الجمعة: 27/12/2024 بتوقيت القدس الشريف

تونس تنعي جماعة فاضلة

نشر بتاريخ: 28/05/2016 ( آخر تحديث: 28/05/2016 الساعة: 20:21 )

الكاتب: محمد نجيب الشرافي

من جديد, عادت تونس التي اطلقت يوما شرارة ما سُمي لاحقا بـ"الربيع العربي" تتصدر واجهة الاحداث العربية, من خلال الرسالة الشهيرة التي وجهها زعيم حركة النهضة إلى جماعته - الأم - جماعة الاخوان المسلمين.

ما الذي فعله الشيخ راشد الغنوشي؟ هل هو تمرد أم ثورة جديدة أم مجرد انفصال؟

فلتسقط النهضة – قال الغنوشي يوما – إذا كان سقوطها حياة لتونس وشعبها.

أي جرأة وحكمة امتلكها الرجل حين قال ما سبق, وحين خاطب مؤتمر التنظيم الدولي للاخوان المسلمين قائلا: "أعلن أمامكم أن تونسيتي هي الاعلى والاهم.. اريد لتونس أن تحمي ابناءها بكل اطيافهم والوانهم السياسية, أنا بالفم الملأن أعلن لكم أن طريقكم خاطئ وجلب الويلات على المنطقة". "ماذا سيتبقى لكم في حال دمار أوطانكم؟ يجب ألا تكون الكراسي هي الهدف, فالوطن هو الاهم".

سال حبر كثير في حصر أبرز دلالات رسالة الغنوشي التي هزت مؤتمر التنظيم الدولي للاخوان المسلمين ومنها:

- رفض انظمة حكم جماعة الاخوان وداعش والنصرة وحزب الله لسوس المواطنين والاعلان عن ولادة نموج جديد من الحكم قائم على التخصيص وعدم الدمج بين الدعوي والسياسي.

- تقديم المصلحة الوطنية على المصلحة الحزبية والوحدة على الانقسام والمشترك على الخاص, باعتبار أن الاسلام ليس ملكا لحزب أو جماعة, بل مرجعية دولة ونظام حياة.

- الاعتذار عن سنوات من تاريخ الحركة وتنصلها من المسؤولية عما وصف بأنه جرائم لقوى اسلامية سياسية.

- كان الغنوشي تابعا لمرشد خلف الحدود فاصبح مرشدا وزعيما وطنيا.

- ما حدث كان طبيعيا بالنسبة لحركة غيرت اسمها أكثر من مرة منذ انطلاقتها أواخر السبعينات, وقالت يوما إن شعار "الاسلام هو الحل" شعار فارغ – حسب تعبير الشيخ عبد الفتاح مورو أحد مؤسسيها - لكنها أثبتت أن الحركات السياسية كائنات حية قابلة للتطوير أوالفناء.

- ما حدث في الاردن وتونس يشير الى أن ربيع الجماعة الام بدأ يخبو وأن عليها توقع انتقال عدوى "النهضة" لاحزاب أخرى في المنطقة إذا لم تصوب أخطاءها – حسب الغنوشي.

كان الغنوشي, كغيره, يرى في جماعته تنظيما شاملا لكل مناحي الحياة, لدرجة لا تستطيع أن تحدد لها معالم واضحة. الاخوان المسلمون جماعة دعوية وطريقة صوفية وحزب سياسي وشركة اقتصادية وجابية ضرائب وهيئة رياضية ونظام تعليمي وصحي وميليشيا مسلحة . ومَنْ يكون على هذا القدر من الشمول هو الدولة نفسها وليس كيانا يشكل حركة عالمية عابرة للحدود . وعندما توجد جماعة بهذا الحجم فإنها تصبح دولة داخل دولة . ولأن الدولة واحدة لا تعرف التعدد أو الانقسام , فإن الجماعة الشمولية تجد نفسها في النهاية في صراع مع الدولة . وعندما ينشب الصراع بين الدولة الحق ودولة الجماعة فإن واحدة منها مسموح له البقاء .

ببصيرة نافذة رأى الغنوشي أن بلاده تسير إلى مصير ليبيا والعراق فقاوم شهوة السلطة والحكم , ورفض إحلال جماعته مكان الدولة وأن يقود البلاد إمام مسجد ليس من مهماته الخوض في دهاليز السياسة .

إذاً , ماذا يحدث عندما تقع السلطة والدولة بكل مؤسساتها في يد تنظيم تكتنفه السرية في كل شيئ ؟ لا تقل كارثة . حاول معي وفتش عن كلمة أخرى مناسبة . إن لم تجد فابحث عن كلمتين أو ثلاثاً ... , أو خذ نفسا عميقا يساعد على ابتلاع ما هو قائم في مناطق انت تعرفها .