نشر بتاريخ: 02/05/2016 ( آخر تحديث: 02/05/2016 الساعة: 19:57 )
الكاتب: شفيق التلولي
في جولة فيسبوكية اشتبكت فيها الدموع مع الأشلاء الحلبية الملقاة في وجه البشرية جمعاء، جولة مهولة بحالة الفلتان الإفتراضي من صور وموائد ومناسبات وغيرها، بحثت خلالها عن قلمي بين الجثث التي أكلتها آلة الحرب الهمجية في حلب الشهباء، كثيرة هي الأقلام التي وجدتها رمادية وصفراء حمراء وسوداء، لكنني لم أفلح في العثور على قلمي في معرض هذه الألوان الشاردة من قول ما يجب أن يقال.
إرتعشت يدي فسقط القلم وذبلت جفوني فوقعت العين، لا عاد القلم يكتب ولا عادت العين ترى، ماذا يكتب والجفن قد ارتخي؟! العين لا ترى، كيف ترى؟ وقد فقأتها زخات الصور الكثيفة، وردح العصابات في زمن الحروب والإنقسامات التي أنهكها الأمراء والقباطنة بالقتل والقرصنة والشغب، ولا عروض الموائد الباذخة وإشهارات المناسبات التي لا معنى لها في زمن اللاورق ومشاعر التنك!
لم يعجبني عرض صور الموت في حلب ولا تغيير صور صفحات الأصدقاء الشخصية باللون الأحمر على الرغم من تقديري لوقفتهم التضامنية، أما من علقوا صفحاتهم على الفيس بوك لمدة ساعة، فمشكورين على هذا التضامن والمقاطعة الفيسبوكية، ولا أقلل من أهميتها الإعلامية في عرض هذه الجرائم التي يندى لها الجبين وتعتبر سابقة نوعية في عالم المجازر البربرية، ولكن لم أر إلا قلة ممن انبرت أقلامهم تغرد بالحق الصادح في وضح النهار تنديدا بمن يقف خلف هذه اللوحة السريالية من الموت المتداخل الألوان بين المدفعية والطيران.
مثلكم أنا أتخبط تارة وأتعذبل أحيانا وأتحسبن مرات ومرات، في كل مرة ألتقط قلمي من بين هذه الأقلام المتهاوية المتداخلة الألوان، أظن بأنه القلم الأبيض الذي سيشق طريق العتمة، وسرعان ما يتحول إلى رمادي، وعلى أبعد حد إلى اللون الأحمر، وفي ذروة الحالة فالأسود أشد قتامة للحداد على هكذا مشهد، لا أدري ماذا يجري لأقلامنا المتهالكة؟ هل أصابها الصم والبكم فلم يوقظها صوت المدافع وأزيز الطائرات؟!
ببساطة يا سادة يا كرام يا من لا تقرأون ما يكتبه قلم الرصاص في الظلام، ما يحدث في حلب يحدث منذ زمان، زمان ما قبل الهذيان والطوفان، بعدما انقضى زمن السلطان الذي مضى بمرعش وأضنة وعنتاب ومرسين إلى بلاد الترك والآستانة وسلاطنة عثمان، فقد ظن السلطان بأن الشهباء مدينة شهبندر التجار ومن فيها هم تنابل السلطان، فانبعث الفينيق إبن عنات وكنعان من الرماد لتنفخ فيه العنقاء روح حلب الشهباء، أغار عليها السلطان وسرق منها شمس الأمان، فحط بها الظلام والغربان.
يا معشر الكتاب من استطاع منكم الكتابة، فليتزود بحبر الحق وليتمنطق بقلمه الأبيض يخط الطريق وسط تمازج الألوان، ومن لم يستطع، فعليه بالصمت والكتمان وهذا أضعف الأشجان.
عذرا من العمال في الأول من آيار، حروف الموت غدرت بكم، واغتيلت الأقلام وسحقت المطارق والمناجل والمعاول في زمن خرافة ربيع القحط القاحل، كيف ننهل الماء من الجماجم؟! ونكتب بحبر الدم عن عيدكم والشهباء قتيلة، حلب اليوم كلها شهيدة، وتوزع دمها بين القبائل.
لا سلام على يقتل حلب، ولا عزاء للمطبلين من عجم وعرب.