الإثنين: 25/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

كفى للقتل!

نشر بتاريخ: 30/05/2016 ( آخر تحديث: 30/05/2016 الساعة: 12:37 )

الكاتب: اليف صباغ

في الرابع من حزيران، أي يوم السبت القادم، تطلق لجنة المتابعة العليا لمكافحة العنف برئاسة الأخ طلب الصانع، مشروعها الكبير لمكافحة العنف وتحصين مجتمعنا.

يحدث ذلك بعد نصف سنة تقريبا من الاجتماعات التحضيرية لهذا الحدث الكبير. فهل يكون كبيرا فعلا؟ وماذا نفعل ليكون كذلك؟ الا يكفي ما يواجه مجتمعنا من احداث دموية لينتصب الجرح النازف في قلب كل منا، ويصرخ: كفى للعنف! كفى للقتل! كفى للاستهتار بحياة الناس! كفى للتسلح!

القضية ليست فردية، القاتل ليس شخصا يعيش بعيدا عن مجتمعه، ويا ليت كان الامر كذلك، والمقتول ليس منفصلا عن مجتمعه أيضا. اذن القاتل والمقتول هو المجتمع ذاته، كل المجتمع. واذا كان العنف آفة تجتاح مجتمعنا وضحاياها سنويا،أكثر من ضحايا أي وباء آخر، دون ان نبذل جهدا مناسبا لمعالجة هذه الافة، كما يعالج الأطباء والمختصون وباء ما، فإن حالة المجتمع ككل، وكل فرد فيه سيعاني من هذا العنف. لا يجوز لأحد أن يقول: "أنا بعيد"، و"أولادي لا يتدخلون"، او "بلدنا بخير والحمد لله". لا أحد منا محصن من أي عنف!!

العنف ليس قضية قاتل ومقتول فقط، ويا ليتها تبقى في الأطر الفردية، فالمجتمعات التقليدية مثل مجتمعنا، يصبح القاتل في حماية عائلته او حمولته او طائفته، ويصبح هذا المجموع مسؤولا عن فعل الفرد، الفرد مسؤول عن اعماله الإيجابية والعائلة او الطائفة مسؤولة عن فعله الشائن. لماذا يا ناس؟ لماذا تحملون المجموع مسؤولية الفعل الشائن للفرد؟ ولماذا تقبلون على أنفسكم تحمل مسؤولية اعماله المشينة؟ لماذا تحمون القاتل بان تدفعوا ديّة الضحية على سبيل المثال، او تقبلون المشاركة في صُلح بين عائلات في حين ان القاتل فرد والمقتول كذلك؟ لماذا تسعون الى الصلح لتخفيف الحكم عن القاتل؟ ألا تشجعون، بذلك، غيره على ممارسة القتل أيضا، وهو على يقين ان هناك من سيشاركه المسؤولية، دون ذنب ارتكبه، ولا لشبهة او فعل قام به، الا لكونه ينتمي، بحكم الولادة الى الجماعة نفسها؟ ألم يحن الوقت بعد لرفع الغطاء العائلي والطائفي والسياسي عن القاتل، وأن يتحمل المجرم مسؤولية عمله وحده؟ وأعني ان نكف عن الفزعة العصبية الغرائزية، وان نكف أيضا عن تحويل الجماعة الى هدف للانتقام دون ذنب ارتكبوه!

لا يوجد تفسير علمي او منطقي او عقلي لهذه الموجه المتزايدة من العنف في مجتمعنا الفلسطيني في الداخل. بحساب نتائجها، انها اشبه بحرب أهلية عبثية. وقد سماها أحد الباحثين، د. نهاد علي، "إرهابا مدنيا". يُقتل الناس ان يقتلون انفسهم لأتفه الأسباب، قتل رخيص وارواح رخيصة ودم يسفك دون حساب، يغيب العقل وتحضر الغريزة البهيمية دون استئذان!!! نتهم الشرطة بالتقصير؟ نعم مقصرة وهذه مصلحة السلطة الحاكمة وسياستها العدائية. ولكن الشعوب التي تقع تحت الاحتلال لا تنتظر من شرطة الاحتلال تسوية خلافاتها الداخلية، بل تترفع عنها من اجل مواجهة العدو الأكبر والمشترك. هذه الشعوب لا تقيم جهازا مدفوع الاجر لصيانة السلم الأهلي، بل تتحصن بوعيها الفطري ووعي تنظيماتها السياسية والاجتماعية وقياداتها التي تقدم نموذجا صالحا للمجتمع.

المؤتمر الذي دعت اليه لجنة المتابعة العليا، بكل مركباتها السياسية والمجتمعية، ليس مؤتمرا ككل المؤتمرات السياسية، وليس يوما دراسيا نظريا كما حصل في مناسبات سابقة، بل هو مناسبة لتوسيع النقاش ليشارك به اكبر عدد من النشيطين، المسؤولين، المهتمين والحريصين على بناء مجتمع نظيف من العنف. ليس لأي منا مصلحة ذاتية ضيقةفي ذلك، بل هي مصلحة الجميع وتعود بالفائدة على كل فرد فينا، والأهم من كل هذا، انه الموعد والمناسبة لإطلاق مشروعناالكبير ،والمستمر لسنين طويلة، لوضع حد لهذه الظاهرة الخطيرة، ولتحصين مجتمعنا من الداخل أولا، ونعلن عن إقامة المرصد الخاص لتوثيق ومعالجة قضية العنف، حتى نكون مستعدين لمواجهة الاخطار الحالية والمستقبلية، والقادم اشد واكثر خطورة، ان مجتمعا تأكله الصراعات الداخلية هو مجتمع ضعيف، يسهل اختراقه وتفكيكه واخضاعه، فهل هذا ما ينتظرنا؟

إن مسؤولية نجاح المؤتمر المزمع عقده يوم السبت القادم في كلية القاسمي في باقة الغربية، تقع على عاتق الجميع افرادا ومؤسسات، على السلطات المحلية العربية "بما في ذلك الدروز والبدو"، على مكاتب الرفاه الاجتماعي، على مؤسسات التربية والتعليم، على المسؤولين عن برامج "مدينة بلا عنف"، على الجمعيات الفاعلة، محلية كانت او قطرية، على نوادي الشبيبة حيث وُجدت او يجب ان توجد، وعلى أعضاء الكنيست، حتى وان لم يكونوا من المتحدثين في هذا اليوم. وهي مسؤولية أصحاب القلم والكلمة الطيبة وجميع وسائل الاعلام المحلية والقطرية.. فليأخذ كل منا دوره ولا ينتظر الآخرين.