نشر بتاريخ: 02/05/2016 ( آخر تحديث: 02/05/2016 الساعة: 11:34 )
الكاتب: عوني المشني
حكاية نجاح الشعب الفلسطيني او فشله في تحقيق غاياته تعتمد على الشخص الذي يقدم الإجابة ، وربما ليس هذا فقط بل فان اللحظة التي يجيب فيها مهمة . اذا كان الشخص محظيا في السلطة ومصالحة قد تحققت وامتيازاته محفوظة سيبدو من حديثه ان الشعب الفلسطيني قد انتصر وحقق أهدافه والوضع الفلسطيني في قمة الروعة ، وحتى هذا الشخص اذا تحدثت معه وقد اختلف او " كشر في وجهه الرئيس " او حتى اي مسئول في دائرة الرئيس فان إجابته تختلف ، يكون الشعب الفلسطيني حينها قد اصبح في وضع سيئ والحالة سيئة والقيادة فاشلة ، والعكس صحيح فإذا ما كان راضيا عنه الرئيس وبطانته فان شعبنا يكون بخير والأمور على احسن ما يرام . اما المعارضة فتلك لها رأي مختلف ، عندما تكون العلاقة بينها وبين الرئيس جيدة فان الوضع يكون جيد ولكن بحاجة لتحسين وعندما يختلفون مع الرئيس فان السلطة تصبح عميلة وتخدم الأعداء ، وهكذا هو التقييم الفلسطيني ، ينطلق باغلبه من منظور فلسفي هو المثالية الذاتية والتي تعتبر الحقيقة هي انعكاس لشعور الفرد على الحدث وليس الحدث ذاته .
أين نجح الفلسطينيون وأين فشلو ؟؟؟!!!
اخترت وقتا للإجابة أكون فيه لست مختلفا مع الرئيس ولست مقربا منه ، مصالحي محققة بقدر حاجتي ليس اكثر ، ليس اقل ، وبالتالي انعكاس موقفي ونفسيتي على الحدث تكاد تكون " نيوترل " لا سلبا ولا ايجابا . اما الوقت الذي اكتب فيه فهو يوم عاديا خالي من الوعود او الضغوط !!!!
بتقييم عام نجح الفلسطينيون في ثلاث قضايا استراتيجية .
اولا : عدم الذوبان كشعب . في ظل النكبة والنكسة ، حافظ الفلسطينيين عبر ثورتهم المعاصرة على الشخصية الفلسطينية ، قاتلوا من اجل ذلك ببسالة ، وفي النهاية عاد الشعب الفلسطيني الى الخارطة ككينونة سياسية . هذا النجاح هو عمل استراتيجي كبير وكبير جدا ، كان يراد للفلسطينيين ان يذوبو في الواقع ويموت الكبار وينسى الصغار ، كان يراد ان ننغمس في الحياة والبحث عن لقمة العيش وننسى ، عاد الشعب الفلسطيني الى الخارطة بفعل عوامل متعددة وفرض حضوره . عاد ليقوض فكرة هزيمة الشعوب ، يوجد جيوش تهزم ودوّل تهزم ولكن لا يوجد شعب يهزم .
ثانيا : نجح الفلسطينيون في الصمود نسبيا على الارض ، صمود اقل عددا عام ١٩٤٨ ، صمود اكثر عددا عام ١٩٦٧ ، وفي النهاية نصف من يعيش في فلسطين التاريخية هم فلسطينيين ، هذا قوض ويقوض الفكرة الصهيونية من اساسها " ارض بلا شعب " . ان هذا الصمود هو حجر الزاوية في استراتيجية الكفاح الوطني وهو المرتكز الأساسي للنصر ، انها الحقيقة التي تجعل أسطورة القوة الاسرائيلية أسطورة قلقة غير متيقنة من المستقبل ، يسكنها خوف مزمن .
ثالثا : نجح الفلسطنيون كافراد وليس كجماعة في فرض حالات ابداع تضع شعبنا في مكانة محترمة بين الشعوب ، ابداع علمي وفني واقتصادي وثقافي ، اسماء كبيرة مثل محمود درويش ، ادوارد سعيد ، ناجي العلي ، اسماعيل شموط ، أميل حبيبي ، سميح القاسم ، وهكذا في الاقتصاد والطب والهندسة ..... الخ هذه النجاحات الفردية وان كانت صغيرة مقارنة بالنجاحات الجماعية للشعوب الا ان تراكمها تجعلنا كشعب نحتل مكانة جيدة بين الشعوب وتساهم في تفهم حقوقنا الوطنية . ان شعبنا يفرض نجاحات فردية في كل بقاع الارض ، حتى وان فشل حتى الان في تحرير وطنه حتى الان .
