نشر بتاريخ: 11/04/2016 ( آخر تحديث: 11/04/2016 الساعة: 13:28 )
الكاتب: يونس العموري
في ظل المناخات السياسية الفلسطينية الراهنة يطل د. سري نسيبه بواحدة من الاطروحات السياسية المثيرة للجدل والذي تحدث من خلالها عن "الخيار الأردني" كحل واقعي مطروح حالياً بعد فشل كل الحلول السابقة بما فيها خطته المشتركة ايضاً. الأمر الذي يفتح الجدل والتساؤلات الحساسة والعميقة .. فهل نحن امام مرحلة جديدة عمادها انتهاء المشروع الوطني الفلسطيني الذي ظل قائما لعقود على اساس خيار الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة على حدود الرابع من حزيران وعاصمتها القدس والتي تعيش الى جانب دولة اسرائيل ..؟؟؟ وهل هذا الخيار يتناقض مع الوطنية الاردينة ..؟؟ والسؤال المطروح دوماً هل ستقبل إسرائيل بهذه الخطوة .. وهل الأردن تُفكر بذلك عندما قال الملك عبدالله :"الأردن للأردن وفلسطين لفلسطين" .. وماذا يدور في الأروقة ولماذا ألقى نسيبة قنبلته في هذا الوقت ؟؟؟
وهل اطروحة الخيار الاردني لها علاقة بفشل القيادة السياسية الرسمية الفلسطينية من احداث اختراق فعلي بوقائع المسألة الفلسطينية عموما ... ؟؟ وهنا اجد الاجابات المنطقية والواقعية لابد لها من ان تستند على تحليل واقعي حقيقي لما هية اللحظة الفارقة الراهنة، وقول ما يجب يقال ودون مواربة .... في محاولة لإستيعاب اطروحة د. نسيبه اعتقد انه لابد من تشخيص حقيقة الواقع الراهن سياسيا ...
مرة اخرى نجدنا مضطرين ان نجاهر بالصوت ونرفعه حتى تستوي الامور ,ولابد ان نتوقف لحظة في محاولة التأمل والتفكير المنطقي بعيدا عن الانفعال والسجال والسجال المضاد حول حقائق اعتقد انها ثابتة وراسخة . وهنا لابد من الادراك ان للحديث بقية وبقية الحديث ان يقال ما يجب ان يقال في ظل هذه اللحظة التي اعتقد انها تاريخية ومفصلية في اتون الصراع مع كيان الاحتلال على اعتبار ان هذا الصراع يعود الى جذوره والى منطلقاته الاساسية حيث المعطيات التي تطفو على السطح تؤكد بما لا يدع مجالا للشك ان الدولة العبرية ماضية بسياساتها وتنفيذ مخططاتها على اساس بناء دولة اسرائيل العظمى بالمنطقة. برغم تقويض مشروعها وتراجعه بشكل او بأخر وذلك من خلال اطباق السيطرة على الاراضي المحتلة بصرف النظر عما يسمى بالفعل التفاوضي وامكانية احراز التقدم في المسار التسووي الذي اصبح متلاشيا وبعيد المنال بل انه قد اصبح مستحيلا في ظل اشتراطات تل ابيب القديمة الجديدة وعلى رأسها محاولة انتزاع الاعتراف من الطرف الفلسطيني بيهودية الدولة العبرية كضرورة من ضرورات اولويات العمل السياسي التسووي بالنسبة للدبلوماسية الاسرائيلية، وتل ابيب اذ تعرف نفسها على هذا الاساس فهي بذلك تحاول ان تتعامل مع ما يسمى بالمفاوضات من منطلق احراز ما يمكن احرازه بالظرف الراهن على اساس الفعل التراكمي للغد المنظور ... واعتقد ان كيان الاحتلال انما يحاول ان ينتزع اعترافا وان كان على شكل عبارة مبهمة او لها اكثر من تفسير بهذا السياق ..وفي ظل تضييق الخناق على امكانية قيام الدولة الفلسطينية ذات السيادة على حدود الرابع من حزيران 67 مما يعني امكانية فشل حل خيار الدولتين تسوويا ... جراء سياسات الاستيطان وضياع معالم خطوط الرابع من حزيران وبذات الوقت انشاء الكتل الاستيطيانية الضخمة على ارضاي الضفة الغربية وعدم التواصل مع قطاع غزة وفصل القدس فصلا كاملا عن باقي انحاء الاراضي المحتلة .. وهو الامر الذي يؤكد ضياع هذه الحلول الذي ظلت لفترة طويلة متصدرة للعناوين السياسية المسيطرة على الوقائع السياسية الاقليمة وحتى تلك الدولية ...
