الجمعة: 27/12/2024 بتوقيت القدس الشريف
خبر عاجل
صفارات الإنذار تدوي في نير عام في غلاف غزة 

الواقع الوطني الراهن وحركة حماس ....

نشر بتاريخ: 30/05/2016 ( آخر تحديث: 30/05/2016 الساعة: 13:28 )

الكاتب: يونس العموري

ما بين الكلام الممنوع وذاك المُعلن وممارسة فن صناعة الكلام تكمن الكثير من الحقائق، وما بين الفعل وردة الفعل والمبادرة للفعل تكمن الكثير من الدلالات، وما بين صناعة الممكن سياسيا وممارسة القناعات الفكرية تكبر المسافات. وأن تكون في قمة الهرم السلطوي شيء، وأن تمارس الفعل المبني على الأسس الأيدولوجية والتي من المفترض بها أن تشكل القاعدة الأساسية لتداعيات الفعل السياسي وبالتالي ممارسة الحكم، شيء آخر.

ورسم خارطة الطريق التي يجب السير بها وسط كل التناقضات المعاشة في الظرف الراهن لا شك أنه أمر معقد، يتطلب الكثير من الحنكة والدهاء والتي ربما تتناقض وصياغة المواقف المبدئية، والعبور إلى سدة الحكم السياسي في ظل موازيين القوى السائدة على المستوى الإقليمي، وبالتالي الدولي يحتم على الحاكم القبول بقوانين اللعبة وأصولها، وبالتالي لا مناص من اللعب السياسي وفقا لقواعد هذه اللعبة، إلا ما يجب أن يكون من تحد لقوانين هذا المنطق المعوج أصلا الذي يحكم دهاليز فن صناعة القرارات، والتأثير فيها لتُطوع وفقا لمسار الفعل الشعبي الجماهيري ومتطلباته أو على الأقل وفقا لممارسة القناعات المبنية على قاعدة الإيمان المطلق بحتمية الصواب بمعايير العدالة وحق الشعوب في تقرير المصير. لكن الخضوع لمنطق المساومة حتى يتم تحقيق بعض المكاسب التي من الممكن تسميتها بالتنظيمية الضيقة فهذا ما لا يستوي وحقائق المنطق العام ذاته.

من هنا فإن المتابع للوقائع الفلسطينية ومسار الرسم البياني للمواقف السياسية التي تعكس حقائق الموقف يلاحظ أن ثمة تخبطا في هذا الأداء نتيجة غياب الإستراتيجية السياسية الفلسطينية المتفق عليها أو على الأقل المتوافق عليها، والتي تشكل حالة إجماعية ولو بالشكل النسبي لمتطلبات الواقع الفلسطيني وهو الأمر الملموس والواضح في هذه الأيام، الأمر الذي ينعكس بشكل حدي على الأداء السياسي العام وبالتالي ينزع عنصر التأثير بمسار العملية السياسية برمتها، وهو الملاحظ بالظرف الراهن.

وهنا تكمن الإشكالية الكبرى بالتعاطي العملي وتطورات العملية السياسية من قبل الجانب الفلسطيني سواء أكان الرسمي أو ذاك المُؤثر بصناعة المواقف السياسية، وفي هذا السياق لا بد من تقدير الموقف حاليا حيث الهرولة الواضحة المعالم من قبل مكونات الحركة الوطنية على مختلف مشاربها وتوجهاتها نحو الدخول إلى نادي اللعبة السياسية بكل أشكالها ومحاورها وتداعياتها وذلك بشتى السبل والوسائل الممكنة وان كان ذلك على حسابات الثوابت وقوانين فعل التحرر، وهو الأمر الذي بات ملموسا عند حركة حماس على وجه التحديد، من خلال التهدئة تارة غير المسبوقة في أتون الصراع بالشكل والمضمون، ومحاولة العبور الى نادي التسوية السياسية تارة أخرى، وهذا راجع إلى شعور حماس بضرورة تلبية احتياجات رعاة إعادة ترتيب المنطقة وفقا لقواعد هؤلاء الرعاة، الأمر الذي يعني القبول من حيث المبدأ بالعناوين الكبيرة للمسار السياسي الراهن والمتمثل بمغادرة محور المقاومة والممانعة في المنطقة، وإن كان هذا المحور قد أصابه الكثير من الشرذمة والتراجع، وهو ما يبدو جليا وواضحا في المشهد السياسي العام.