اما أين فشل الفلسطينيون ، فقد فشلو في ثلاث :
اولا : فشل الفلسطينييون في اجتراح اداة كفاحية قادرة على التحرير ، فشلو في حرب الشعب طويلة الامد ، فشلو في خلق جبهة عربية مساندة فاعلة ، فشلو في ثورة شعبية عارمة من داخل الوطن ، ربما هناك نجاحات جزئية هنا وهناك في هذا المجال ولكن هذه النجاحات لم تترك تأثير استراتيجي لهذا بقي السياق فاشلا رغم التضحيات الكبيرة والجهد الكبير
ثانيا : فشل الفلسطينيون في تقديم نموذج حكم إيجابي ، فشلت فتح في الضفة وفشلت حماس في غزة ، وفشلت المعارضة في تقديم بديل ، في الحكم فشلنا فشلا ذريعا ، ولا فرق بين النموذجين الاسلامي في غزة والوطني في الضفة كلاهما لم يقنع الجمهور وكلاهما يفتقر للمصداقية وكلاهما شكل خيبة أمل كبيرة . اما المعارضة اليسارية فإنها فشلت في طرح بديل مقنع ، بعضهم التحق ذيليا بالسلطة وبعضهم قدم نموذج سيئ في مؤسسات المجتمع المدني ، وبعضهم ما زال يعيش الجمود العقائدي ويعيش حالة إنكار ، ولكن جميعهم لم يقدم بديل مقنع .
هذا الفشل يخلق إحباطا كبيرا حتى تصبح لسان حال الفلسطيني ، كل فلسطيني ، واينما كان : أمن اجل هذا قدمنا التضحيات ؟
ثالثا : فشل الفلسطينييون في استخدام مقوماتهم الذاتية بشكل خلاق وحقيقي ، منهم قادة فكر لكن لا فكر فلسطيني ينعكس على واقع ثورتهم وحياتهم ، نجحوا اقتصاديا في بناء نماذج في العالم ، شركة سي سي ، البنك العربي سابقا ، وأخريات الشركات الكبرى المتميزة ، بينما فشلو في بناء اقتصاد تنمية او اقتصاد صمود . بمعنى فشل الفلسطينييون من ادخال النجاحات الفردية بنيويا في المنظومة الفلسطينية للارتقاء بها كمنظومة وحاضنة للنجاح ، اننا ندرك ان هذا قد يبدو هامشيا لدى البعض ولكن بعمق التحليل فانه الاهم ، وهذا الفشل ربما قد يكون مسببا حقيقيا للفشل في النقطة الاولى والثانية ، ان النجاح في المجتمع الفلسطيني فردي اولا ، وخارج المنظومة المجتمعية ثانيا ، ولا يعكس ذاته وطنيا ثالثا ، وهذا يخسر الفلسطينيين قوة ذاتية مهمة .
إذن هناك نجاح ، وهناك فشل ، نحن لسنا الشعب الناجح الى حد النرجسية ولسنا الشعب الفاشل الى حد مركب النقص . هناك نصف كاس فارغ ولكن هناك نصف ماس ملآن ، هناك شيئ تحقق ولكن كان بالإمكان تحقيق اكثر بكثير . الاحتلال مسبب ، الحالة العربية مسبب ، ولكن نحن كفلسطينيين مسبب ايضا لهذا الفشل . نجحنا حيث كان النجاح يعتمد على الحالة الشعبية والأصالة الشعبية والصمود الشعبي وتحقيق الذات الفردانية وفشلنا حيث كان النجاح يحتاج الى نخب وتخطيط وقيادة ومنهج . بمعنى ان النجاح الفلسطيني حالة شعبية والفشل حال النخب .
هذا ليس توازن مفتعل ولكن هذه هي الحقيقة المجردة والبعيدة عن التوظيف الاستخدامي ، يحق لنا كفلسطينيين ان نفخر بالانجاز ولكن يفترض علينا مضاعفة الجهد .
حيادية لا ترضي احد !!! أليس كذلك ؟؟؟ المحظيين في السلطة لا يعجبهم الإشارة لأخطاء وفشل !!! المختلفون مع السلطة لا يعجبهم الإشارة لأي نجاح !!!! اما انا فلا يعجبني رؤية وجه واحد للحقيقة وإغفال الوجه الاخر لان هناك دوما وجهان الحقيقة لا تكتمل المعرفة الا برؤيتهما كلاهما .