الأحد: 17/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

رواية مجانين بيت لحم

نشر بتاريخ: 08/05/2016 ( آخر تحديث: 08/05/2016 الساعة: 14:21 )

الكاتب: بهاء رحال

ذاتها الطريق، طريق المجانين، اللذين استقر بهم الحال في المصحة، يجدفون ايامهم في الحياة شاكرين الحظ علی نعمة النسيان، ووحدنا القريبين من تفاصيلهم، هكذا كنا نعتقد قبل ان نقرأ الكتاب الذي يحمل اسمهم، حين دعانا الكاتب الرائع اسامه العيسة لنأخذ اشواطاً من القراءة المعمقة في حياة تلك الفئة من الناس الذين لم يعتدوا على احد بل احتملوا اعتداءات العقلاء عليهم دون أي ذنب.

يسطع نجمهم في كل زمان ويحاولون ما استطاعوا الهرب من عمر الخيبة والرجفة والنكبة بعيدا عن الاضواء الی جنون اختلف في امره العقلاء، بعضهم ذهب الى خلف حدود العقل المحفوف بالغيبة والحقد والكراهية، وبعضهم شاء ان يلجأ الى تلك المساحة الهادئة بعيداً عن الضوضاء والمشاكسات المتعبة، فمنهم من استقر به الحال عمراً لم يعده في حضرة من رفع القلم عنه، ومنهم من اجتزأ ايامه فسحة يعود اليها، ثم يخرج الى ساحة العقلاء الذين مل منهم وارتعب.

لقد استطاع الكاتب العيسة ان يأخذنا في رحلة شهية الى ايام مضت، والى سنوات تزاحمت فيها رائحة الاحتلال والاستعمار والبدايات الاولى من اوسلو، اوسلو الذي سطى على مجانين بيت لحم وقاسمهم في ارض كانوا يظنون انها ملكهم، وان القوى الكبيرة التي احتلت المدينة لم تنتزع منهم هذا الحق، بل حفظته داخل اسوار محصنه قبل ان يلتهم العقلاء اجزاء منها حين عادوا فاتحين، محررين، باستقلالهم البائس.

مجانين بيت لحم في زمان الخيبة ما حاجتنا للعقلاء، سؤال قد تراه بشكله عادي لا معنى له، ولكن اعد القراءة مرة اخرى، اعدها مرات ومرات لترى عمق هذا السؤال الذي يضع العقلاء القارئين امام عجز الاجابة، فوحدها ذكرياتك هناك تلتحم مع زمانها البريء الذي لم يكن يعرف قسوة التغير وسطوة الافكار التي تجمعت في حضور الذاكرة، فلم تكن الدهشة الا تعبيراً خارقاً عن جمال مكان لم يكن لأحد ان يتوقع أن يكون محط احلام اللاجئين، اللاجئين المشردين من قراهم لتحط رحائلهم بحثاً عن الامن وعن منطقة تأويهم في ذروة الحرب والهجرة، وسط عمليات القصف والقتل وهجمات العصابات الصهيونية آنذاك، فكان المجانين رفقاءً وجيران رحيمين، وكانوا عقلاء ينتابهم الجنون. 

اسامة العيسة عاد بنا سنوات الى الوراء، فتح ابواب الحنين لأيام غاب شخوصها وغيبتنا ظروف الحاضر الذي اخذنا بعيداً عن تلك المساحات التي كبرت فينا، عدنا في حضم فصول الرواية كأننا لم نكبر، عشنا ايام المجانين، ايامنا التي كنا فيها نكذب حين وجدنا انفسنا عقلاء والقينا بالتهمة جزافاً على مجانين ليسوا بالمجانين، ولم نلتمس لهم اعذاراً، فربما سخروا من الخيبة والهزيمة عقلاء فراحوا يختبئون خلف الجنون ليخلعوا عنهم اوسمة العار التي حملناها نحن العقلاء وتفاخرنا بها، فلم يضحك علينا المجانين بل نظروا الينا بعين الشفقة ودعوا بقلوبهم الرحيمة ان نصاب بالجنون كي يسقط عنا وزر الحياة.