نشر بتاريخ: 16/05/2016 ( آخر تحديث: 16/05/2016 الساعة: 11:57 )
الكاتب: د. وليد القططي
عندما نحيي الذكرى الثامنة و الستين للنكبة ولا زلنا في الشتات ، وعندما نقترب من الذكرى التاسعة والأربعين للنكسة ولا زلنا تحت الاحتلال و الحصار ، وعندما نكون على أبواب الذكرى التاسعة للانقسام ولا زلنا منقسمين ... وعندما تنقضي مئة عام تقريباً على النضال الوطني الفلسطيني ضد المشروع الصهيوني وما سبقه من احتلال بريطاني توّج المشروع الصهيوني بإقامة دولة (اسرائيل) على أرض فلسطين ، فهذا يعني أن الحركة الصهيونية قد نجحت ولا زالت في تحقيق مشروعها الصهيوني في فلسطين ، وهذا يعني من جانب أخر إذا ما انتقلنا إلى الوجه الاخر للصورة أن الحركة الوطنية الفلسطينية قد فشلت ولا زالت في تحقيق مشروعها الوطني الفلسطيني الذي يتمثل في تحقيق أهداف التحرير و العودة والاستقلال.
وهذا الفشل يتطلب البحث عن عوامله الذاتية وأسبابه الداخلية رغم أهمية عوامله الموضوعية وأسبابه الخارجية ، انطلاقاً من منهجية القرآن الكريم في دعوة الناس إلى البحث عن الأسباب الذاتية للهزيمة والفشل عندما وجّه المؤمنين للأسباب الحقيقية لهزيمتهم في معركة أحد "... قل هو من عند أنفسكم" ، وعندما أرشد الناس إلى سنن التغيير التي تبدأ بالتغيير الذاتي لتغيير واقعهم بقوله تعالى " إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم " . والبحث عن العوامل الذاتية والأسباب الداخلية يقتضي البعد عن النرجسية الحزبية و النظر في المرآة الفصائلية التي تتلذذ بمدح الذات , وتنخدع بالثناء على النفس , وتطرب بالتغني بأمجاد الحزب , والتي تجسد منهجية " كل حزبٍ بما لديهم فرحين" ، وهو فرح العُجب الذي يُعمي البصر ويطمس البصيرة عن رؤية أسباب الفشل و الهزيمة الذاتية .
ورؤية أسباب الفشل والهزيمة الذاتية بحدوث النكبة واستمرارها وتبعاتها لا تتم إلا بإتباع منهجية النقد الذاتي المتواصلة التي تؤدي إلى وضع أيدينا على نقاط القوة لتعزيزها , ونقاط الضعف لتقويتها , والأخطاء لمعالجتها وتصويبها , والثغرات لردمها وتفاديها ، وإعادة تقييم التجارب الفاشلة كي لا نكررها ونستبدلها بخيرٍ منها قد تكون ناجحة ... وبدون ذلك ستظل عملية إحياء ذكرى النكبة السنوية طقساً مفرّغاً من المضمون , وخالياً من الروح , ومنزوعاً من الفائدة . وربما سيحيي أولادنا الذكرى المئة للنكبة في الشتات ، وكي لا يحدث ذلك فإن المطلوب من جيلنا نقد ومراجعة مسيرة الحركة الوطنية الفلسطينية من أجل تصحيح مسارها وتصويب طريقها لنضع أقدامنا على الطريق الصحيح الذي يوصلنا في نهاية المطاف إلى إنهاء النكبة ليحيي أولادنا ذكرى النكبة في فلسطين الحرة المستقلة .
وطريق إنهاء النكبة طويلة وشاقة غير أنها ممكنة إذا ما تجاوزنا بعض المعيقات وأولها : هيمنة الفكر السياسي الذي قاد الشعب الفلسطيني إلى مشروع أوسلو , واستبداله بفكر سياسي يرتكز على الثوابت الوطنية والدينية والقومية للشعب الفلسطيني ويؤمن بنهج المقاومة وهدف التحرير . وثانيها : وجود السلطة ككيان وظيفي يخدم الاحتلال , لتتحول إلى جزء أساسي من الكيان الوطني ومن المشروع الوطني الفلسطيني وليست عبئاً عليه ، وأحد روافد مشروع التحرير وليست مقبرةً له . وثالثها : استمرار الانقسام الفلسطيني ليتحول إلى أرشيف التاريخ بعد انهاء الانقسام بالوحدة الوطنية وإعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني على أسس جديدة من المشاركة السياسية و الوطنية ليتحمل الجميع –منظمة وسلطة وفصائل ومؤسسات وطنية - عبء التحرير بدلاً من السعي لتقاسم سلطة تحت الاحتلال وتوزيع غنائم هي أقرب للغُرم منها للغُنم .
ومراجعة مسيرتنا الوطنية يتطلب معرفة عناصر قوتنا وتعزيزها ، ومعرفة عناصر ضعف عدونا واستغلالها ، ومن عناصر قوتنا على سبيل المثال وجود نصف الشعب الفلسطيني فوق أرضه فلسطين ما بين البحر والنهر , ولا زال رافعاً راية النضال ومقاوماً للاحتلال و الاستيطان ومحافظاً على هويته الوطنية ومصراً على نيل حقوقه الوطنية وفي مقدمتها حق العودة . ومن عناصر ضعف عدونا أن كيانه يعيش حالة انكماش بعد حرب أكتوبر 1973 ، وفشله في تحقيق مشروع اسرائيل الكبرى ، وعدم قدرته على حسم أي معركة أو حرب لصالحه عسكرياً في حروبه مع المقاومة ، وعدم وجود حدود آمنة له أو عمق استراتيجي لكيانه ، ولم يستطع جلب أكثر من ثلث يهود العالم إلى (أرض الميعاد) ، ولم يستطع فرض إرادته على الشعب الفلسطيني أو فرض الاستسلام عليه.
وفي الختام وكي لا يُحيي أولادنا الذكرى المئة للنكبة في الشتات وإضافة لما سبق فلا بد من الاتفاق على مشروع وطني جامع للتحرير و العودة و الاستقلال ، وبناء إطار وطني موّحد للكل الفلسطيني ، يقود مسيرة الحركة الوطنية الفلسطينية نحو تحقيق المشروع الوطني الفلسطيني يُعيد الاعتبار للقضية الفلسطينية ومركزيتها كقضية وطنية فلسطينية وقومية عربية ودينية اسلامية بل وكقضية كل أحرار العالم الرافضين للظلم و العدوان.