نشر بتاريخ: 01/06/2016 ( آخر تحديث: 01/06/2016 الساعة: 14:56 )
الكاتب: د. زهير عابد
من يتأمل واقع العالم العربي يستولي عليه الحزن والأسى ويصاب بالمغص والألم وقد ينجلط، لما يرى من المفاسد والشرور والصراعات والمظالم التي تحيط بالإنسان من كل جانب، والتي تدفع في الشخصية العربية الضغائن والأحقاد، والمطامع والأهواء والتسلط والاستعلاء، والجميع يقف بعيدا عن تشخيص الحالة العربية، وما تعكسه الحالة الفلسطينية في فلسطين خير دليل على هذه الشرذمة، والواقع غير المعقول للأمةٍ لها تاريخها وأمجادها في بناء الحضارة الإنسانية.
فإذا ما تعمق الإنسان وأعمل بصيرته وفكر وتدبر في هذا الواقع المر والأليم، وفي أساس البلاء المحيط بالأمة العربية والإسلامية، نجد أننا نعاني من أزمة أخلاق حقيقية التي يجب أن نبحث في كيفية إصلاحها لكي نصلح من حولنا. فنحن لدينا مجموعة من المبادئ والأسس التي يرتكز عليها الفرد منا في توجيه سلوكه وتصرفاته على نحو محدد ومضبوط. لكي يكون عنده قناعات فكرية مرتبطة بمجتمعه الذي يعيش فيه والتحلي بالأخلاق والتعاون والتعاطف والشفقة والمودة والمحبة الذي يرفع من قيمته داخل مجتمعه.
وللفرد القيم الوطنية التي تعبر عن مدى ارتباطه وانتمائه إلى وطنه والمجتمع الذي يعيش فيه؛ فهي التي تلزم الفرد بحماية وطنه وتدفعه إلى المطالبة بحقوقه؛ فهي تعتبر مبدأ من مبادئ الدولة إن كانت قديمة أو حديثة، ولكن في الوقت الحالية أصبحت معيار للقياس مدى تقدم الشعوب وتطورها.
فالقيم الوطنية والإنسانية هي التي ترفع مستوى نضج الفرد، وهي التي تعمل على حماية حقوق الفرد في العيش بكرامة على وطنه وأرضه، من خلال نشر معايير المساواة والعدالة والحرية والتكافل الاجتماعي في المجتمع بأسره دون تفرقه عنصرية بين شخص وشخص آخر أو عائلة وعائلة أخرى أو هذا ذات منصب والآخر عاطل عن العمل كما هو الحال في مجتمعنا للأسف.
فالمجتمعات المتطورة تشهد تطور في جميع القيم الإنسانية والتي جعلتها في مقدمة الأمم المتحضرة، وأنظر جليا إلى من تخلى عنها أين مكانته بين الأمم أنه في قاع الأمم، ويقتل بعضه البعض بدم مثلج، وأصبحنا لا نستحي أن نقول أننا نقتل بعضنا بل ننشر ما نقوم به من أفعال مشينة على عبر وسائل الإعلام المختلفة وعلى الأخص مواقع التواصل الاجتماعي.
فتحول الشعوب إلى الديمقراطية يأتي من خلال تطبيق القيم الإنسانية وعلى وجه التحديد احترام الإنسان وعقله ومبادئ الحق والقانون، وليس كما هو حاصل في بلادنا! للأسف نطبق القانون بالشقلوب، وعلى مزاج المسؤول عن القانون، تقطع الرواتب وتهضم الحقوق ولا حياة لمن ينادي، ومن المسؤول هنا يهرب من المسؤولية ويقول طبق القانون، تعالوا نطبق القانون بأي حق يزج بأكبر مؤسسة تعليمية حكومية في فلسطين في السياسة المنقسمة على نفسها والتي أصبحنا لا نخجل منها، ونفتخر بأننا منقسمين.
فعندما تخلو النظم السياسية من المبادئ الإنسانية فأنها تصبح نقمة على شعوبها، لذلك لا نجد احتراما من أحد لأننا لم نطبق القيم الوطنية والإنسانية التي هي معايير عالمية في مدى تقدم الشعوب، فالديمقراطية هي أحد معالم النهضة الحديثة والتي يسعى قادة الرأي والمفكرون إلى تحويلها إلى واقع؛ فهي التي تدعم إقامة الدولة المدنية الحديثة، وقيمها الهادفة كالمواطنة، وسيادة القانون، والتبادل السلمي للسلطة، التي انقسمنا عليها وأخرنا قضيتنا قرون للوراء، ونحن لا ندري، سوى نريد السلطة والمسؤولية، وهذا يقول بالشرعية وذاك يقول أنا الشرعية، والمواطن غلبان ليس لديه حيله معهم، بل اعتقد بأن المواطن لو ذهب للجحيم مش مهم عندهم، فهو لا قيمه له في نظرهم.
ألا نخجل من أنفسنا بأننا نعدم باحثينا وعلمائنا بقطع رواتبهم وتهديهم بقوت عيش أسرهم، ولكن لا ريب ما دام لا توجد لدينا قيم إنسانية ووطنية، فها نحن نعيش على أرض محاصرة من البحر والبر والجو، لا سفر ولا علاج ولا دواء ولا كهرباء ولا ... ولا ... وألف لا... يوجد في بلدنا. ولا حياة لمن ينادي. الجميع في سبات عميق، الكل راض بما هو عليه من مكاسب سياسية والشعب ضائع بينهم.
وللمطالبة بحقوق هؤلاء الباحثين الذين اجتمعوا من أجل استمرار الجامعة في تقديم خدماتها لطلبتها، والذين لم يرتكبوا جريمة ولا مخالفة قانونية تستحق قطع الراتب، فقد ذهبوا إلى ديوان المظالم، ولم يحصلوا على شيء، وذهبوا إلى الضمير، ولم يحصلوا على شيء، وذهبوا إلى قادة الفصائل ولم يحصلوا على شيء، وذهبوا إلى مجلس الأمناء، فقال أذهبوا واضغطوا عليهم، طبعا إلى من يذهبوا؟ لا يدرون. هو الذي يدري. ويقول أذهبوا واضغطوا، أي المحصلة لا شيء، لماذا لانعدام الأخلاق والقيم الإنسانية والوطنية؛ فهم لا أخلاق ولا أحاسيس ولا مشاعر ولا عواطف ولا ... تباً للقانون الذي ينعدم من الأخلاق الذي لم يحمي مواطنيه من عبث العابثين ومن السلطويين وطلاب الكراسي، الذين أضاعوا حق المواطن في الحصول على حقوقه في وطنه، فكيف لنا أن نطالب بحق العودة من الصهاينة؟
قال ابن القيم رحمه الله: "الدين الخلُق، فمن زاد عنك في الخلق زاد عنك في الدين، ومن نقص عنك في الخلق نقص عنك في الدين"، وإن حسن الخلق سبب للفوز بحب الله، قال (صلى الله عليه وسلم): "ما أحب عباد الله إلى الله؟ قال: أحسنهم خلقًا "، وقال (صلى الله عليه وسلم): "ما من شيء أثقل في ميزان العبد يوم القيامة من خلق حسن"، قال ابن تيمية: "إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا يقيم الدولة الظالمة وإن كانت مسلمة". وما أحكمَ قول شوقي: إنما الأممُ الأخلاقُ ما بقيت *** فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا. وقالها الزعيم القائد أبو عمار يجبل ما يهزك ريح.