نشر بتاريخ: 15/05/2016 ( آخر تحديث: 15/05/2016 الساعة: 12:46 )
الكاتب: د. نايف جراد
ها هي سنواتي الكبيسة تمر أمامي
لا أدري كم بقي من جيلي اليوم
أنا اللاجئ الذي ولدت في يافا الجميلة
أذكر أنها كانت تضج بالأغاني وغنج النساء الجميلات
كانت تزخر بالباعة والصيادين والسواح والعربات
هناك عرفت البحر
هناك عرفت الحب
هناك عرفت الحياة
عشر سنوات عشت أغازلها
بعدها كانت موات
عندي اليوم بضع وستون حكاية وحكاية
أقصها لأحفادي كل ليلة
أحيا فيها من جديد
وتخرج الروح مني صوب البدايات
صوب البيارات
ومنارة المنارات
صحيح أن جسدي هرم
وأن شمس الغربة والشقاء حفرت أخاديد في وجهي
لكنها الروح تسعفني
أزور من بقي من الأهل في يافا ينطقون بالضاد
وأقبل أحجار البيوت العتيقة وأغازل البحر
وأعرج على أختي في غزة المحاصرة
وألتقي أخي وأبناء عمي في طولكرم و نابلس وعمان
وأحط في مخيم البص عند خالتي في جنوب لبنان
وأقرأ على أرواح الشهداء في اليرموك فاتحة القرآن
روحي في شتات
جسدي في شتات
أفكاري في شتات
أتقيؤ كل لحظة الحسرات والآهات
وأبكي على رشيد( الكرشة) الذي أضاعه أبويه وبات متسولا في المدينة
ومات من المرض
يا الهي كم هي موجعة حكايتي
يا الهي كم أنا شقي ومتعب
يا الهي كم أنا جائع لظل سور بيتي وبرتقال يافا
هم أرادوا اجتثاث جذوري
حاولوا محو ذاكرتي
تحويل حلمي الى سراب
لكني لا زلت أزرع أشجار حلم العودة
وأرى الآمال في السهوب والهضاب
وحجارتي الباقية وأشجار الصبار لا تسمح بالغياب
لا زلت أجمع البهجة مع كل طلقة وصوت مدوي
أركب الريح على جناحي الحنين الى ماء النبع الرضاب
غلّاب أنا رغم الغلاب
احتمل برد الشتاء وقيظ الصيف وطعم النكبة المر
وأحمل الوجد وسر الحياة في صدري كأنه في سهاب
أنا لم أعد بعد ثمان وستين عاما أحتمل الانتظار
لم أعد أستطيع أن اعد الهجرات ولا المخيمات
انها تنتشر كالطاعون على كل الحدود
أنا هناك في كل مكان
في جباليا وبلاطة والدهيشة والنصيرات
في شنلر والبقعة و الوحدات
في اليرموك والنيرب وحندرات
في البص وعين الحلوة وشاتيلا ونهر البارد
في السلوم ومرسى مطروح
في أبو شوشة
وفي التنف والوليد والرويشد
في مجمع سايبر ستي
في بايدينسكا سكلا وآيزن هوتن شتادت
أنا في معكسر فريدلاند
أنا في كل مكان
أشبه جلادي الذي ذاق العذاب في أوشفيتس
أقتل اليوم على أيدي النازيين الجدد ويموت أبنائي في البحر غرقا
لكني لا زلت أردد كلمات روث كلوغر الناجية من المحرقة:
النجاة هي الشيء غير العادي
الموت هو العادي
وأنا نجيت رغما عنهم
ولا يمكن أن أغفر أو أعفو عن القتلة
وسأستمر بالحياة
وسأعيش لأقص روايتي.
أنا مسافر في الجرح العميق
أنا عائد في الحلم الجميل
وجعي وطن
وزادي كرامة إنسان
أنا ابن بحر يافا
أنا ابن سماء فلسطين المطرز بأنوار الشهداء
أنا ابن ذاك التراب
المجبول بدماء الأبرياء
أنا ابن السحاب
ووطني ليس سراب