من هنا وبدون مقدمات وفي ظل كل ما يحيط بالمسألة الفلسطينية وتأثيرات مختلف الساحات على معادلتها ... ودون تجميل الكلام او اللجوء الى التحليل والترميز وبالشكل المباشر.... على كل القوى الوطنية، وعلى جموع جماهير الشعب بمختلف اتجاهاتها أن تعيد تقدير الموقف ... حيث انه وفي ظل معطيات المرحلة وحقائقها الراهنة اتضح وبشكل جلي ان المسألة الفلسطينية في مهب الريح وتراجعت الى الوراء على مختلف الاجندات الاقليمية والدولية وصارت تراثا بروتوكوليا قد تحتل المكان المـتأخر بجدوال الاعمال، والديباجة قد اضحت معلومة ومعروفة لصيغة ما يسمى بالقرار المُتخذ هنا او هناك ... والتحديات تفرض نفسها على الكل ... والطبقة السياسية اصبحت عاجزة على ان تفرض رؤيتها على صناعة القرار الاقليمي الذي من المفروض انه مؤثر بمعادلة القرار المحلي او الوطني حيث ان المتغيرات الاقليمية الحادثة والمتسارعة على الساحة الشرق اوسطية تفرض نفسها وترمي بثقلها على منظومة صناعة القرار الفلسطيني وفي ظل فعل التجويع والتركيع لفرض الاجندات وفرض الازلام الامر الذي بات عنوان الحراك السياسي لمختلف القوى الدولية والاقليمية فيما اصبح التعاطي والانقسام والشرذمة امرا فيه وجهة نظر مقبولة تتعايش واياها التكتلات الاقليمية الممتددة بالاطروحات الدولية واصطفاف التعسكر والتخندق هنا او هناك ...
حيث ان الاسلام السياسي الذي يحاول تثبيت كينونته في المعادلة الاقليمية يدرك ان نقطة الارتكاز الاولى له تتمثل في امارة الانقسام والشرذمة في غزة ... وتيار الحركة الوطنية بكافة اشكالها ومشاربها تعيش على هوامش ارتدادية لإدارة الشأن السياسي العام وفقا لمتغيرات لحظية دون امتلاكها للحد الادني من الفعل المبادر في ظل محاولة تحييد الفعل الجماهيري والسيطرة عليه ووضعه في اطار السيطرة المنضبطة للإستثمار اللحظي للعملية السياسية المنغلقة الآفاق والتي اثبتت فشلها واصبحت مجردة من مضمونها بل وصارت فارغة حتى من امكانية حل الاشكالات اليومية لقضايا من المفترض انها عابرة وروتينية والشكل الذي تتعايش معه فلسطين القضية والشعب هو الشكل الهجين غير المتوافق وحقيقة الواقع، فمن جانب ثمة الوهم الكبير المتناقض اساسا والحقيقة حيث المسافة كبيرة وشاسعة ما بين دولة فلسطين المحتلة والاراضي الفلسطينية المحتلة وما بين ادارة الشأن العام وفقا لوقائع الاحتلال وما بين محاولة التوهم بالسيادة على اشبار معدودة من فلسطين ... المسافة شاسعة وكبيرة ما بين منهجية القيادة في ظل الاحتلال وادارة شؤون الجماهير على هذا الاساس، وما بين ادارة شؤون الشعب على اساس العيش في كنف كينونة السلطة والدولة وبالتالي لابد من الاتفاق على المصطلحات والاصطلاحات فمجلس الوزراء للسلطة الوطنية الذي يحاول التسلل ليتحول الى حكومة الدولة يدرك تمام الادراك انه يقف على ارض رخوة ويعايش السراب بكونه مجلسا للوزراء له مساحاته في اتخاذ القرارات والعمل على تنفيذها ... ولابد من فك الاشتباك وتوضيح العلاقة الجدلية بين هذا الاطار ( مجلس الوزراء للسلطة ) وما بين اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية صاحبة الولاية الفعلية والحقيقية على الشعب وهياكله ومؤسساته وبصرف النظر عن تراجع دور المنظمة وترهلها وتعطيل مؤسساتها واطرها ...
