الثلاثاء: 26/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

كلّنا بان كي مون!!!

نشر بتاريخ: 09/04/2016 ( آخر تحديث: 09/04/2016 الساعة: 21:43 )

بقلم: سامر تيم

برع أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون منذ توليه لمنصبه في 1 يناير 2007 بالإعراب عن قلقه حيال كل ما يتعلق بالقضية الفلسطينية وقضايا العالم فكان فارسا هماما بالإعراب عن القلق حتى ذهب البعض للتأكيد على أنه يتقاضى راتبا خياليا مقابل هذا القلق الذي ينتابه عند كل حدث هنا أو مجزرة وحرب هناك، مؤكدين أن هذا تفضيلا غير مبرر للأمين العام وتحيزا عالميا لشخصه، حيث أن العالم أجمع يعرب عن قلقه يوميا دون أن يتقاضى أي راتب نظير ذلك.

بين "القلق التطوعي" و "القلق المدفوع الأجر" احتدم الصراع في هذا العالم الذي أثبت ديمقراطيته وانحيازه الكامل لقيم الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية!!، فبين من يملك أدوات التغيير ويدير معركة القلق معززا بالقوة الإقتصادية والعسكرية والسياسية، وبين من يتلقى أوامر الخضوع والخنوع لمنظومة سادية تشتت المشتت وتجزء المجزأ فلا يجد أمامه سبيلا سوى الإعراب عن القلق تكمن المعضلة.

فكيف لنا أن نطالب العالم بالإنتصار للعدالة ونحن أدوات ثانوية قيمتها تحدد بمقدار ما نتساوق مع السيناريو المكتوب، فإن خرج أحدنا عن النص وارتجل أضحى متفرجا من بعيد بقرار من المخرج والمنتج، وعند اللزوم بقمع مباشر وأمام الجماهير من مدير المسرح.

منذ العام 1948 ونحن نطالب ونخيط في حلكة الليل خيوط الأمل لنستضدم في كل مرحلة بالمخرجات الجاهزة التي تنقسم الجموع فيها إلى قلقين ومستفيدين فيلتزمون الصمت، وقلقين وغير مستفيدين فيعبرون عن قلقهم بخطاب أو عمل فردي سرعان ما تصهره الإجراءات القمعية، ومنظمي القلق الذين يملكون فن إدارة القلق وضبطه بحيث لا يزيد عن حجمه فينتج حركة أو فعل، ولا يقل عن حجمه فيحيّد المسرح عن السياق الدرامي المقرر له.

القلق يا سادتي حالة عامة وليست خاصة وتعبير مجازي عند البعض وتعبير حقيقي عند البعض الآخر، فمن منا لا يشعر بالقلق من المستقبل المجهول ومن منا لا يشعر بالقلق من حالة اللاشعور التي أضحت تسيطر على القلوب والعقول.

لكل شخص حق القلق، والإختلاف أن المتنفذ قلق من ضياع منصبه أو مكانته الإجتماعية التي بناها بالغالب على قلق الآخرين، والمواطن قلق على مستقبله وعلى قوت عائلته ولهذا يعرب عن قلقه بصمت ودون ضجيج يذكر، أما القلق الحقيقي والذي لا يشبهه قلقا آخرا هو ذلك المغروس في قلوب أمهات الشهداء والأسرى وأطفالهم، هذا القلق الملطخ بالدماء والذي يحمل بطياته تفاصيل الإعتقال وكوابيس الوحدة وألم الفرقة، قلق أكثر من 6000 أسير وأسيرة بينهم الأطفال والمرضى بعضهم مضى على اعتقاله أكثر من 30 عاما، ففي يوم الطفل الفلسطيني ألا يحق لوالدة الطفلة ديما الواوي أصغر طفلة فلسطينية تقبع في سجون الإحتلال أن تعبر قليلا عن القلق، ألا يحق لعائلات أكثر من 400 طفل وقاصر أن يملأوا الدنيا ضجيجا وقلق، وكيف لعائلات 45 طفلا استشهدوا منذ مطلع أكتوبر الماضي أن يكفوا عن التفكير بالهستيريا الإحتلالية التي قضت مضاجعهم وحرمتهم من الأمل الذي لامسوه في براءه أطفالهم، كيف لوالدة الطفل شادي فراح أن تنعم بالأمن والراحة وطفلها المتميز زج به الإحتلال الى جانب القتلة والمجرمين والمدمنين، كيف لهؤلاء جميعا أن لا يقلقوا من حالة الصمت المريب والمعيب أمام ما يتعرض له أطفالنا. ولكن عمالقة الصبر أسرانا وأسيراتنا وعائلاتهم الصابرة وبثبات وإرادة حطموا القلق ولم يحطهم، متسائلين متى سينتفض العالم على صمته المغلف بالقلق، متى سيكف العالم عن الشجب والإستنكار والإدانة؟؟ متى سينتصر الحق على الباطل؟؟ متى سيفرز القلق جنديا مقاتلا في صفوف العدالة المغيبة ليزيل هذه الوصمة القبيحة التي تندس ضمير الإنسانية؟؟

متى ومتى ومتى... متى ستقفل بوابة القلق؟؟ متى سيحاسب من باع وسمسر وسلب وسرق؟؟ متى سيفيق ذلك الضمير الذي غيبته رصاصات الفيتو تارة وتحت جنازير دبابات النفط والغاز والمصالح انسحق؟؟ متى سيشاهد عمالقة الصبر بأنفسهم لحظة الإشراق والغسق؟؟

قريبا سيرحل بان كي مون عن موقعه وسيصرح تدريجيا بتصريحات أكثر عدلا وأقرب إلى الواقع، وستلاحظون أنه بدأ بكتابة مذكراته أو شهادته على العصر لينصف أخيرا المظلوم ولا يساوي بين الجلاد والضحية، لأنه أدرك انتهاء مكانته الرسمية وابتعد عن الواجهة السياسية، معتبرا أن ضميره سيرتاح بهذا الشكل، وسيطل على الفور وجها جديدا لذات الموقع ليعبر مرة أخرى عن القلق إلى أن تنتهي مرحلته على واقع أكثر تقسيما وأكثر انحدارا وتدنيا من الذي سبق... ولكن لاتقلقوا فالضوء حتما في آخر النفق.