نشر بتاريخ: 19/05/2016 ( آخر تحديث: 19/05/2016 الساعة: 10:06 )
الكاتب: د.ابراهيم أبراش
الغضب نذير الانفجار ، والوضع في مناطق السلطة الفلسطينية بات لا يطاق على كافة المستويات ، لأن إسرائيل و قوى عربية وإقليمية ودولية معنية بإفشال كل جهد فلسطيني لإقامة دولتهم المستقلة سواء بالمقاومة أو بالعمل السياسي والدبلوماسي ، ولأن النخب السياسية الحاكمة في غزة والضفة فشلت في إدارة الصراع مع الاحتلال وإدارة الوضع الداخلي ، وبالتالي تتحمل النخب الفلسطينية جزءا من المسؤولية أيضا .
في مناطق السلطة الفلسطينية تجري عملية تدمير المواطن من داخله ، وتدمير قيمه وثقافته الوطنية وتشكيكه بنفسه وبتاريخه ، وقد نجحت هذه المحاولات نسبيا من خلال ما نشاهد ونسمع من مؤشرات كثيرة تُثير القلق . فبالإضافة إلى فشل جهود التسوية والسلام كما فشل جهود المصالحة ، تجري محاولات ممنهجة لصناعة الفقر والبطالة والفوضى وأزمة الموظفين والنقابات العمالية وأزمة الكهرباء والغاز والرواتب والمعابر وظاهرة التسول ومحاولات الانتحار وانتشار الجريمة والفساد ، والرغبة في الهروب إلى الخارج بأي ثمن ولأية جهة ، كل ذلك لإلهاء الشعب عن قضيته الرئيسة وليَقبل بأي حل وتسوية .
أما تحرير فلسطين والعودة لها فهو وإن كان أملا ثاويا في الصدور لا يتلاشى ، إلا أنه الآن موضوع مؤجل أو يتم الحديث عنه في المناسبات الوطنية . حتى خطاب المصالحة وإنهاء الانقسام أخذ بالتراجع وبات في نظر غالبية الشعب خطابا طوباويا نظرا لاتساع الفجوة بين الخطاب وما يمارسه أصحاب الخطاب على أرض الواقع .
خطورة ما يجري في ومع القضية الفلسطينية لا يقاس بحسابات اقتصادية فقط بل يمس جوهر القضية الوطنية . وإن كنا لا نطعن أو نشكك بالمعدن الأصيل للمواطنين الفلسطينيين في كل مكان ، إلا أن أعداء الشعب ومخططي استراتيجية الإلهاء يعملون على تغيير أولويات الناس واصطناع مشاكل وتحديات لكل تجمع فلسطيني تستنزف وقتهم وجهدهم واهتماماتهم ، وبالتالي تغيير طبيعة الصراع في فلسطين وتحويله من صراع كل الشعب ضد الاحتلال إلى صراعات وخلافات فلسطينية داخلية حول ما سيتبقى من السلطة ، وصراع المواطنين من أجل لقمة العيش والوظيفة والراتب حتى في ظل الاحتلال .
كان يمكن للشعب الفلسطيني أن يتحمل الحصار والوضع الاقتصادي المتردي ودرجة من الاستبداد السياسي وحتى يصبر على حرق الاطفال بسبب مشكلة الكهرباء ، لو كانت الحالة الوطنية سليمة والوطن غير مُهَدَد . لكن أن يعاني الشعب من كل ذلك بالإضافة إلى الاحتلال فهذا ما لا يمكن تحمُّله ، وبالتالي فمناطق السلطة مقبلة على انفجار . لن يكون انفجار جياع وعاطلين عن العمل فقط بل انفجار شعب على كل من أوصله لهذه الحالة من الذل والقهر وتقييد يديه لمنعه من مواجهة الاحتلال .
اخطر ما ترمي له استراتيجية الإلهاء هو اصطناع اعداء داخليين ليحلوا محل العدو الرئيس بحيث تصبح حركة فتح عدوا لحركة حماس ، وحركة حماس عدوا لحركة فتح ، والحكومة عدو للموظفين ، والضفة تتآمر على غزة ، وغزة عبئ على الضفة الخ ، أما مواجهة إسرائيل العدو الرئيس فأمر مؤجل في أفضل الحالات .
ارتباطا بذلك تتغير الأولويات ، فتصبح دولة غزة بأي ثمن وبأي طريقة ولو من خلال مزيد من معاناة الشعب وإذلاله هدفا له الأولوية على غيره ، وفي الضفة الغربية يتم اصطناع معركة مسبقة حول خلافة الرئيس واصطناع صراعات بين الحكومة والنقابات لإبعاد الأنظار عن تعاظم عمليات الاستيطان والتهويد والتنسيق الأمني وتشكيك الشعب بالمشروع الوطني وبجدوى وجود سلطة وطنية ودفعه لخيارات بديلة كالخيار الأردني .
