الإثنين: 25/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

غزة ودائرة الحرب والحصار والانقسام المغلّقة

نشر بتاريخ: 12/05/2016 ( آخر تحديث: 12/05/2016 الساعة: 10:42 )

الكاتب: د. وليد القططي

مع شروق شمس كل يومٍ جديد على وجه الأرض , يشرق معها أملٌ جديد بيومٍ أفضل من الأمس , وبغدٍ أجمل من اليوم , ويتفاءل الناس بأن الحاضر سيكون أكثر سعادة من الماضي , وبمستقبلٍ أكثر هناءً من الحاضر ... ولكن الأمر مختلف في فلسطين المحتلة , وبالتحديد قطاع غزة المُحاصر , وربما في دول عربية أخرى ضربتها لعنة الربيع العربي الحمراء , حيث يصحو الناس على يأسٍ جديد يجعل اليوم أسوأ من الأمس , والغد أقبح من اليوم , ويتشاءم الناس بأن الحاضر سيكون أكثر تعاسة من الماضي , وأن المستقبل سيكون أكثر بؤساً من الحاضر ... ذلك بأن الأزمات تتعدد وتزداد والمآسي تترسخ وتتعمق كمحصلة طبيعية لنكبة فلسطين وما تبعها من تهجير شتت الشعب الفلسطيني وحصر جزءاً كبيراً من الشعب الفلسطيني في شريط ضيق من ساحل فلسطين ( قطاع غزة ) لم يُعد أحد يرغب به وطُرد من التاريخ والجغرافيا , وهو بانتظار أن يُطرد من الحياة إذا ما استمرت معاناته دون حل , وهذه الأزمات والمآسي محصلة أيضاً للاحتلال وحروبه المدمرة على غزة , وللحصار ونتائجه الكارثية على سكان غزة , وللانقسام وآثاره الضارة التي ضربت مختلف مناحي الحياة في غزة .

وفي خضم ذلك تُدق طبول الحرب مجدداً مع كل جولة تصعيد عسكرية لنجد أنفسنا أمام سيناريو مكرر حفظه أهل غزة عن ظهر قلب , كما يحفظ محبو الأفلام العربية القديمة أحداثها التي تنتهي بطبول الزفة عندما يتزوج بطل الفيلم البطلة في نهايته , ولكنها عندنا تنتهي بطبول الحرب عندما يتدحرج التصعيد إلى حرب , والحرب تنتهي بالتهدئة , والتهدئة تعيد إنتاج الحصار ثم تكرّس الانقسام , حتى إذا ما تفاقمت المأساة واستحكمت حلقات المأزق عاد التصعيد فالحرب وهلم جرا , وحاصل ضرب الحرب والحصار والانقسام هو المعاناة بل والمزيد من المعاناة التي تُضاعف جيش البؤساء الجرار من العمال العاطلين عن العمل الذين لا يجدون ما يسد رمق أطفالهم , والفقراء المنتظرين على أرصفة الشئون الاجتماعية , والخريجين من الشباب الذين ذهبت أحلامهم ومعها حياتهم مع الريح التي تحمل غبار الحرب والحصار والانقسام السام , والخريجات من الفتيات اللواتي تبخرت طموحاتهن ومعها حياتهن تحت لهيب شمس الاحتلال والحصـــــار والانقسام الحارقة .

ودائرة الحرب والحصار والانقسام المغلّقة لم تنكسر بعد , ولن تنكسر إلا بتحقيق توازن ردع حقيقي مع العدو يمنعه عن عدوانه المتكرر على غزة , وهذا غير متوّفر حتى الان بالرغم من امتلاك المقاومة لنوعٍ من توازن الردع النسبي مع العدو الذي يجعله يؤجل عدوانه ريثما تسنح له الظروف المناسبة للحرب , وهذا ما أدى إلى ان ينتهي التصعيد العسكري الصهيوني الأخير على غزة بدون أن يتدحرج إلى الحرب , ولكنه قد ينتهي بالحرب في التصعيد القادم , أو التصعيدات العسكرية التالية , أو حتى بدون تصعيد عسكري بل قد يشن العدو حربه بطريقة مفاجئة , وحينئذٍ لن تعوذه الذرائع ولن تنقصه المبررات إذا ما اتخذ قراراً بالحرب , ذلك بأن أسباب الحرب موجودة على الدوام بوجود الكيان الصهيوني نفسه ككيان استيطاني إحلالي على الأرض الفلسطينية , ولوجود المقاومة كنقيض لهذا الكيان وتهديد له ثانياً , ولاستمرار الحصار على غزة ثالثاً الذي قد يؤدي إلى الانفجار في أي وقت , ولعدم تحقيق الكيان الصهيوني لأهدافه العسكرية والسياسية في حروبه السابقة غلى غزة رابعاً .

واضافة إلى ذلك فإن العدو يسعى إلى إلحاق الهزيمة بالمقاومة , أو على الأقل تدمير ما بنته من عناصر القوة في فترات التهدئة ما بين الحرب والحرب الأخرى كشبكة الانفاق ومرابض الصواريخ , كما أنه يسعى إلى إزالة العوائق التي تحول بينه وبين ابتلاع ما تبقى من فلسطين وإنهاء الصراع لصالحه سواء بالقوة المسلحة أم بالتسوية السياسية , كما أن الحكومة الإسرائيلية الحالية واقعة تحت ضغط ائتلافها المكوّن من المستوطنين والمتدينين واليمين المتطرف من جهة الذين يزايد بعضهم على البعض الآخر في إراقة المزيد من الدم الفلسطيني , وتحت ضغط الجبهة الداخلية الصهيونية المتخوّفة من الانفاق لا سيما في مستوطنات غلاف غزة , ولذلك أعلن وزير الحرب الصهيوني ( موشي يعلون ) أن جيشه سيواصل البحث عن الانفاق على حدود غزة وأنه سيرد على أي تهديد لحياة المستوطنين في غلاف غزة .

والخلاصة إن كسر دائرة الحرب والحصار والانقسام المغلقة على غزة , ووضع أقدامنا على بداية طريق التحرير والعودة والاستقلال , لا تتم إلا بإيجاد معادلة قوة متينة ركيزتها إعادة بناء المشروع الوطني الفلسطيني القائم على : التمسك بالثوابت الوطنية , وتحقيق الوحدة الوطنية , وتبني نهج المقاومة الشاملة , والاستناد إلى العمق العربي والإسلامي , ودعم أحرار العالم , وتعزيز صمود الشعب الفلسطيني .