الإثنين: 23/12/2024 بتوقيت القدس الشريف

شريف سمحان وسرديّة أيلول الأسود

نشر بتاريخ: 13/05/2016 ( آخر تحديث: 13/05/2016 الساعة: 18:34 )

الكاتب: عبد الله دعيس

يقدم شريف سمحان في إهداء كتابه "أيلول الأسود" الصادر عن جمعية الزيزفونة لتنمية ثقافة الطفل في رام الله، اعتذاره للذين قتلوا في أحداث أيلول الأسود، دون أن يحدّد من أيّ طرف هم، لأنه كان طفلا ولم يكن بيده حيلة! ليجعل القارئ يتساءل منذ البداية، لو لم يكن الكاتب طفلا في ذاك الوقت، ماذا كان سيفعل؟ وهل في اليد حيلة أمام هذه الأحداث الجسيمة؟
إنّ دراسة هذه الحقبة الزمنيّة، وهذه الأحداث، وتعريف اليافعين بها ضروريّ جدّا؛ ليس من أجل جلد الذات، ولا من أجل إيغار الصّدور وبناء جدار من الكراهيّة بين أبناء الأمّة الواحدة، ولكن من أجل استخلاص العبر والدّروس، وفهم أساليب العدوّ التي تنجح في كلّ مرّة بالإيقاع بنا وقتلنا، إن لم يكن بأيديهم، فبأيدينا!
يكتب الأستاذ شريف سمحان عن حقائق عاشها في طفولته، نائيا بنفسه عن اتّخاذ أي موقف من الطرفين، وينأى بنفسه عن أيّ من التنظيمات الفلسطينيّة، موضّحا أنّه كان مواطنا أردنيّا من أصل فلسطينيّ يعيش في عمّان قبل عام 1967.
لا يسهب الكاتب كثيرا بالحديث عن أحداث أيلول الأسود، بل يكتفي بالإشارة إلى بعض الأسباب التي أدّت إليها، وإلى بعض تبعاتها على الفلسطينيّين في الأردن، وإلى جانب من الحياة الاجتماعية في تلك الفترة. ونلحظ أن الكاتب ورغم أنّه لم يلقِ اللوم على أيّ من الطرفين، إلا أنّه اجتهد في إيجاد المبررات للنظام الأردنيّ لتنكيله بالتنظيمات الفلسطينيّة، فأشار إلى وجود السلاح غير المنضبط بأيدي الفلسطينيين في عمّان، وإلى خطف الطائرات، وتغوّل الفلسطينيّين على رجال الأمن الأردنيّين، ونقل مشاكل الدّول العربية إلى الأردن، والانفلات الأمنيّ، والاقتتال بين التنظيمات الفلسطينية، وبينها وبين قوات الأمن الأردنية. وصوّر الجيش الأردني بأنّه "يدافع عن وطنه وحكومته ومليكه وكيانه ووجوده." وتناسى أنّ هذا الجيش لم يدافع عن الأرض والمقدّسات والقدس التي كانت أمانة في عنقه أمام العدو عام 1967، واندحر سريعا تاركا كل شيء خلفه. أرى أنّ المؤلف بالغ جدا في تبرير موقف الأردن، وأغفل دور الاحتلال الصهيوني.
لا شكّ أن جميع الأطراف أخطأت حتى وصل الأمر إلى الاقتتال والمجازر البشعة التي حدثت عام 1970 في الأردن، لكن، ألم يكن هناك طرف ثالث وهو الاحتلال؟ فالعدو لم يكن غائبا، بل كان هو اللاعب الأبرز، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار إثخان المقاومة بالعدوّ، انطلاقا من الأردن، في الأعوام التي تلت حرب 1967. لكن الكاتب يتجاهل دور العدوّ ولا يعطي الصورة كاملة لليافعين الذين يكتب لهم!
وعرض المؤلف لأحداث أيلول الأسود لم يكن موفقا، بل كان سريعا مقتضبا غير واضح، يزيد من حيرة القارئ، وكأنّه يخشى أن يخوض غمار هذا الموضوع الشّائك، والذي هو اختار أن يناقشه. ثمّ ينتقل للحديث عن الفترة التي أعقبت أيلول الأسود، وملاحقة المخابرات الأردنية للمعارضين، وتحوّل الوجهة من تحرير الأرض إلى رأب الصّدع الاجتماعي، وتثبيت حكم ملك الأردن!
وأسرف الكاتب في ذكر عدم انتمائه للحزب الشيوعي أو غيره من الأحزاب، وكأنه يدفع تهمة عن نفسه. وتحوّلت رسالة الكاتب إلى اليافعين لرسالة تحذير من الانتساب للأحزاب أو الانخراط في أيّ عمل سياسيّ. وكأنه يريد من الشباب أن يبقوا على الحياد، ويراقبوا الأحداث عن بعد. فمن الذي سيتصدى للمقاومة إن هجرها الشباب؟ ومن الذي سيحمل أعباء النهوض بالأمة إن أمرنا اليافعين أن يبتعدوا عن أيّ تكتّل سياسيّ أو فكريّ سواء نتفق أو نختلف معه؟ فمن الذي سينهض بأعباء الوطن إذن؟ وكيف يكون ذلك؟ وهل مطلوب منّا أن نركن إلى القدرات الخارقة للأنظمة المنهزمة وأجهزة مخابراتها؟!
ولم يكن الكاتب دقيقا في نقل المعلومات. فمثلا، يقول في صفحة 13: "وكانت هذه المعركة حدا فاصلا للملك الأردني الذي خرج لتوّه من هزيمة أدّت إلى فقدان نصف مملكته (الضفة الغربية) بالكامل، أضف إلى ذلك المقدّسات الإسلاميه فيها، ووجود قبر جده (الملك عبد الله ) الذي قتل في القدس." فقبر الملك عبد الله كما نعلم في عمّان وليس في القدس كما ذكر الكاتب. وهل الغيرة على قبر جدّ الملك ستكون دافعا أكبر للجيش الأردني للقتال من الدّفاع عن البلاد والمقدّسات؟ ويستخدم الكاتب مصطلحات خاطئة وتعميمات دون دليل وبرهان. فيعلق مستنكرا عندما يرى سَحَر تلبس منديلا قائلا: "ولكن صرت أفكر كيف أنّ (الحزب الشيوعي) يتنكّر لأهالي أعضائه بينما رجال الدّعوة ومن خلفهم يقومون بهذا الواجب الاجتماعي." فمن هم رجال الدّعوة الذين يقصدهم؟ ومن وراءهم؟ هذا تعريض لا طائل منه؟ ويقول في صفحة 50: ففي الكرك تجد المسلم والبعثي والإخونجي والتحريري والشيوعي والمسيحي، وتجد أيضا من يحب الملك ويقدّسه حدّ العبادة." فما الاخونجي هذا الذي يذكره، أهو نوع من المهن حتى ينسب له ب(الجيم والياء) كعادة أهل الشّام، أمّ أنه دين مثل المسلم والمسيحيّ؟ وكيف سيفهم اليافعون الذين يتوجه إليهم سمحان بالكتابة هذه المصطلحات التي كانت دارجة بين جيل الهزيمة الذي تربّى على أكاذيب صوت العرب كما ذكر الكاتب في بداية كتابه!
فالكاتب شريف سمحان تصدى لموضوع شائك مهمّ، لكنّه وقف يسرد حكايات تتعلّق به من بعيد، وتحوّلت بوصلته بعيدا عن الاتجاه الصحيح، فلم يأت بجديد.