الثلاثاء: 26/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

شراكة إستراتيجية بين الرياض والقاهرة

نشر بتاريخ: 14/04/2016 ( آخر تحديث: 14/04/2016 الساعة: 11:31 )

الكاتب: حمادة فراعنة

أربعة عوامل دفعت العلاقات المصرية السعودية ، كي تكون مبنية على الضرورة وعلى المصلحة ، وجعلت مضمونها كما سماها الرئيس السيسي على أنها " شراكة إستراتيجية " وهي كذلك ، ليس فقط بسبب خصوصية العلاقة الثنائية ، بل بسبب حجم التحديات غير المسبوقة التي تواجه البلدين مما يفرض عليهما ويتطلب مواجهتها تحالف متين بين القاهرة والرياض أملتها عوامل مفروضة على العاصمتين ، ولذلك وُصفت زيارة العاهل السعودي للقاهرة في الفترة الواقعة بين 7 إلى 11 نيسان وما أسفر عنها على أنها نقطة إنطلاق لمعالجة أزمات المنطقة العربية وخاصة نحو اليمن وسوريا وليبيا وفلسطين ، وكما قال العاهل السعودي " إتخذنا قراراً ضد محاولات التدخل في شوؤننا الداخلية ، وتضامنا معاً عبر تحالف لمحاربة الأرهاب " ، وهو بذلك إختصر هدف الزيارة التي شملت التوقيع على 17 إتفاقية ومذكرة تفاهم في مجالات الكهرباء ، والأسكان ، والطاقة النووية ، والزراعة ، والتجارة ، والصناعة ، وترسيم الحدود البحرية وتجنب الأزدواج الضريبي ، وتبرز من ضمنها بشكل خاص تطوير منطقة وسكان شبه جزيرة سيناء من خلال مشاريع سكنية وزراعية وشبكة طرق وبناء جامعة ووصل مصر بالسعودية بجسر بري ، تباهى العاهل السعودي ووصفها على أنها " خطوة تاريخية ، ونقلة نوعية غير مسبوقة " .

وعوامل الضرورة والمصلحة بين العاصمتين يمكن إختصارها بالأربعة التالية :
أولاً : يخوض نظام الرئيس السيسي بعد الأطاحة بالرئيس السابق محمد مرسي عام 2013 ، حرباً سياسية وفكرية وميدانية ومواجهات صدامية مع حركة الإخوان المسلمين ونشاطاتها ، الأمر الذي يحتاج إلى إسناد خارجي لأعانته على مواجهة الصعوبات التي تواجهه ، والعربية السعودية لها مصلحة في إسناد خيارات الرئيس المصري ، حيث تجد أن حركة الإخوان المسلمين هي أحد مصادر القلق لنظامها السياسي أيضاً .

ثانياً : تخوض العربية السعودية حرباً شرساً ضد أحزاب ولاية الفقيه وخاصة حزب أنصار الله اليمني وحزب الله اللبناني وإمتدادهما في بلدان الخليج العربي ، وهي بحاجة لرافعة سياسية لتأدية هذا الدور الذي يشكل الخطر الأول وفق رؤية الرياض على نظامها السياسي ، وتجد في القاهرة الرافعة السياسية المطلوبة .

ثالثاً : كلاهما مصر والسعودية تواجهان حرباً دموية ضد تنظيمي القاعدة وداعش ، وتجدان أن الأهمية في التلاقي بينهما والتنسيق معاً لمواجهة تحديات القاعدة وداعش وإحباط مشاريعهما المتطرفة ضد النظامين السعودي والمصري ، ضرورة ومصلحة مهمة لها الأولوية عندهما وفي برامجهما .

رابعاً : تجد كل من القاهرة والرياض ، أن سياسة الولايات المتحدة الأميركية ، قد غيرت بوصلتها وإهتمامها من إعطاء الأولوية للعالم العربي لما يحويه من مصادر الطاقة وأمن إسرائيل ومحاربة الأرهاب والسوق والمال العربي ، حيث تجد واشنطن أن هذه العوامل لم تعد مهمة بالقدر الكافي ولذلك وضعت لنفسها ومصالحها أولوياتها وفق الترتيب التالي: 1- أورويا ، 2- جنوب شرق أسيا ، 3- دول أميركا اللاتينية ، 4- بلدان جنوب الصحراء الأفريقية ، وبالتالي لم يعد العالم العربي من أولوياتها وقد إنعكس ذلك على تفاهماتها مع كل من روسيا وإيران ، مما سبب إزعاجاً وقلقاً لدى الرياض والقاهرة نحو دوافع تغيير السياسات الأميركية ، مما جعل العالم العربي عُرضة للتطلعات الأيرانية التوسعية وتطلعات حركة الإخوان المسلمين في الوصول إلى مؤسسات الحكم كما حصل في مصر وتونس وليبيا وغزة وسوريا .

وهذا التحول في السياسات الأميركية أربك الرياض ومعها القاهرة ، وأفقدهما مظلة كانتا تعتمدان عليها لمواجهة خصومهما ، ولكن الأشتراطات الأميركية لمسؤولي البلدين ، نحو العصرنة والديمقراطية والأنفتاح ، لم تستطع كلاً من القاهرة والرياض وباقي المنظومة العربية الحليفة للولايات المتحدة ، الأستجابة لها ، مما أوجد فجوة في التفاهمات الأميركية العربية دفعت الرئيس أوباما لتوجيه إنتقادات علنية غير مسبوقة للنظام العربي الحليف ، وأرفق ذلك بالتفاهم مع إيران والتوصل إلى الأتفاق النووي معها والأفراج عن مستحقاتها المالية المحتجرة ، بعد إلغاء قرارات مجلس الأمن الصادرة منذ عام 2006 وهي القرار 1696 ، و1737 ، و 1747 ، و 1803 ، و 1835 ، و 1929 ، وأخيراً القرار 2224 الصادر عام 2015 ، وجميعها كانت تستهدف فرض العقوبات على إيران ومحاصرتها إقتصادياً ، ولذلك دفع التحول في الموقف الأميركي كلاً من القاهرة والرياض في البحث عن خيارات بديلة ووجدتا في طليعتها الأعتماد على الذات الذي ولدّ إتفاق الشراكة الأستراتيجية بينهما .

ويمكن القول أن العوامل الضاغطة على مطبخي صنع القرار المصري السعودي ، شكلت الحوافز القوية التي دفعت البلدين لقطع شوط مستعجل نحو التوصل لأتفاقات مختلفة تفرغ لها المختصون أشهراً منذ إعلان بيان القاهرة يوم 30 حزيران 2015 في أعقاب زيارة الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي ، الذي يعتبر المهندس المبادر للسياسات السعودية .

وفي قراءة لرصد تطور العلاقات بين القاهرة والرياض نلحظ في عهد الرئيس محمد مرسي أنها إقتصرت على لقاءين فقط بين مسؤولين سعوديين ومصريين ، بينما وقع 14 لقاء عام 2014 بعد الأطاحة بحركة الإخوان المسلمين ، ليرتفع إلى 19 عام 2015 ، وإلى ستة لقاءات خلال الرابع الأول من عام 2016 لتتوج بزيارة الملك سلمان التي ضمت 80 مسؤولاً سعودياً ، من بينهم 18 وزيراً و25 أميراً إضافة إلى عدد واسع من المستثمرين ورجال الأعمال والصحفيين ، مما يعكس حجم الرهان السعودي على الزيارة ونتائجها وعلى مستقبل العمل المشترك مع المصريين .