نشر بتاريخ: 30/04/2016 ( آخر تحديث: 30/04/2016 الساعة: 14:54 )
الكاتب: د. حسن عبد الله
شاركت مع الزميلين الكاتبين جهاد صالح ونزهة أبو غوش في لجنة تحكيم، في ميدان "المحاكمات الأدبية الطلابية" في نسخة العام 2016 من مسابقة سوق عكاظ التي تجريها سنوياً جمعية الرازي، على مستوى طلبة المدارس الإعدادية والثانوية.
ومن اشتراطات المسابقة أن يُعقد فريق كل مدرسة مشاركة، محاكمة أدبية لأديب له بصمته في الإبداع – القديم أو الحديث – من خلال عرض جانب من نتاجه ومحاكمته نقدياً في قالب درامي، ويتم في النهاية إصدار حكم بشأن تهمة يوجهها إليه الادعاء، ليشهد العرض بعد ذلك مرافعة من الدفاع، ثم الاستماع إلى أقوال الشهود، في ظل اسئلة ومداخلات القضاة.
أما نحن في لجنة التحكيم، فكدنا أن ننسى دورنا ومهمتنا حينما وقفنا أسرى الدهشة والانفعال، بسبب الأجواء الأدبية الدرامية التي عشناها، متفاعلين مع اداء تفوق على نفسه، واظهر مواهب لافتة في الالقاء والتمثيل والحضور على المسرح.
جاءت الفرق المتنافسة بلباسها وديكورها وممثليها، بعد تدريب وإشراف معلمين ومعلمات اجتهدوا شهوراً وهم يتابعون طلبتهم، حتى يتسنى لهم تمثيل مدارسهم على أحسن وجه.
لقد عشنا وقتاً ممتعاً مع المتنبي ودرويش وقباني وغيرهم من المبدعين الذين تم اخضاع نتاجهم ومواقفهم لمحاكمات أدبية متقنة. وأكثر ما أعجبنا هو تقمص الطلبة للأدوار وقدرتهم التعبيرية الشخصيات الأمر الذي حفزني للكتابة عن هذه التجربة، بغية ابرازها وتعميمها، في مرحلة يكثر النقاد والمتابعون في وصفها بمرحلة التراجع والتدهور الثقافي.
وما استخلصته من هذه المسابقة سأحاول تكثيفه في النقاط الآتية:
أولاً : أن ينجح القائمون على مسابقة سوق عكاظ في مهمتهم على مدى أربعة وثلاثين عاماً ، فهذا يسجل لهم من منطلق أنها أطول وانجح مسابقة طلابية يتم ترسيخها والاستمرار بها على مدى سنوات طوال، وهنا لا بد من الإشارة بإعجاب إلى دور الاستاذ جميل دويك الذي كان وراء فكرة المسابقة، إضافة إلى أنه العامل الثابت فيها، بالرغم من تغير وتبدل المؤسسات التي رعتها واشرفت عليها وصولاً إلى جمعية الرازي التي يشغل الآن موقع رئيسها.
ثانياً : المحاكمة الأدبية ليس كل ما في سوق عكاظ، فهناك جوانب إبداعية أخرى، ومن ضمنها على سبيل المثال مسابقة"كتاب وقارئ"، الذي كان لي معها شخصياً ثلاث تجارب ناجحة مع ثلاثة من اصداراتي وهي : "إعلاميون في مهمة" ، "رام الله تصطاد الغيم"، "البستان يكتب بالندى".
واعترف هنا ليس من باب تواضع مفتعل وإنما استناداً إلى الحقيقة، انه بقدر ما تأثر الطلبة بنصوصي وتعلموا منها، قد تعلمت في المقابل ملاحظاتهم ومداخلاتهم النقدية، ووجهوني إلى قضايا كنت اغفلتها أو لم أوظفها في النصوص كما ينبغي، حيث أخذت بعين الاعتبار عديد الملاحظات في طبعات لاحقة من كتبي.
ثالثاً: خرجت بخلاصة مفادها، انه من السذاجة أن نظل نكتب ونوصَّف التراجع الثقافي والإبداعي في بلادنا، دون أن نفعل شيئاً وبلا أية مبادرات، فجمعية الرازي تجاوزت التوصيف إلى لغة الفعل وإنارة شموعها التشجيعية، لنكتشف أيضاً أن كل مدرسة شاركت في المسابقة قد أنارت شمعة ولم تكتف بالجلوس والانزواء السلبي تلعن الظلام.
رابعاً: لدى طلبتنا الذي طالما صنفناهم ظلماً بالجيل المبتعد عن الثقافة والتائه في دروب وسائل الاتصال الحديثة، لديهم مخزون ثقافي ومعرفي وتوق للإنتاج والإبداع والمنافسة، أما المشكلة فتكمن فينا نحن الكبار المتخصصين الذين لم نستعمل المفاتيح الحقيقية للوصول إلى كنوزهم وإخراجها، وتوظيفها في الاتجاه الصحيح.
خامساً:أن الاستثمار الثقافي والإبداعي في الطلبة ، من شأنه أن يؤسس ويهيء لتجاوز الأزمة الثقافية التي نعيش، والمرتبطة في الأساس بأزمة السياسي في بلادنا، بعد أن تراجع دور الثقافي و الإبداعي إلى مصافِ التابع للسياسي، بدل التأثر والتأثير وفق جدلية العلاقة التكاملية بينهما.
سادساً: الحديث عن المدارس يقودنا تلقائياً للجامعات والمعاهد، التي من المفروض أن تستعيد دورها الثقافي والإبداعي، بخاصة وأنها شكلت في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي حاضنة حقيقية للنشاطات والفعاليات الثقافية ورفدت المشهد بكفاءات نوعية، وقد رصدت بعض الإرهاصات الإيجابية في الشهور الأخيرة كالمعارض والندوات التي أقامتها وعقدتها بعض مؤسسات التعليم العالي الفلسطينية كمعرض "عيون العصرية" الذي قدم فيه طلبة قسم الصحافة والإعلام في العصرية الجامعية مجموعة من الافلام الدرامية والوثائقية المميزة.
وأخيراً إذا كانت جمعية الرازي قد سجلت نجاحاً في "سوق عكاظ" على مستوى مدارس القدس والضواحي، فإننا نأمل توسيع وتعميم التجربة لتشمل محافظات أخرى، لعل التأسيس الثقافي في المدارس يفعل فعله ويثمر في المستقبل القريب ثقافة ً وإبداعاً.