من الواضح أن الحركة الوطنية عموما وحركة حماس على وجه الخصوص تعبر مرحلة أعتقد أنها حاسمة في تاريخها، وبالتالي لها الكثير من التداعيات والإرهاصات على مختلف المستويات والصعد. ولعل أبرز هذه التداعيات تتجسد بتصدع الموقف الداخلي لدى الكل الوطني الفلسطيني ، والاخطر ان تشكيلات وقائع هذه الحركة لم تعد منضبطة في اطار اطرها ، فلم يعد هناك رأي واحد موحد بالأطر يعكس موقفا سياسيا واحدا تجاه مختلف مجريات العملية السياسية، وهو على الأقل ما أبرزته ردود الفعل الانفعالية حتى اللحظات الأخيرة على مختلف قضايا الساعة وافتعال الكثير من الإشكاليات الأمر الذي كاد وما زال يهدد أركان البنى الوطنية وهياكلها .

ولعل الأخطر ما بت يعرف الاختلاف والخلاف على الحكومة التي من المفترض انها حكومة توافق وطني، هذه الحكومة التي حملت الكثير من العناوين (حكومة التوافق، حكومة المستقلين، وحكومة التكنوقراط، وحكومة الرئيس) وبالمعنى السياسي فقد عبرت هذه الحكومة عن التزامها بكافة المواثيق والمعاهدات الموقعة مما يعني أن هذه الحكومة تعبر أيضا عمن أخرجها إلى النور، وهو ما لا تستطيع التنكر له حماس في الظرف الراهن أو النأي بنفسها عنه. بالتالي ظهر حجم التباين عند قيادات الصف الأول في حماس، الأمر الذي خلق سجالا سياسيا، ومواقف متباينة ومختلفة، وقد تكون أيضا متناقضة. ففي ظل التهدئة والحرص عليها وحمايتها وتشكيل الحكومة والموافقة على أطروحاتها السياسية تكبر المسافات ما بين الفكرة المبدئية وبراغماتية المصلحة التنظيمية لحماس، من هنا نستطيع القول إن حماس قد غادرت ثوابتها، وأصبحت حركة براغماتية تتطلع إلى العبور الى نادي أفعال السياسة من خلال الملاعب ذات التأثير في المحاور الإقليمية المرتبطة بالسياسات الدولية، الأمر الذي يعني أنها قد باتت حركة لها منطلقات مراعاة قواعد وقوانين السياسات الدولية، وبالتالي تجد حماس نفسها مبتعدة بشكل أو بآخر عن قانون الفعل المقاوم بالمعنى الكلاسيكي كعقيدة حاكمة وضابطة لمنهجها.

إن التطورات السياسية الجارية على الساحة الفلسطينة بالظرف الراهن والمتغيرات الحاصلة على المشهد الإقليمي قد أظهرت حجم التباينات والخلافات وتصدع المواقف داخل حركة حماس، وأسهمت بتمظهر حدة الخلافات التي قد تأخذ الطابع الشخصي بين قيادات حماس تارة، وقد تنعكس وتتمظهر على شكل تيارات لها اجتهاداتها، وبالتالي رؤيتها المتناقضة مع الرؤية على الأقل الرسمية لحماس حتى اللحظة الراهنة.
وحيث أن البيت الفلسطيني الرسمي ما زال مهلهلا، وبالتالي فإن هذا العنوان أصبح عرضة للشرذمة وبات لا يعبر عن الذات الجمعية الجماعية للمُراد فلسطينيا، الأمر الذي أصبح فيه عدم وضوح رؤية فعلية بحقيقة الموقف الفلسطيني المُعبر عنه من خلال المؤسسة الفلسطينية الرسمية حيث صار السجال والسجال المضاد والاجتهاد والاجتهاد المضاد هو المعبر عن الموقف السياسي الفلسطيني في ظل الخربشة والضياع للموقف الفلسطيني المؤسساتي الرسمي.

من هنا وبناء على ما تقدم اعتقد أن حماس تمتلك الحق بإعلان موقفها السياسي بإعتبارها جزءا من فصائل العمل الوطني الفلسطيني بعيدا عن وقائع الصراع الداخلي، لكنها لا تمتلك الحق باحتكارها للرؤية السياسية من خلال التهديد بفعل الاختطاف للجغرافية بمنطق القوة ولا التحدث عن الموقف السياسي الوطني بشكل عام على اعتبار أن هذا الأمر بحاجة إلى جهة تمثيلية حقيقية لجماهير الشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده، وهو المعبر عنه في إطار منظمة التحرير الفلسطينية التي لا بد من تعزيز مؤسساتها وإعادة بنائها وفقا للمصالح الوطنية العليا للشعب الفلسطيني، وحتى يتسنى لها التعبير الفعلي عن الأطروحة السياسية الفلسطينية عموما مما يعني ضرورة استيعاب حماس وغير حماس في مؤسسات المنظمة وإلا فإن البوصلة السياسية العمومية ستكون في مهب الريح مما يعني إمكانية التلاعب على التناقضات الداخلية الفلسطينية كما نرى حاليا.