نشر بتاريخ: 26/05/2016 ( آخر تحديث: 26/05/2016 الساعة: 15:44 )
بقلم: عيسى قسيسية
سفير فلسطين لدى الكرسي الرسولي
احتفلت فلسطين مؤخرًا بمرور عام على تطويب الراهبتين الفلسطينيتين: القديسة ماري ألفونسين والقديسة مريم بواردي، في مناسبة شكلت للآلاف من أبناء شعبنا الذين شاركوا بهذا الاحتفال الذي ترأسه قداسة البابا فرنسيس، واحدة من أهم المناسبات التي ولدّت لديهم شعورًا بالإيمان والمحبة. في ذاك اليوم، رُفعت آلاف الأعلام الفلسطينية في حاضرة الفاتيكان للتعبير عن كبرياء المسيحيين والمسلمين الفلسطينيين . وعلى الرغم من كوننا شعب يرزح تحت نير الاستعمار، إلاّ أن هذه المناسبة أثبتت للعالم أجمع وخاصة للكرسي الرسولي والكنيسة الكاثوليكية في مختلف أرجاء العالم أن لدى الفلسطينيين الكثير مما يقدمونه للعالم.
لقد جدد السيد الرئيس أبو مازن والقادة الفلسطينيون في مناسبات عدة التأكيد على أن المسيحيين الفلسطينيين ليسوا أقلية في فلسطين بل جزء أصيل من أبناء شعبنا الفلسطيني، وتم تخصيص لجنة رئاسية رسمية للشؤون الكنسية، ولم يقتصر عملها ضمن وزارة السياحة فقط.
إن فلسطين بوصفها مهد السيد المسيح تشكل نموذجاً بليغًا للتعايش بين الأديان، فقد أثبتنا جدارتنا نحن الفلسطينينن في الحفاظ على الأماكن المقدسة عبر التاريخ، وأرسينا هويتنا الوطنية وتجذّرنا بأرضنا المقدسة وتراثها لآلاف السنين، وكان المقوّم المسيحي لذلك التراث جزءاً مما أصبحت عليه فلسطين على مر العصور. كما كانت فلسطين وسوف تبقى الممر المسيحي الذي يربطها بالعالم العربي والإسلامي.
وقد تمثّلت زيارة وفد الفاتيكان إلى جامعة الأزهر في مصر بدعم من السيد الرئيس عباس وبتشجيعه بأهم الأمثلة الجوهرية على ذلك. حيث أننا نؤمن أن الحوار الاستراتيجي بين الشعوب والأديان من شأنه أن يؤدي إلى التركيز على القواسم المشتركة بدلاً من الاختلافات، والذي يعبّر عن أحد الأصول الأساسية في الصراع مع "داعش" ومع أشكال التطرف الديني كافة في منطقة الشرق الأوسط وفي بقية أنحاء العالم.
إن لقاء قداسة البابا أمس الأول مع إمام الأزهر الشيخ أحمد الطيب في حاضرة الفاتيكان بهدف ترسيخ العلاقة الاستراتيجية بين الكرسي الرسولي ومصر لهو مصدر فخر واعتزاز لفلسطين ودورها المحوري في تحقيق هذا اللقاء. ففي واقع الأمر، اتخذ الرئيس عباس زمام المبادرة لتمهيد الطريق لعقد هذا اللقاء، وتأمل فلسطين بأن صوت الحكمة والاعتدال سينتصر في نهاية المطاف ويهزم قوى التطرف والتعصب.
إن الإتفاقية الثنائية التاريخية التي تمت بين فلسطين والكرسي الرسولي في عام 2015 قدّمت فيها فلسطين نموذجًا فريدًا للعلاقات بين الفاتيكان والدول العربية. وقد أعدنا التأكيد على إلتزامنا بحرية العبادة وقمنا بتيسير عمل الكنيسة بالطريقة الفضلى بما في ذلك الإعفاء الضريبي. إن جوهر هذه الاتفاقية يعكس الشراكة الحقيقية بين فلسطين والكرسي الرسولي، ويتعدى العلاقات بين الطرفين من مجرد إتفاقية سياسية إلى تعزيزشامل للدور الهام لفلسطين – الأرض المقدسة ومركز العالم العربي والإسلامي – الذي يمكن أن تؤديه للوصول إلى تفاهم شامل بين المسيحية والإسلام، وبناء الأمل في مستقبل أفضل، وضمان الحرية والعدالة لجميع شعوب المنطقة.
إنه يملؤنا الأمل بأن تفتح هذه الإتفاقية عيون وقلوب المسيحيين في أرجاء العالم كافة، هذا العالم الذي أصبح متواطئًا مع الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، وقدم مواقفاً أصابتنا بالإحباط وخيبة الأمل بسبب الجهل أو الخوف من الإسلام أو حتى القراءة الخاطئة للكتب المقدسة. وبدلاً من السعي لإحقاق سلام عادل ودائم لجميع الشعوب، قامت بعض الدول بدعم مخططات الاحتلال الإسرائيلية الرامية إلى إدامة الوضع القائم المتمثل في السيطرة الإسرائيلية المحكمة على حياة أبناء شعبنا.
إننا بأمس الحاجة اليوم إلى مد أيدينا إلى شعوب العالم المتضامنة والصديقة لشحذ هممهم نحو التوصل إلى العدل والسلام. ولذلك لا بد من فصل السياسة عن الدين. فنحن في فلسطين مصممون على إقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة وحرّة على أساس المساواة في المواطنة والقيم الروحية والإنسانية.
وعلى الرغم من احتكار إسرائيل للقطاع السياحي، ومنع آلاف الزوار من زيارة الأماكن المسيحية الهامة في فلسطين، مثل برقين وأريحا ونابلس ووادي الكريمزان في بيت جالا، وعبود وعش الغراب في بيت ساحور التي تأثرت جميعها سلبًا من سياسة الاستعمار والضم الإسرائيلية، إلاّ أنه ما زال في جعبة فلسطين الكثير مما تقدمه للعالم. وسنواصل العمل مع مختلف الكنائس لتشجيع الحج المسؤول إلى الأرض المقدسة.
وبدعم من الكنيسة، يحذونا الأمل أن نتمكن من وضع نهاية لعقود طويلة من الاحتلال والقمع والنفي، وتدشين حقبة جديدة تصل فيها فلسطين بكامل قدراتها إلى الشراكة الحقيقية مع الدول المجاورة. وسنبقى نصلي أجل السلام في حاضرة الفاتيكان الذي بدأها قداسة البابا بحضور السيد الرئيس عباس، وسنصلي في كل مكان من أجل زرع بذور السلام في الأرض المقدسة وهزم قوى الشر.