نشر بتاريخ: 31/05/2016 ( آخر تحديث: 31/05/2016 الساعة: 14:08 )
الكاتب: رئيس التحرير / د. ناصر اللحام
في العام 2000 ومع فك شيفرة العناصر الطبيعية ، اتفق " العالم " على ضرورة عدم قيام العلماء باستنساخ انسان ، وذلك لمخاطر لا يمكن حصرها ولا درءها بدء من تعارضها مع الشرائع السماوية والفلسفات الانسانية القائمة ، مرورا بتجارب ربما تنتج وحشا ( كائن غير مصنّف ضمن الثديات او الطيور او النباتات ) يتعارض مع أهم نسق الاجتماعي الذي تقوم عليه الانسانية وهو الاسرة والعائلة .
ورغم ان دولا عدة ، بدات تسمح بزواج الأنثى من أنثى ، وزواج الرجل من رجل .. الا ان الامر لا يزال مسيطر عليه ، فالغريزة أقوى من العقل . والبشرية ستتكاثر وتنمو وتزدهر بغالبيتها رغم هذه الاستثناءات . كما أن استنساخ وحوش قديمة مثل الديناصور والماموث لا يزال خيالا علميا بحتا لا يمكن اعتماده كتجربة علمية ، لان الوجود والبقاء لا يعتمد على فسيولوجيا اعادة تكوين العضلات والهيكل ، ولا يعتمد عموما على البيولوجيا فقط . وانما يعتمد على السلوك الوظيفي والهرم الغذائي والاتصال بالطبيعة او المجتمع .
ولو أننا تخيلنا ان ديناصوا يتغذى على الهامبرجر ، او ماموثا ياكل ورق التواليت ، لوجدنا ان التطور العلمي واعادة التدوير لا يكفي للتنبؤ بسلوكيات وحوش أو " بشر تم تصنيعهم " في ظل مجتمع يقوم على التعاون والتكافل والحماية الجماعية .
وكنت تابعت مسألة الاستنساخ منذ بدايتها حين نجح العلماء باستنساخ النعجة دولي وهي أول حيوان ثدي يتم استنساخه بنجاح من خلية جسمية. تم استنساخها في معهد روزلين في جامعة إدنبرة باسكتلندا بالمملكة المتحدة عام 1996 ، وبعد ذلك امريكا واوروبا ، والان تبرع الصين في استنساخ المواد الغذائية والبيض واللحوم ، ولكنني رأيت صورا لمخلوقات عجيبة ومخيفة تشبه " الشياطين " حين حاول علماء التلاعب بأصناف وخلطها بأصناف اخرى . كما أنني رأيت في شوارع عواصم اوروبا كلابا تشبه الجمل او الثور او الزرافة او القط او الدجاجة !!!! ويمكن للقارئ ان يشاهد على محرك البحث صورا لغنمة بعشرة أرجل او طائر يزحف مثل الافعى وغرها نتيجة تجارب استنساخية فاشلة .
وصحيح أن دخول الاستنساخ الى عالم النباتات ، قد يحمي البشرية من المجاعة ومن الامراض ، ولكنه قد يتسبب بها أيضا ، وهنا يكمن دور منظمة الصحة العالمية التي تبدو لي من أهم المنظمات العالمية على الاطلاق . ولكن الناس يهتمون عموما بمجلس الامن والقرارات السياسية ولا يتابعون أخبار منظمة الصحة العالمية ، حتى أننا كصحفيين نادرا ما نتابع أخبارها او نعيد نشرها للتوعية كما انها لا تدرس في جامعاتنا ولا تناقش في جلسات حكوماتنا .
أما في السياسة ، فيبدو اننا دخلنا مبكرا الى مرحلة الاستنساخ قبل العلوم الطبيعية ، لانني أرى مناضلين صاروا يشبهون الراقصات ، وأرى قادة يشبهون العوام ، وأرى دهماء يتشبهون بالقادة ، وارى يساريين يتحدثون مثل اليمين ، وأرى نعجة تزأر ، وأسدا يصيح مثل حمار الزرد . وأرى قيادات بلا خيال علمي ، تتحرك وكانها مستنسخة . وأرى مدنا ينطبق عليها شعر محمود درويش :
أرى مدنا من الورق المسلح بالملوك و بدلة الكاكي ؟
أرى مدنا تتوج فاتحيها
و الشرق عكس الغرب أحيانا
و شرق الغرب أحيانا
و صورته و سلعته...
أرى مدنا تتوّج فاتحيها
و تصدّر الشهداء كي تستورد الويسكي
و أحدث منجزات الجنس و التعذيب ...
هل مرّ المحارب من هنا
كقذيفة في الحرب؟
هل كسرت شظايا كؤوس الشاي في المقهى ؟
أرى مدنا تعلّق عاشقيها
فوق أغصان الحديد
و تشرّد الأسماء عند الفجر...
...عند الفجر يأتي سادن الصنم الوحيد
ماذا نودّع غير هذا السجن ؟
ماذا يخسر السجناء؟