الإثنين: 25/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

معرض الصناعات الأردنية في نابلس..توجه اقتصادي صائب للعمق العربي

نشر بتاريخ: 31/05/2016 ( آخر تحديث: 31/05/2016 الساعة: 15:48 )

الكاتب: د. حسن عبد الله

الفلسطينيون مطالبون في هذه المرحلةبالبحث المستمر عن بدائل اقتصادية وعن قنوات تبادل تجاري بخاصة مع الدول العربية الشقيقة، وأحدد هنا الدول العربية ضمن الأولويات، فلا يعقل ولا يجوز أن نستورد سلعة من دولة بعيدة، ولها بديل في دول الجوار، لا سيما وأن جودة الصناعة الأردنية على سبيل المثال في كثير من المجالات، تتفوق على ما تنتجه دول غير عربية تغمر منتوجاتها أسواقنا ونحملها إلى مكب النفايات بعد فترة وجيزة، الأمر ذاته ينسحب على الصناعات المصرية، وصناعة الملابس السورية قبل أن يتم تخريب المصانع وحرقها في الحرب المجنونة التي يشهدها هذا القطر العربي.

أن تبادر غرفة تجارة وصناعة نابلس لإقامة معرض الصناعات الاردنية وتجتهد من أجل تعريف المستهلك الفلسطيني بمنتوجات شركات و مصانع أردنية، يعني أن المنظمين لا يتحركون من فراغ و لا في فراغ، وانما يعرفون وجهتهم ويدركون النتائج الاقتصادية لتوجههم، وينطلقون من الفلسطيني و العربي أولاً في انسجام تام مع مؤشر بوصلة اقتصادية وطنية وقومية.

المعرض خطوة عملية، وقد قيل في الماضي "ان خطوة عملية أفضل من دزينة برامج"، بمعنى ان المهم ألا نظل نتحدث عن بدائل للمنتوجات الإسرائيلية وان نتبارى في مناظرات إعلامية في هذا الشأن ونحصر استعداداتنا في الاغراق في " النظري" على حساب الخطوات العملية الملموسة، فهذا لا ينقذ اقتصادنا و يحررنا من التبعية، فقط المبادرات الاقتصادية والإبداع في استثمار الهوامش المتاحة وتوسيعها على طريق الانفكاك السلس والتدريجي من اتفاقية باريس الاقتصادية الالحاقية، في انتظار تحقيق ظروف موضوعية وذاتية تحررنا من التبعية والإستعمار الاقتصادي الذي جعل اقتصادنا بلا اقتصاد و بلا عملة رسمية وبإختصار بلا استراتيجية اقتصادية واضحة، لانك لكي تقف بثبات على القدم السياسية، يجب أن تكون قدمك الاقتصادية الثانية تقف بثبات وقوة على الأرض، لكي يحدث التوازن والتكامل، والا فإن مسيرتك ستظل عرجاء غير متزنة ما يصعب الحركة والوصول إلى الهدف.

السياسة هي تعبير مكثف عن الاقتصاد، هذا ليس شعاراً ولا تقديساً لمقولات وانما عبارة عن توضيح لماهية السياسة والاقتصاد وجدلية العلاقة بينهما، على هذا الأساس يتصرف العالم وضمن هذه الآلية يتحرك، وفي هذا الإطار تتأسس العلاقات والتحالفات وتشتعل الحروب وتنتهى القطبية المتعددة ثم ينتهي القطب الواحد وتعود القطبية، انه اقتصاد في اقتصاد مغلق بالسياسة، أي ان التحركات والتكنيكات السياسية تشكل واجتهته أو مظلته.

إن التوجه الاقتصادي لعمقنا العربي يتطلب تهيئة وتثقيفاً و شعوراً قومياً وفهم واستيعاب التداخل بين الوطني والقوي في حالتنا، بل واستحالة الفصل بينهما.
حتى نصل إلى ثقافة اقتصادية ليست نخبوية وانما شعبية عامة وواسعة، بحيث عندما يأتي المواطن البسيط إلى المتجر، يسأل أولاً عن المنتج الفلسطيني وإذا لم يكن متوافراً يسأل تلقائياً عن البديل العربي، وفي ذلك دعم لاقتصادنا وللاقتصاديات العربية وفي ذلك أيضاً كثير من السياسة وكثير من القومية.

ولنسأل انفسنا سؤالاً بسيطاً، بالرغم من احترامنا للصين وعلاقتها التاريخية معنا، هل يختار المواطن الصيني منتجاً أردنياً أو فلسطينياً أو مصرياً بديلاً عن منتج بلاده؟ وهل يتصرف هذا المواطن مع سلع الدول الأخرى بتلقائية وتسامح دون تمييز و دون أفضليات؟
و الجواب بالطبع ان هذا المواطن لديه دليل تلقائي يحركه انطلاقاً من انتمائه لوطنه وحرصه الشديد على اقتصادها.

نحن لسنا ضد الاستيراد من الصين أو أية دولة أخرى، لكن شريطة عدم توافر البديل الفلسطيني والعربي، أي المطلوب منا صياغة ثقافة اقتصادية، تنطلق من الاولويات، و ضمن هذا المنظور فإنني قرأت معرض الصناعات الأردنية الذي أقيم في نابلس و بثلاثة أبعاد متكاملة الأول الانفتاح اقتصادياً على عمقنا العربي والثاني تحديد أولويات اقتصادية والثالث الامساك بالحلقة القومية حتى في ظل اشتداد سواد المرحلة، وتفكك دول وانحصار التأثير العربي، فالمرحلة لا يمكن لها أن تتجمد في حالة معينة، فالقائم الآن في رأيي هو مؤقت، والقادم سيكون بكل تأكيد الأفضل.