كافة الفاعلين السياسيين الوطنيين وكذا دول الجوار والدول المعنية بالقضية الفلسطينية باتت تُدرك هذا الأمر وتخشى ليس انفجارا بوجه إسرائيل فقط بل مزيد من انفجار الوضع الفلسطيني الداخلي وبما يهدد دول الجوار العربية ، لأن انفجار الوضع في قطاع غزة سيؤثر على مصر ، وانهيار السلطة في الضفة سيؤثر على الأردن ، ومن هنا تتوالى المبادرات لنزع فتيل الانفجار ، ولكنها جميعا إما مبادرات جزئية كمحاولة عمل مصالحات داخل البيت الفتحاوي و بيت السلطة ، أو الحديث عن حلول لمشكلة الكهرباء أو تسهيل الحركة عبر المعابر ، أو مبادرات سياسية ارتجالية غير واضحة المعالم كالمبادرة الفرنسية والحديث عن مبادرة سويسرية ثم التفاؤل بحراك سياسي تقوده مصر كما تم الاستنتاج من خطاب السياسي الاخير ، أو بمزيد من الإجراءات الأمنية والاستعراضات العسكرية ووعدٌ ووعيدٌ بسحق كل من يجرؤ على الخروج للشارع محتجا .
ففي غزة مثلا ، أصبح طموح المواطن في غزة أن يحصل على 8 ساعات كهرباء في اليوم وأن يجد جرة غاز للمطبخ ، أو بطالة لعدة اشهر أو منزلا يؤويه ، و أطفال غزة الذين كانوا يرعبون العدو بحجارتهم وكان نموذجهم فارس عودة باتوا يتسولون في الشوارع وعلى شارات المرور ، وكثير من نساء غزة الماجدات بتن أيضا يتسولن في الشوارع أو يصطففن في طوابير للحصول على كوبونة أو معاش شؤون أو معاش أسير أو شهيد ، وشباب غزة الذين كانوا يتدافعون متسابقين للمقاومة والجهاد باتوا يتسللون لخطوط العدو للبحث عن فرصة عمل أو تسليم انفسهم لجيش الاحتلال ، أو يجمعون الدولار على الدولار لتأمين تأشيرة لهذا البلد أو ذاك أو ليسلموا أنفسهم لأحد قراصنة التهريب ليُخرجهم من جحيم غزة ، او يلجئون للانتحار ، أو يذلون أنفسهم لكل ذي سلطة وجاه للحصول على أية وظيفة ولو بطالة لعدة أشهر ، أو يشتغلون في أشغال مهينة ، إن وجدوها ، مقابل شواقل بالكاد تكفي مصروفهم اليومي .
في قطاع غزة حالة غضب على الجميع ، وإن كان الاحتلال مصدر كل مصائبنا وسبب كل المشاكل التي يعانيها القطاع كما بقية الوطن وبالتالي فالغضب والحقد عليه سابق على غيره ، إلا أن الانقسام وزعم فصائل المقاومة أنها حررت قطاع غزة من الاحتلال مرة أولى عام 2005 وحررته حركة حماس مرة أخرى من السلطة عام 2007 ، جعل حالة الغضب تتجه نحو حركة حماس أكثر من غيرها ولأنها السلطة الفعلية في القطاع وتتحكم بكل مفاصل الحياة ، كما تصيب نيران الغضب بشظاياها السلطة وكل الأحزاب والفصائل ومافيات إعمار القطاع ، والأطراف العربية والأجنبية التي تشارك في حصار غزة وتتلاعب بالقضية الفلسطينية خدمة لأغراضها الخاصة .
محاولات حركة حماس تصدير الغضب والانفجار القادم للخارج ، نحو إسرائيل ونحو الرئيس وحكومة الحمد الله ، أو مواجهته بإجراءات أمنية لن تنجح في إخفاء الوضع المتردي في القطاع ولا في تخفيف ثورة الغضب ، حتى وإن كانت حكومة الوفاق والرئيس يتحملون جزءا من المسؤولية . كما أن محاولة التهوين من الوضع من خلال الزعم بأن الوضع في قطاع غزة يبقى أفضل حالا مما هو في الدول العربية المحيطة ، هي محاولة بائسة ونوع من التضليل .
غضب غزة هو غضب الوطنية الفلسطينية وانفجار القطاع سيتجاوز حدود القطاع ولن يكون مجرد انفجار وغضب جياع وعاطلين عن العمل يريدون عملا أو خبزا ، بل سيفجر معه كل الحالة السياسية من نظام سياسي وسلطة وأحزاب واتفاقات . إن كنا نخص قطاع غزة أكثر من الضفة في توصيف الحالة المتردية ، فذلك لأن طبيعة المشاكل في الضفة مختلفة ، ليس اختلاف الأفضلية بل اختلاف في طبيعة التحديات ، وإن كان الوضع المعيشي ونمط الحياة في الضفة أفضل من القطاع ، إلا أنه ومن منطلق وطني وبحسابات وطنية استراتيجية فإن التهديد والخطر الحقيقي هو ما تتعرض له الضفة الغربية والقدس من محاولات استيطان وتهويد وتجريدهما من هويتهما الوطنية .