الثلاثاء: 26/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

قاعة المربية هيام ناصر الدين .... حاضنة للثقافة والإبداع

نشر بتاريخ: 19/04/2016 ( آخر تحديث: 19/04/2016 الساعة: 15:33 )

الكاتب: د. حسن عبد الله

المربية هيام ناصر الدين ، ولدت وتعلمت وترعرعت في مدينة الخليل، وكانت من أوائل المعلمات والتربويات الرياديات في المحافظة اللاتي التحقن بمهنة التعليم، حيث عملت معلمة ومديرة، قبل أن تتشارك زوجها المحامي الدكتور حسين الشيوخي في تأسيس الكلية العصرية الجامعية، التي أخذت على عاتقها مهمة ترسيخ وتعميم التعليم المهني والتقني في بلادنا - مستوى الدبلوم المتخصص، قبل أن تتحول إلى كلية جامعية، تمنح إلى جانب الدبلوم شهادة البكالوريوس، لا سيما في القانون.

كنت أرقب وأتابع نشاطها وحيويتها، من باب الاعجاب بحماسة امرأة فلسطينية مخلصة، حيث كنتُ أجلس في مكتبي - وتحديداً في مبنى "العصرية" ببيتونيا، خلال عملي في قسم البحوث والدراسات، ثم لاحقاً في مكتبي سنوات عملي رئيساً لقسم الصحافة والإعلام - في مبنى العصرية بالبيرة. كانت تحضر صباحاً تتغلب على الشيخوخة بتصميم وإرادة شابة في الثلاثين، تتفقد سير العمل، وعندما تتأكد أن كل شيء على ما يرام، تجلس بطيبتها وأمومتها في المقعد المقابل لمقعدي في غرفة مكتبي، وكم كان يسعدني كل صباح أن أشارك مع هذه الأم الرؤوم في احتساء فنجانين من القهوة، ونحن نتبادل الحديث عن الثقافة واللغة والكلية وبرامج محطات التلفزة المحلية، وطالما أثنت على برنامج الدكتور ناصر اللحام " جولة في الصحافة العبرية"، معتبرة ً أن ما يقدم في البرنامج، يتيح للمواطن الفلسطيني متابعة ما يجري على الساحة الإسرائيلية من سياسة واقتصاد وأحزاب ومخططات ونقاشات تتعلق بكيفية التضييق على الفلسطينين، مشيرة أنه من المفيد أن نقرأ ونستمع ونشاهد ما يدور "هناك" لكن بعينين فلسطينيتين. ووفاءً لهذه المربية وشغفها بالتربية والثقافة، فقد قرر مجلس أمناء العصرية الجامعية افتتاح قاعةٍ حديثة تحتضن نتاجات الباحثين والأكاديمين والتربويين والمبدعين في بلادنا، تطلق كتبهم ودراساتهم في احتفالات وندوات تليق بما قدموا وانجزوا. ومن هذه القاعة ينطلق صيف كل عام مؤتمر "ثقافة انتصرت على القيد" الذي يعقده مركز أبو جهاد لشؤون الحركة الأسيرة وبالتعاون مع العصرية الجامعية.

و قد تم تجهيز القاعة بنظام صوت ضمن أحدث التقنيات واضاءة تتناسب مع متطلبات التصوير التلفزيوني وشاشات عرض ومنصة وخلفية جدارية مشغولة بمهارة احترافية، وكأنها لوحة فنية مرسومة بالخشب ، قاعة جديرة بالأدب والثقافة والمبدعين، الذين هم أيضاً جديرون بمكان محترم يليق بما ينتجون، وترعى كل إصدار جديد دون تمييز بين مبدع وآخر، ما دام الهدف رفع شأن الثقافة والإبداع في فلسطين و التعريف بنتاجات الكتاب والباحثين و تعميمها على أوسع مدى، خصوصاً وأن احتفالات اطلاق الكتب تغطى بالبث التلفزيوني المباشر.

إن تأسيس هذه القاعة المهمة، يندرج في إطار الدور الذي ينبغي أن تضطلع به مؤسسات التعليم العالي الفلسطينية، في إعادة الاعتبار للثقافة بعد أن تراجع الاهتمام بها في السنوات الأخيرة، مقارنة بالسبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، علماً أن ما قدمته الجامعات والمعاهد والكليات في تلك الفترة كان فاعلاً ومؤثراً، وبالتكامل مع العملية التعليمية، من منطق انه لا يجوز فصلها تعسفياً عن المجتمعي وعلى وجه الخصوص الثقافي و الإبداعي.

ولأسباب شخصية وثقافية وإبداعية متداخلة، اخترت أن أسجل برنامج "عاشق من فلسطين"الذي أتشرف بإعداده وتقديمه، ومن انتاج فضائية معاً، في قاعة المربية هيام ناصر الدين، احتراماً و تقديراً لأمرأة تربوية فلسطينية، استمعت طويلاً لحلمها الأكاديمي والتربوي والثقافي، وتعلمت من اصرارها، أن الحياة ليست محطات عمل منفصلة ومتقطعة، بل إنها محطات متواصلة مستمرة حتى يغمض الإنسان عينيه ويرحل بهدوء عن الحياة، لكن وهو مسكون بالحلم. و ربما الأصح أن هناك من يرحل، فيما يستمر حلمه يتحقق عن طريق أوفياء مخلصين اقتنعوا برسالة من توقف نبض قلبه، فيما بقي قلب الرسالة ينبض عملاً وانجازاً.

ولعلنا من خلال "عاشق من فلسطين" ننجح في التأريخ والتوثيق لتجارب مبدعين كتبوا عن فلسطين ولفلسطين وللعالم، وقبضوا على الجمر ولم تنكسر أقلامهم.
وقائمة المبدعين طويلة وحافلة وتحتاج إلى جهد وعمل مثابر وسنوات من الرصد والتوثيق، لكن المهم أن نبدأ، لكي نحافظ على هذا التراث الفكري والثقافي، ولكي نتعلم ممن كتبوا بدمهم وصبرهم وأعصابهم، وما أحوجنا لأن نتعلم ونتعلم.