نبي وغيره؛ ومن البدهيات أنها لم تصل إلى أيدينا وفق تطور طبيعي في وسائل العيش، مثلما كان حال من أنتجوها، وهنا وقعنا في مشكلة معقدة تتعلق بكيفية التعاطي معها؛ فالذين رفضوها ووصل الحال ببعضهم إلى تحريمها دينيا، اضطروا إلى التراجع التدريجي، وقبول فكرة القائلين بتوظيفها فيما هو مفيد أو نافع، وآخرون رأوا أننا يجب أن نسير وفق ما سار عليه أصحاب الاختراع ونتبع سننهم حذو القذة بالقذة، كي نلحق بركب التطور والحضارة؛ وآخرون قالوا نمزج بين الأمرين أي نحاول الحفاظ على ثـقافتنا ونأخذ ما لا يتناقض معها من (الخواجات)...والحقيقة المرّة أن الجميع فشل فشلا ذريعا، وبقينا تحت رحمة أهواء وحسابات الرأسمالية العالمية، المسنودة عندنا بما يتوافق معها من تراكيب سياسية واجتماعية، وبيئة تزداد ولا تنقص فيها البطالة والفقر والجهل ستجعل الأثر السلبي لتلك المخترعات كبيرا جدا بلا شك.
وما دفعني لكتابة هذه المقالة هو الانتقاد والخوف من مواقع التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وتويتر ويوتيوب، وصولا إلى الإنترنت عموما، ومزج ذلك بالتباكي على أيام التلفزيون قبل عصر القنوات الفضائية.
وقد ضحكت ساخرا من هذا المنطق لأنني أتذكر عبارة(التلفزيون خرّب بيتنا) التي ظلت تتردد في غير مكان،وعلى لسان فئات مختلفة من الناس،وصدرت بعض الفتاوى بحرمة التلفزيون قطعيا،ثم أخذت الفتاوى (تتكيف) تدريجيا مع الصندوق العجيب بالقول بأنه حلال ولكن حسب متابعتك لبرامجه(المفيدة) وتقدير المفيد يختلف باختلاف الثقافة؛ فهناك من يرى أن المسلسلات والأفلام والمسرحيات وبرامج الأطفال، وكل ما يدخل تحت باب الترفيه ليس مفيدا...ولا يقتصر
الأمر على التحريم أو وضع الأمر محل شبهة دينية؛ بل أتذكر أحد دروس القراءة في الصفوف الابتدائية يتحدث عن متابعة الأسرة لبرنامج علمي، في إيحاء واضح أن غير ذلك من البرامج لا ينبغي متابعتها.
فالتلفزيون سبب خراب البيوت في يوم من الأيام، واليوم فإن الإنترنت وما تولد عنها من تطبيقات تواصل اجتماعي هي التي سببت خراب البيوت، ولكن التلفزيون اكتشفنا فجأة اليوم أنه كان يعمر البيوت!
قالوا بأن التلفزيون يضيع الأوقات؛ حسنا هل كان الناس في مجتمعنا قبل وجود التلفزيون يجلسون لتدارس علوم الدنيا والدين؟وقالوا:التلفزيون أثر سلبا على العلاقات الاجتماعية والأسرية، وهل كانت العلاقات الأسرية قبله سليمة 100% ألم تكن قائمة على التفرد والتسلط والأبوية الجارفة المصادرة للحق في التفكير والاختيار؟!
ثم صار يقال بأن (الدش والرسيفر) خرب أخلاقنا وأفسد أبناءنا وبناتنا،وخاصة (الديجيتال)...الآن يقال الفيسبوك وتويتر والواتساب فعلت فعلها وخربت وأفسدت أخلاق البنين والبنات...وغدا بعد اختراع جديد من الخواجات سيترحم القوم على ما بأيدينا اليوم، وهذا حال الأمم المتلقية.
هناك بعض المجتمعات خاصة الآسيوية مثل الصين وكوريا الشمالية تفرض على شعوبها ستارا حديديا ويمنع التعاطي مع كثير من وسائل الاتصالات والتواصل إلا بضوابط تفرضها الدولة؛ فالصين مثلا لها محرك بحث (جوجل) خاص بها خاضع لضوابط رؤيا الحزب الشيوعي وقيادته؛ وبرأيي فإن أسلوب الحجب والمنع والحصار لن يصمد طويلا، وأيضا منطقتنا العربية لها خصوصيتها التي لا يمكن استنساخ نماذج بيجين أو بيونغ يانغ عليها تقنيا، وإن كانت بعض الحكومات العربية تلاحق الفيسبوك والمفسبكين بالحجب أو الرقابة أو العقوبة المشددة، لا سيما بعد ما يعرف بالربيع العربي، فإن هذه حالة مؤقتة لن تصمد أمام طوفان التطور التقني الرهيب.
إننا في حالة معقدة؛ فمن جهة من اخترعوا التلفزيون والرسيفر والإنترنت لا يريدون فقط أن يسوقوه تجاريا، مع أهمية هذا الهدف بالنسبة لهم، بل هم معنيون بنشر قيم ومفاهيم ثقافية معينة، قد تتعارض مع ديننا وتراثنا؛ ومن جهة أخرى فإننا لما أتيحت لنا هذه المخترعات التي كانت قبل عقود أشبه بخيال جامح، كنا متطرفين في التعامل معها، فمن رفض لها بدعوى الخوف وحراسة الفضيلة، إلى تحويلها لأداة تنتج الرديء؛ فالتلفزيون أخباره كانت بنسبة 95% لتمجيد الحاكم أو الحزب ورؤيته السياسية والاقتصادية، والباقي من الأخبار يجب ألا يتعارض مع تلك الرؤية ولو بنسبة واحد في الألف، ناهيك عن الإنتاج الدرامي الذي كان وما زال رديئا في غالبه من مسلسلات وأفلام ومسرحيات، وإذا كان هذا بيد الجهات الرسمية؛ فإن الأفراد في استخدامهم للإنترنت وما تولد عن هذه الشبكة العنكبوتية كانوا أكثر رداءة حين حولوها إلى أداة جديدة للشتم والكذب وبث الإشاعات ونشر ثقافة البغضاء انطلاقا من أرضية إقليمية أو مذهبية أو عرقية أو جهوية أو سياسية، وفي نفس الوقت أكثر ما يبحث عنه أهل منطقتنا هو المواقع الإباحية، والتي برأيي مسألة لا تعالج فقط بالحجب والحظر ولا العقوبة...ودونكم فضاء الإنترنت الذي يندر فيه السمين ويغلب عليه الغث!
فلا التلفزيون خرّب بيتنا ولا الدش ولا الإنترنت ومشتقاتها؛ فهذه أدوات ووسائل بعضنا أراد منها أن تكون وعظية تعليمية فقط، وبعضنا حولها إلى ما يشبه الملهى الليلي وصالات عرض الأزياء التي يدخلها المرء بلا تذكرة بل مجانا بضغطة زر!
وأخيرا بما أننا على مقربة من شهر رمضان المبارك، فإنني أكرر سؤالا عن سبب (الإسهال) في إنتاج المسلسلات عربيا لعرضها في رمضان تحديدا؟وهذا دليل آخر على خلل في عقليتنا وطريقة تعاطينا مع ما اخترعه عقل الخواجات!