نحن أيها السادة، لم نعُد أمام نظام متناقض فحسب وانما امام نظام منقلب منفلت العقال على ذاته ومتخربش وغير مفهوم ومعلوم الزوايا، وحتى لا يختلط الحابل بالنابل لابد من اعادة التأكيد على جملة من الحقائق والمفاهيم ولعل هذه المفاهيم والحقائق معلومة ومعروفة الا انه وفي ظل الازمة الراهنة ووقائع الشرذمة والانقسام والوهن في كينونة الحركة الوطنية الفلسطينية. قد تخربشت بعض من تلك المفاهيم والحقائق وان كانت غير متوافقة والاطروحة الواقعية العلمية العملية للمرحلة الفلسطينية عموما حيث لابد من ان تدرك الطبقة السياسية الرسمية والتي تشتغل بالشأن العام وبمختلف المؤسسات الرسمية وخصوصا الحكومية انهم مكلفون كموظفين عند الشعب ... واذا كانت وظيفة السلطة الوطنية هي ادارة الشان الفلسطيني الداخلي بصرف النظر عن اتفاقنا او اختلافنا مع هذه السلطة بالتالي فان طواقمها بالاساس هم موظفون مكلفون بادارة الشان العام وهم بالتالي ليسو زعماء او قادة قبائل تنظيمية او صناع سياسات او مناهج و ليسوا حتى قيادات لهم اراء مفصلية ... من هنا لابد من اعادة تعريف المسائل حتى لا تختلط الامور ...
ان السلطة الفلسطينية المفروض انها اداة لتنفيذ سياسات القيادة الفلسطينية في اطار منظمة التحرير الفلسطينية لكن ان تتحول السلطة الى قيادة بديلة تصنع السياسات فهذا ما يمكن ان نسميه وضع العربة امام الحصان لتصبح العربة هي التي تقود الحصان الامر الذي يستحيل معه ان يسير الحصان خطوة واحدة للامام بل التوقف والثبات التام عن التقدم وهذا ما يحدث بالظرف الراهن بالحالة الفلسطينية ... حيث انه من المفروض انه تكون صناعة السياسات والقرار بها من صلاحيات القيادة الفلسطينية باطار ما يسمى باللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية لا ان تستجدي اللجنة التنفيذية مخصصاتها من وزارة مالية السلطة وهو الامر الحادث بالظرف الراهن، وهو الواقع المعاش في أروقة وزارة المالية تشهد على هذه الحيثيات وبات موظفا صغيرا او من يتحكم بآليات الصرف والتقرير بشأنها بل وباولويات المسار المالي.
ان الواقع الفلسطيني لا شك انه معقد لدرجة ان الابيض اضحى مختلفا على نصاعة بياضه والاسود قد يتحول الى رمادي اللون وبالتالي اختلطت الحقائق كلها ببعضها وهنا لا يمكننا تحميل المسؤولية فقط لوقائع الاحتلال فهذا من البديهيات لكن ان يتحول المواطن الفلسطيني الى مستجدٍ للقمة العيش وان يتحول فعله النضالي والاحتجاجي الى فعل مطلبي فهو بلا شك ما اشتغلت عليه سلطات الاحتلال لسنوات طويلة حتى تخلق مثل هكذا مواجهات وبالمقابل يتضح ومن خلال هذه الازمة الفشل الذريع لسياسات السلطة سواء أكانت المالية او المنهجية بادارة وقائع الواقع الفلسطيني واعتقد ان ثمة خلل خطير وقعت به القيادة الفلسطينية بالعموم وهو تعريفها للمرحلة حيث هناك فرق شاسع ما بين مرحلة التحرر الوطني وتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية وبالتالي السياسية والنضالية والياتها ووسائلها واساليبها وتلك المسماة بالمرحلة الانتقالية لبناء الدولة ... والوهم الذي عاشته جماهير الاراضي الفلسطينية المحتلة جراء سياسات غير واقعية والقاضية بانها بظرف بناء الدولة وان الدولة قد باتت على مرمى حجر وبناء عليه عايشت المرحلة وبدأت هي الاخرى بالاستعداد لمرحلة الدولة ومارست حياة ابناء الدولة الذين يعيشون في كنف الاستقلال وتقرير المصير فكانت بالتالي الاليات العصرية للعيش وفقا لمقترحات البنوك والاستدانة وحسابات الجاري والمدين والدائن والتسابق التعينات وان كان ثمة من فعل للتصدي لسياسات الاحتلال فمسيرة شموع على دوار المنارة قد تفي بالغرض ...