نشر بتاريخ: 19/05/2016 ( آخر تحديث: 19/05/2016 الساعة: 15:43 )
الكاتب: عيسى قراقع
في يوم 11/5/2016 وفي الذكرى الثامنة والستين للنكبة، اعلن في احتفال جماهيري في مسرح القصبة برام الله عن إنشاء مؤسسة "مساءلة العنف ضد الاطفال"، والتي بادر اليها والد الشهيد نديم نوارة، حاملا امام العالم جثة ابنه المقتول ، قميصه يشر دم، عيناه هادئتان مفتوحتان على البعيد، مصمما ان لا يدفن ابنه في النسيان ، وان يجد المجرمين واحدا واحدا، وان يطير في فضاء العدالة والبياض.
سقط الشهيدان القاصران نديم نوارة ومحمد ابو الظاهر امام سجن عوفر العسكري عام 2014، وكانت مظاهر لاحياء ذكرى النكبة ، دخل الولدان حوش الدار، تجدد العطش امام ذلك النبع،قفزا عن السياج وبوابة المعسكر امام الرصاصات القاتلة، لم يسقط الشهيدان ، بل تحولا الى شجرتين تنمو كل شجرة في الاخرى، تمتدان الى غرف السجن، ها نحن نسمع الدق على الابواب والقضبان.
شكرا شكرا والد الشهيد نديم نوارة، لأنك مجازا اخرجت الميت من الحي، والحيّ من الميت، وكنت جيشا ومؤسسة بكاملها في فرد، وانت تلاحق قاتل ابنك في كل مكان، لم تستكن للحزن والرثاء وللقدر، بل دخلت الى المقبرة والى الجسد، فتشت عن بصمات القتلة، دخلت الى الغبار والى الدخان وفتشت في كل الصور، دخلت الى عين الكاميرا، حتى رأيت من اطلق الرصاصات القاتلة على ابنك الشهيد نديم وعلى الشهيد محمد ابو الظاهر في ذلك اليوم الذي انتفضت فيه عضلات الارض في ذكرى النكبة الفلسطينية.
شكرا شكرا والد الشهيد نديم نوارة وكل من وقف معك وساندك من افراد ومؤسسات، لأنك انتصرت للضحايا جميعهم، الذين اعدموا تعسفيا وميدانيا ولازالوا يسقطون امام اعيننا في جرائم حرب، وجرائم قتل متعمد دون وازع او تدخل من هذا العالم الصامت.
شكرا شكراوالد الشهيد نديم نوارة، لانك اعتقلت القاتل، نظرت الى عينيه فوجدت دولة فاشية عنصرية تصطاد الاطفال كل ساعة، على هذا الحاجز وذلك الرصيف، ووجدت دولة تسلك سلوك النازيين وهي تعتقل آلاف الاطفال وتعذبهم وتحاكمهم محاكمات جائرة، هي دولة تنمو بين الاشلاء ، تتقمص الضحية نهارا، وتصير جلادا في المساء.
ووجدت الآلاف الآلاف من الشهداء ينتفضون في ترابهم ودمهم ينتظرون ان يناموا بسكينة وأمان في أبديتهم، ينتظرون العدالة الدولية، وان عجزت ينتظرون عدالة الناس والحقيقة التي سعيت وراءها من مكان الى مكان حتى وجدتها.
شكرا شكرا ابو نديم ، فقد انتصرت بجهدك وحبك وانتمائك لكل الشهداء وعائلاتهم، وقلت لنا نعم نستطيع ان نحمي ارواح اولادنا، ونعم نستطيع ان نكشف المجرمين مهما كانت حصانتهم السياسية والقانونية، ونعم نستطيع ان نلاحقهم في القضاء الدولي ونفضح المؤسسة الرسمية الاسرائيلية، مؤسسة الاعدامات والقتل لمجرد الاشتباه، نعم نستطيع ان لا يتحول الموت الى مجرد ذكرى، بل الى فعل وطني ومؤسسي لحياة جديدة لنا في الدنيا وللشهداء في الآخرة.
شكرا شكرا ابو نديم، بلاغة الضحية الان تسترجع عذابها الطويل، اصوات قتلانا السابقين والجدد يخرجون من رحم التاريخ ، فأنت لم تفكر بموت ابنك فقط، بل فكرت ان لا يموت ابناؤك الآخرين، ابناؤنا، فكرت بالمدرسة والحياة والكتاب والحديقة اكثر مما فكرت بالموت، اردت ان تمنع هذا الموت، لهذا خرجت من الجنازة الى ساحة الشمس، واضحة لك هذي الطريق ، فخذنا معك في هذا الدرب، فقد اتضحت لنا المسافة بين الموت والحياة.
شكرا ابو نديم، حملت روح ابنك وابعد، ارواح المشردين من بيوتهم في تلك السنة الخالية من الرحمة، لملمت عن اكوام الحطب نيرانهم واجسادهم ، وجمعت رسائل المعتقلين في معسكرات الاعتقال، الذين شنقوا، والذين دفنوا في مقابر جماعية ، والذين طردوا في البر و البحر خارج الاتجاهات.
ها هو قطار العودة ينطلق من مخيم الدهيشة الى القدس، وقد شاهد العالم شعبا يمشي على سكة روحه صامدا، لحما ودما وحجارة.
شكرا ابو نديم، تحتك اجساد النكبة بعضها ببعض، تنتج نارا وعبارة، ويتواصل سيل الدم والمعنى الانساني والاخلاقي، هي رواية ، تقلع بك حالما الى بساتين البرتقال المعلقة فوق الغيوم، وترتفع الحرارة.
شكرا ابو نديم ، لأنك رفعت النكبة الى مقام الروح والجسد ، واوعدتنا ان يستمر عناق الأرض والمطر الى الابد، واوعدتنا ان عمر الاحتلال قصير الامد، وأوعدتنا ان الحرية لنا ، ولنا فقط، كثيفة الحضور فينا لا تنصاع لأحد.
شكرا ابو نديم :
قلت لنا لن نبقى لاجئين في الحياة وفي الموت، لا زالت هناك نافذة مفتوحة، اصوات عالية توقظنا ، وسنعود الى بيوتنا سالمين.