نشر بتاريخ: 18/04/2016 ( آخر تحديث: 18/04/2016 الساعة: 11:07 )
الكاتب: محمد نجيب الشرافي
لا أعرف لماذا ارتجفت يداي وأنا أقرأ حكما صادر عن محكمة العدل العليا. الحكم كما هو مدون "باسم الشعب العربي الفلسطيني" ممهور بتواقيع أعضاء المحكمة والمتهم رئيس ديوان الموظفين العام في غزة المستشار محمد أحمد عابد.
لم يكن هذا الحكم الاول من نوعه , ولكن سبقه حكم اخر صادر عن محكمة بداية غزة لنفس الغرض والمتهم ذاته , لصالح موظف حظي باعجاب زملائه لاصراره في الدفاع عن حقه.
أكثر من ذلك , توجه الموظف المقهور وزملاؤه إلى المجلس التشريعي وطالبوا المجلس ممثلا بشخص النائب الدكتور مروان ابو راس بانصافهم , باعتبار أن الشعب الذي يرنو إلى العدالة لا يليق به أن يفتقدها في وطنه.
القضية باختصار , أن ديوان الموظفين أعلن قبل نحو عامين عن وظيفة مدير شئوون الموظفين في المجلس الاعلى للقضاء ونظم لها مسابقة فاز بنتيجتها الموظف جميل خليل . تجاهل الديوان النتيجة المعلنة وقام بترقية شخص أخر لأسباب غير معروفة . الموظف الفائز في المسابقة رأى أن الصمت يمكن أن يفهم على أنه تفويض للمسؤول بالتمادي , فلجأ إلى القضاء .
لم تكن القضية بحاجة إلى تلك الضجة , لو أن السيد المستشار الذي كان يشغل في السابق وظيفة " نائب عام " امتلك جرأة الاعتراف بالخطأ وقام بتعديله وفق " معايير الحكم الرشيد "- كما هو مدون في رسالة الديوان ,
لكن المدهش أن يركب رئيس الديوان فرس العناد ويرد على استهجان النائب بالتأخر في تطبيق الاحكام القضائية بالقول :"بأن إشكاليات تنطوي على تلك الاحكام وتجعلها معدومة " وأن تنفيذها " ينطوي على أخطاء جسيمة ..جعلتها غير قابلة للتنفيذ " في اغتصاب فاضح لسلطة القضاء . بمعنى اخر , أن الاحكام القضائية المعنية لا قيمة لها ..أنا رئيس الديوان ,أنا من يمنح ويمنع !!!
قلما تجد مسؤولا حكوميا يعتذر عن سلوك ثبت له ولغيره أنه مدمّر لحياة الاخرين . كان الاعتذار فرصة لتأكيد موضوعية المسؤول وتجديد ثقة الجمهور بقراراته ونزاهتها . الاعتذارلا يتعلق بتصحيح ما وقع فقط ولكن بارساء تقاليد لا نملكها , ولا نوليها الاهمية المطلوبة , والاسوأ أننا لسنا في الطريق لامتلاكها .
قديما قالت العرب " الانصاف أحسن الاوصاف " أي أن الانصاف كلٌ لا يتجزأ . فلا يعقل أن تكون متحيزا وتدعي أنك منصف في ان واحد . جمال الانصاف يصرف إليك أنظار المعجبين ويصرف عنك أصناف المتعصبين . الانصاف رديف الموضوعية وقرين العقلانية ورجل الدولة من لا يخاف في الله لومة لائم وليس على طريقة ما يطلبه المستمعون !
القرارت غير الرشيدة من شأنها أن تضر بالمصلحة العامة وبالاخرين , اذا كنت لا تتذكر أحدا تراجع عن قراره , فهذا يعني أن كل من حولك قد اتخذ قرارات ناجحة , وهذا أمر يصعب تصديقه , سيما ونحن نرى اثارا كارثية للعديد من القرارات القيادية , وما زلنا ندفع ثمنها بسبب عناد لا مبرر له . فمن يتجاهل الاراء الصحيحة كمن يغمض عينيه اثناء عبور شارع مزدحم , فينتهي به المطاف إلى حيث لا يحتسب .
ربما لا توجد في عالم الادارة طريقة مثالية لتقييم أداء الوزراء والقياديين ولكن هناك قواعد أساسية متفق عليها أهمها العدالة والجدية والمؤشرات .والقائد الحكيم هو الذي يفرق بين " السرعة " في اتخاذ القرار عندما تكتمل اركانه , وبين " التسرّع " الذي غالبا ما يجانبه الصواب .
القضاء ملزم بفرض ارادته على رئيس الديوان , دونها ستهتز الثقة بالقانون ويصبح العبث سيد الموقف .
أرى أن يتم تشكيل لجنة تحقيق أولا في مخالفة القوانين واللوائح الداخلية ثم في اغتصاب سلطة القضاء والتلكؤ في تنفيذ قرارات المحاكم التي توصف عادة بأنها محايدة وغير انفعالية ولا عاطفيه تسعى لتحقيق أقصى درجات العدالة .
في يقيني , لو طُلب من المسؤول الذي يتحدى قرارات القضاء تقديم استقالته فسيكون عبرة لمن يأتي بعده . عندها سيكون الموظف امنا على مستقبله الوظيفي والمصلحة العامة في أيدي امينة.
وأنا أسجل إعجابي باصرار الموظف المقهور على اتباع كافة الو سائل المشروعة دفاعا عن حقه , أرى أن عناد المستشار يستدعي تدخلا لا يحتمل الانتظار بوقف التدهور في سلوك بدأ يطفو على السطح , سيما وأن هناك قضايا أخرى مشابهة دخلت المحاكم أيضا , وأشفق على من يتناسى أن لدينا جمهورا ذكيا ومفتوح الاعين يرفض تبريرات المسؤول غير المقنعة ولديه ما يمكّنه من التقاط المعاني والدلالات الكامنة وراء العناد .
هل أسيئ اختيار الرجل لهذه المهمة ؟ سؤال لم يعد كافيا دون إزالة اثارظلم ارتكبه , وعدوان على موقع جاء به الانقسام البغيض .