نشر بتاريخ: 13/05/2016 ( آخر تحديث: 13/05/2016 الساعة: 12:27 )
الكاتب: جهاد حرب
(1) ربيحة ذياب وحسنية داود ولجان المرأة للعمل الاجتماعي
اعاد غياب الراحلة المناضلة ربيحة ذياب الى الذاكرة ذكريات لا تنسى ، لأكثر من ثلاثين عاما مضت، لثلة من الاولين ، ناشطات فتحاويات، أي في بداية الثمانينات ربيحة ذياب وحسنية داود ونهى عبدالله ومن ثم عناية الكايد رحمهن الله، وأخريات، مثلن نهجا ثوريا لا تلين لهن عزيمة، تحدين الصعاب وحواجز الاحتلال في سبيل خلق حلقة التواصل للعمل النضالي ومقاومة الاحتلال وتأسيس اطر ٍ تمنح المناعة وتقود الناس نحو المواجهة.
حركتهن لا تهدأ في طول البلاد وعرضها بإصرار الاحرار وعزيمة الثوار؛ فالتضحية سبيلهن لنيل الحرية، أو إحداث الصمود في الارض المحتلة، لإنشاء لجان المرأة للعمل الاجتماعي كحاضنة للعمل الفتحاوي النسوي وذراعها في الارض المحتلة وهي تجربة تستحق التسجيل والتوثيق والدراسة باعتبارها احدى تجارب فتح المختلفة المحكومة في المكان "الارض المحتلة" خاصة مع الرحيل المتلاحق للمُؤَسِسات.
(2) فتح الارض المحتلة ظاهرة إفشلها ضرورة
ضَرَبَ مناضلو حركة فتح وكوادرها في الارض المحتلة مثالا في التضحية والعطاء في قلب خطوط العدو في اشتباك دائم مع جنود الاحتلال ومؤسساته وأعوانه وأتباعه. نظموا صفوفهم وخلقوا مساحات مختلفة للعمل النضالي، وحافظوا على مسلكية غاية في المثالية، بالإضافة الى طلائعية التضحية والفداء، جعلتهم عناوين للبلاد ونقاط ارتكاز كقواعد آمنة للمواطنين وبوأتهم قيادة الجماهير بلا منافس.
تكل تجربة تعددت مجالات عملها من العمل السري والعمل الجماهيري؛ كلجان العمل الاجتماعي ومجالس الطلبة، وتجربة السجون ثلاثية تحتاج الى قراءة معمقة لإحداثياتها وتُفرعاتها ببعدها الجغرافي والمؤسساتي وقياداتها ومفاعليها لناحية توثيقها واستخلاص العبر.
جَسَمَ هذا التنظيم واقعية الحركة وسهولتها الممتنعة بالجدية والاصرار، والتراجع والترهل باختلاف التجارب والمواقع. وبرز هذا الجسم "التنظيم" بعد انشاء السلطة الفلسطينية باعتباره تحد لسلطة فرض الولاءات والتبعية، وبالقدرة على المنافسة لخلق وقائع على الارض في الاطر المؤسساتية، كانتخابات المجلس التشريعي عام 1996. لكن البحث عن الذات ومنافعها لبعض قيادات وكوادر هذا الاطر حطم التجربة وانهى الترابط المبني على التضحية والنضال وحولها الى علاقات مبنية على المصالح والزبائنية والقوة، أي من القوة المنبعثة من جدلية النضال الى القوة القائمة على المصالح الشخصية.
(3) السرية الطلابية "كتيبة الجرمق " ملحمة فتحاوية ببعد عربي
تُمثل السرية الطلابية أو كتيبة الجرمق ملحمة نضالية؛ بدأت في منتصف السبعينات، في بنت جبيل ومارون الراس وراس مسعود والنبطية وقلعة شقيف وغيرها من قرى جنوب لبنان، وفي التصدي لقوات النظام السوري اثناء الحرب الاهلية. انضوى تحت لواء هذه الكتيبة مئات من الشبان والشابات؛ فلسطينيون وكويتيون ويمنيون وعراقيون ولبنانيون، ذات الميول اليسارية. يقول الكاتب المقاتل شفيق الغبرا في كتابه "حياة غير آمنة: جيل الاحلام والاخفاقات" إن أكثر من نصف اعضاء الكتيبة هم من اللبنانيين، وقد جمعت السرية في ظهرانيها اشخاص من ديانات وطوائف ومذاهب مختلفة جميعهم امتلكوا حسا مجددا وإرادة التغيير.
مثلت هذه السرية / الكتيبة، التي وِجْهتها فلسطين ومقارعة الاحتلال وجنوده في جنوب لبنان، تجربة أخرى في حركة فتح ذات دلالات هامة منها تطبيق قواعد المسلكية الثورية في التعاطي مع الاهالي في بنت جبيل والمناطق المجاورة مناطق نفوذ الكتيبة، ودرس في الحكم لم يعمم لقطاعات اخرى، وطهارة سلاح المقاومة، وقوة الشباب وقدرة العطاء اللامتناهي لهم، وتغليب المصلحة العامة لحماية الثورة وعنفوانها وتغييب المصالح الخاصة للأشخاص. ناهيك عن أنها "مدرسة" فكرية زاخرة تحتاج الى تعمق وتأريخ لحفظ أيام الزمن الجميل.
انتهت هذه الظاهرة لعوامل متعددة منها انتقال الثورة من لبنان عام 1982، واستشهاد عدد كبير من قياداتها وكوادرها ومقاتليها، وصعود الطائفية في لبنان وبروز نمط جديد من المقاومة اللبنانية لطرد الاحتلال الاسرائيلي للجنوب، بالإضافة الى الاختلاف الفكري العميق بعد الثورة الايرانية الذي اصاب أهم منظريها أو المؤثرين في التوجهات الفكرية لأعضائها.