نشر بتاريخ: 24/04/2016 ( آخر تحديث: 24/04/2016 الساعة: 15:42 )
الكاتب: كمال هماش
كان للمتغيرات الدولية والعلمية في العقود الثلاثة الاخيرة أثرا انقلابيا على مجمل المفاهيم والعلاقات الدولية سياسيا واقتصاديا وعقائديا، والى درجة من اختلاط المواقف والرؤى تجعل من الصعب التعامل مع الحتميات ،بعد ان انفصم عن قاعدة التحليل للواقع،عاملا من اهم عوامل البنية التحتية لقراءة العالم، توازناته ومعادلاته،بعد خسارة الاتحاد السوفييتي ومعسكره للحرب الباردة.
ومن الطبيعي ان تحمل مرحلة ما بعد انهيار المعسكر الاشتراكي الكثير من الاسئلة الحائرة، للرفاق الحائرون حول اشتقاق مسارات جديدة للدفاع عن افكارهم ورؤيتهم للمجتمع ،بعدما شهدوا الثورة المعلوماتية وتكنولوجيا اتصالات غير مسبوقة.
وعلى مستوى فلسطين المحتلة ،تواكبت هذه التغييرات العاصفة في العلم والعالم مع عاصفة أوسلو وما ترتب عليها من مأساة بديلة لمأساة اكبر ربما،في مفاضلة للسياسي الفلسطيني المتنفذ بين ما هو مر وما هو أمر منه، وانعكست التغيرات على معظم المؤمنين بالفكر الاشتراكي ،لينتقلوا الى مرحلة البحث عن الخلاص بالحد الادنى من الحفاظ على الذات التاريخية للافراد والحركات .
وكانت طاقة الفرج الواسعة لرواد الفكر الاشتراكي قد فتحت من أوسع ابوابها ممثلة بمقولات ومفاهيم فكر المجتمع المدني(الغربي)الدخيل، وبشعارات مؤسساته عن العدالة والمساواة والنزاهة والشفافية،ينبوعا يروي ظمأ الثوار القدامى الذين كانوا يرون في هذه الشعارات سابقا، منهجا واداة رأسمالية لتخدير الشعوب أسوة بالاديان.
انهال اليسار الاشتراكي على بوابة مؤسسات المجتمع المدني ،بينما انثنى بعضهم الى القراءات الدينية ، فمنهم من أمن ومنهم من اجتهد في نقديات تجاوزها المفكرون منذ منتصف القرن الماضي في محاولة لاعادة تعريف الماء.
واستمر العجب العجاب في التعاطي مع قضايا الفقراء والعمال من قبل هؤلاء الرواد وبعضا من المؤسسات المستحدثة وفقا لمعايير يتقبلها المانح –الامبريالي السابق - لتوافق مزاج الاشتراكي-السابق- ايضا ، فاستبدلت تراتيل الصلاة لدولة العمال الى ابتهالات بمعايير العمل الدولية باعتبارها الوصفة الفردوسية للعمال .
واصبح دعاة التناقض الطبقي وانضاج الصراع الى مداه،رهبانا مسالمين يدعون للشراكة المتفهمة بين العمال واصحاب العمل، شراكة في اطار شراكة العبد والسيد ،لكنها عبودية ما بعد الحداثة ، دون ان تتجاوز دعواتهم سلوك القوادين للطبقة العاملة الى سرير العدو الطبقي كليا والوطني جزئيا .
لم يكن هؤلاء الثوار ليتقبلوا فكر المساومة النظرية مع البورجوازية الوطنية ما قبل اوسلوا، بل وصنفوها في معسكر الاعداء ، ليكونوا لاحقا اول النائمين في سرير سلطة الكمبرادور والتنميدولار، وقبل من عملوا لانجاز اوسلو،الذين شبعوا شتما ولم يأكلوا لحما.
