الثلاثاء: 26/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

النكبة التي لم تكسر شعبنا

نشر بتاريخ: 15/05/2016 ( آخر تحديث: 15/05/2016 الساعة: 11:54 )

الكاتب: د.مصطفى البرغوثي

من حيث المضمون فأن "النكبة" التي تعرض لها الشعب الفلسطيني عام 1948 ما زالت مستمرة. فمضمونها يتكون من ثلاثة عناصر. اولا- فصل السكان الفلسطينيين عن ارضهم. ثانيا- الاستيلاء على الارض وتهويدها بالاستيطان. ثالثا- بتنفيذ التطهير العرقي، اما بالمجازر كما جرى عام 1948 او بأنشاء ظروف اقتصادية وسياسية واجتماعية تجبر الناس على الرحيل.

عندما صدر قرار التقسيم عام 1947 واعطى للاسرائيلين 54% من الارض وللفلسطينين 45%، اعتبره الفلسطينيون جائرا وكانوا محقين في ذلك، لانهم كانوا يملكون عند صدور القرار 93% من الارض. غير ان الجانب الاسرائيلي نفسه لم يقبل مشروع التقسيم بل عمد بالقوة العسكرية الى احتلال 78% من الارض. ولعل اكثر الاكاذيب انتشارا ان اسرائيل قبلت مشروع التقسيم. ونحن نتحدى، مثلما فعل مؤرخون كثيرون، الجانب الاسرائيلي ان يبرز وثيقة واحدة صادرة عن بن غوريون او اي مسؤول اسرائيلي تشير الى قبول ذلك القرار ،ولن يستطيعوا، لانهم لم يقبلوا المشروع اصلا. وما زالت اسرائيل الدولة الوحيدة في العالم التي ترفض رسم حدودها. وعندما قامت اسرائيل عام 1948، كان الفلسطينيون يملكون 82% من الارض التي اقيمت عليها.

وبعد تهجير الفلسطينين وعمليات النهب والسلب التي قامت بها اسرائيل، فانهم لا يملكون رسميا الا 2.5 %. وما تقوم به اسرائيل اليوم هو محاولة تكرار نفس عمليات النكبة الثلاث وان كان بوتيرة مختلفة في القدس والضفة الغربية. وسلاحها الرئيسي الاستيطان. ولم تردعها لا المفاوضات ولا اتفاقيات السلام ولا التلويح بالمبادرة العربية ولا حتى الاعتراف بها في اتفاق اوسلو. واللافت للنظر ان الاستيطان كان يزداد شراسة واتساعا كلما وقع العرب مع اسرائيل اتفاقيات للسلام.

فما بين عام 1967 و 1979 عند توقيع اتفاق كامب ديفيد بين اسرائيل ومصر لم يزد عدد المستوطنين عن عشرين الفا. وبعد اتفاق السلام مع مصر قفز ليصل 111 الفا. وبعد ان وقعت منظمة التحرير اتفاق اوسلو قفز العدد ليصل الى 650 الفا . وطوال 23 عاما من المفاوضات العقيمة، استمر الاستيطان وكسب الوقت والضم والتهويد، وبذلك فان اسرائيل ارسلت للفلسطينين والعرب رسالة واحدة: انها لا تفهم الا لغة القوة. اليوم تحاول اسرائيل تكرار النكبة في الضفة الغربية وتستخدم منظمومة معقدة من الاستيطان، والحواجز وهدم البيوت والمنشأت، والجدار والقوانين الجائرة والاوامر العسكرية والضغوط الاقتصادية والسياسية.

وان كانت تستطيع فرض المستوطنين بالقوة العسكرية، فانها فشلت في تهجير الشعب الفلسطيني وتكرار مأساة 1848. وتواجه الحركة الصهيونية أزمتها التاريخية، بوجود 6 ملايين فلسطيني على ارض فلسطين التاريخية مقابل6 ملايين يهودي وكلما امعنت في الضم والتهويد والاستيطان كلما قربت نفسها من حل الدولة الواحدة دون ان تنجح في تحقيق حلمها بالتطهير العرقي الشامل والكامل. الفلسطينيون لم يخنعوا ولم يخضعوا. قاوموا وصنعوا ثورتهم المعاصرة. وصمدوا وصنعوا ثلاث انتفاضات. واجترحوا يوم الارض الذي صار رمزا لوحدة كل مكونات الشعب الفلسطيني. واللاجئون لم ينسوا ولن ينسوا. واذ اجبروا على الرحيل عام 1948، فانهم احتفظوا في قلوبهم وذاكرتهم بفلسطين وصانوا حق العودة كما تصان حدقات العيون. وجعلوا اسرائيل تواجه معضلة اخلاقية بالعجز عن تفسير لماذا يسمح منطقيا لمن لم يعيشوا على هذه الارض منذ الاف السنين بالقدوم اليها والتمتع بمواطنتها وخيراتها، اما من عاشوا هم واجدادهم واجداد اجدادهم عليها قبل اقل من سبعين عاما فانهم محرمون من حق العودة. النكبة لن تكتمل الا بثلاث عناصر. الاستيلاء بالقوة على الارض، وترحيل اصحابها، وكسر مقاومتهم. ولكن الفلسطينيون باقون، رغم رحيل قسم منهم. وكل من رحل يبدع في ابتكار وسائل العودة. اما المقاومة فحية ولم تكسر. ,وأما جيل الشباب فيثبت انه الاكثر و طنية و تمسكا بحقوق شعبه الوطنية و الاجتماعية. ولعل التاريخ سيسجل ان نكبة عام 1948 كانت على بشاعتها وشراستها ، النكبة التي لم تكسر ولم تهزم الشعب الفلسطيني.