الإثنين: 25/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

البوعزيزي لا يبعث في غزة

نشر بتاريخ: 12/05/2016 ( آخر تحديث: 12/05/2016 الساعة: 10:41 )

الكاتب: شفيق التلولي

" كم شاب حرق نفسه؟ وهو يعتقد أنه البوعزيزي، طلع التوانسة شيء وفلسطينيي غزه شيء"

أثارني هذا التعليق الذي ورد على منشور لأحد الأصدقاء؛ مما دعاني للكتابة في ما يحمله أبعاد هذا الموضوع من دلالات، وليس على سبيل الرد؛ إذ أنني أقدر كل وجهات النظر الحريصة على الغزيين والرامية إلى تغيير واقعهم المزري بفعل ما أحدثته التداعيات التي عصفت بهم من حصار وحروب وظلم وقهر وفقر وحرمان على مدار العشرة أعوام الأخيرة، حيث باتت معالمها واضحة وجلية أمام كل العيان ولا حاجة للخوض في غمار استعراض تفاصيلها وإحداثياتها.

وحتى لا نجلد ذاتنا أكثر مما يجب، ولكي لا يحترق شبابنا في الشوارع، أو يسقط من علٍ يجب علينا النظر إلى حالتنا بعين أخرى؛ فلا هكذا يصار إلى تغيير واقعنا الغزي، وحينما نأخذ بوعزيزي تونس مثالا أو نموذجا يحتذى به؛ فهي مقاربة تجانب الصواب، إذ أنه أي البوعزيزي عندما أقدم على إضرام النار بنفسه؛ ليشعل في تونس ثورة الياسمين لم يكن هناك سابقة لهذه الحادثة التي هزت عالمنا العربي، ولم تأت إلى المتظاهرين قوة بوليسية رادعة عمدت لقتل وترويع وترهيب التوانسة الذين هبوا انتصارا لحريقهم الذي أشعل النار فيهم وراحوا يثأرون لكرامتهم، وحتى لو حدث ذلك؛ فثمة الجيش الذي لم يُرق دمائهم، بل قام بحماية الثائرين ضد نظام الرئيس زي العابدين بن علي الفار من ثورتهم.

إن ما جرى في البلدان العربية الأخرى التي ضربها ما سمي بالربيع العربي من قمع وعلاج بوليسي لثوراتهم المفترضة وتدخلات قوى خارجية أخرى عبثت في البلاد وفرقت العباد وأدت إلى حروب وكوارث؛ أكد بما لا يدع مجالا للشك بأن أي حراك لا يرتقي إلى المستوى المأمول ولن يحقق أهدافه، إذا لم يكن هناك من يحمله سياسيا من خلال الأحزاب والنقابات وغيره، بل وحمايته بقوة عسكرية نظامية قوامها بالأساس جيش الدولة المستقل عن النظام والذي يمنع الأخير من التوحش والتغول على شعبه؛ فإنه يؤدي إلى احتراب يأتي على الحراك السلمي، ويقوض الدولة والمجتمع ويفكك كل مكوناته كما حدث في بعض البلدان العربية التي ما زالت تتقلب على جمر التشظي ونار الإقتتال.

المتتبع لهذه الحالة المتردية بالعموم؛ يلاحظ الفرق الكبير بين كل النماذج العربية التي دقت الشعوب نواقيس أنظمتها معلنة عن ثوراتها لإسقاط هذه الأنظمة، ورأينا جميعا ما جرى فيها من أحداث؛ أفشلت هذه الثورات بل وأجهزت على بلدانهم وقتلتهم وشردتهم وفتت من عضدهم ومزقت نسيجهم، فلو عقدنا مقارنة بين ثورة البوعزيزي الياسمينية وبين ما حدث في بعض الأقطار العربية الأخرى التي وقعت في قبضة الإنقلابات بين فكيّ الأمركة والروسنة، وما بين النيتو والدعشنة؛ لرأينا فارق النتائج الكبير والمتباين فيما بين هذه البلدان، كل هذا يؤكد بأن الثورة التي لا تستطيع أن تحمل رسالتها أطر سياسية وقوى عسكرية نظامية محكومة بالفشل والإنتحار.

فما بالك أن نعقد مقاربات بين البوعزيزي التونسي وبين شبابنا الغزي الذي يحرق نفسه ويودي بحياته سدىً دون أن يحقق أي هدف من أهدافه المرجوة، ودونما أن يتحرك أي أحد على مستوى الشارع الغزي في معرض ثورة المحترقين الغزيين كما حدث في تونس؛ فلا شارع الحبيب بورقيبة في تونس هو شارع عمر المختار، ولا الياسمين التونسي يشبه ورد غزة الجوري؛ فنحن بلا نظام واضح المعالم أصلا، ومنظومتنا الفلسطينية بالأساس واهنة ومفككة ومنقسمة عموديا شعبا وأحزابا وحكومات.

وعلى الرغم من كل ما سيق أعلاه وفي جميع الحالات؛ فإنه علينا ألا نقلل من خطورة ما يجري وعواقبه الوخيمة، بل لا بد أن نقف طويلا أمام ظاهرة الإنتحار تلك، ولا بد أيضا من الأخذ بالأسباب التي دفعت وما زالت تدفع بشبابنا إلى الإنتحار سواءً من خلال حرق أنفسهم أو السقوط من علٍ؛ فهي مؤشرات خطيرة إذا ما تم الوقوف أمام تداعياتها ونتائجها؛ فإنها تنذر بما لا يحمد عقباه.

وعليه فإن المطلوب من كل مكوناتنا الفلسطينية ضرورة التوافق على إطلاق الحريات بحسب ما كفله القانون حتى يصار إلى حراك سلمي عوضا عن الانتحار المتتالي بسبب الظلم والقهر والفقر والبطالة والحصار وانسداد الأفق؛ لعلنا ننهي هذا الشقاق الذي سلخ غزة بفعل انقلاب النظام السياسي الفلسطيني وانقسام منظومته برمتها خلال عقد من الزمان؛ مما عزلها عن العالم وأعدم كل سبل ومقومات الحياة الكريمة فيها.

تعالوا بنا ألا نحرض شبابنا على الحرق ولا على الإنتحار بأي شكل من الأشكال، وألا نتشبه بالبوعزيزي، ودعونا نبحر في سبل الحوار المعمق والهادف إلى تمكيننا من حرية التعبير عن الرأي؛ حتى لا نخسر شبابنا الذين يتساقطون حرقى وقتلى على أرصفة الطرقات.

إلتقطوا الفكرة يا أولي الأمر، إتقوا الله فينا، كفانا ما نحن فيه كفانا، "وكفى الله المؤمنين شر القتال".