وتعاطيا مع المفاهيم الجديدة المتشكلة من –شعار العدالة الاجتماعية – وسعي قيادات المجتمع المدني-الثوار اليساريين سابقا- للعمل على تحقيقه بالوسائل الليبرالية ، يمكن تفهم النقد الحاد لهذه المؤسسات للسلطة الفلسطينية وضعف رشادها ، وهزالها وفسادها ، رغم ان مصدر تمويل المنقود والناقد واحد، باختلاف معامل الارتباط ما بين قنصل او مفوض برتبة رائد.
الا ان التفهم يصبح غباءا اذا ما استمر لينطوي على التسامح مع مظاهرات قادها البعض احتجاجا على قانون شرائح الضرائب في يوم ما، هذا القانون الذي يعفي عمليا ذوي الدخل المحدود، ويضيف التزامات مالية على رأس المال ،وغرابة الامر ان الاخير سكت ،واليسار ازعج الشعب بطرق الطناجر احتجاجا ، بدلا من ان يطالب باستحقاقات اكبر على رأس المال الطفيلي اصلا.
وما حدث هناك تبعه الموقف من قانون الحد الادنى للاجور ، حيث ضج المجتمع المدني بشعار ضرورة رفع هذا الاجر الزهيد ، وكان على حق فعلا، لكنه توجه بالنقد للحكومة ولم ينفذ فعالية كفاحية عمالية واحدة موجهة لاصحاب العمل الذين بدون موافقتهم لا يمكن التوصل لاي صيغة من هذا القانون .
ونرى الان حملة وطنية مباركة لتعديل قانون الضمان ، وهي حملة تحمل الكثير الواعد ايجابيا لصالح تعديل القانون لحماية الفئات المستضعفة من غائلة الحاجة عندما لا يعودوا قادرين على العمل، وبينما ينشغل الكثير من القادة في معرفة حجم تقاعدهم مقارنة باجورهم العالية ، فانهم يحرضون لتعديلات تكفل لهم الحد الاقصى من رواتب التقاعد .
وقد يجادل فيلسوف ريادي من ذوي الدخل الشاذ الارتفاع ،بان من حقه ان يسعى لذلك وان الرزق من الله ،متناسيا ان فلسفة الضمان والتضامن والتكافل لم تكن يوما الا لحماية المستضعفين من العمال اجورا وحالا ، وان مشاركة الفئات الاكثر دخلا تأتي ثانيا ولتعزيز هذه الصناديق لتكون في لحظة قادرة على مساعدة من يفقدوا وظائفهم،وقدرتهم على الكسب في سن الكسب.
وحقيقة فان كافة النقديات لقانون الضمان قد تكون صحيحة ويفترض العمل على تعديلها ولكن ضمن رزمة متكاملة من الانظمة الاصلاحية لشبكة سياسات اجتماعية واقتصادية تجعل الامر يسيرا، ففي ظل النسب العالية من التهرب الضريبي من جانب القطاع الخاص ، والشذوذ المتطرف لرواتب الكثيرين في المجتمع المدني مقارنة بمعدلات الرواتب في فلسطين ، وتحويل القطاع الخاص للمسؤولية الاجتماعية الى مسخرة، لا تكلف مقدار دعايات شركة واحدة تشجع الناس على الكلام بنصف السعر،فان ذلك وغيره مجتمعا يجعل من شعارات المجتمع المدني مسخرة مضافة لكنها برواتب عالية لمن يمارسونها .
فهل سنرى من هذه المؤسسات من يقود عملا دؤوبا ولوبيا ضاغطا على الاتحادات العمالية لاحقاق تمثيلها للعمال واستحقاقه ؟؟؟، وهل سنرى هذه المؤسسات تمول تحركا جماهيريا تجاه مؤسسات رجال الاعمال ليقدموا اكثر في مفاوضاتهم مع العمال ،على مستوى رفع الحد الادنى للاجور وتطبيقة ، او رفع نسبة مساهمتهم في الضمان الاجتماعي الى مستوى مساهمة القطاع الخاص في الاقطار المجاورة ؟؟؟؟
واخيرا: هل نجد من ينادي بقانون للحد الاقصى من الاجر ،كمدخل لاعادة وعدالة توزيع ثروة شعب.؟؟؟؟