نشر بتاريخ: 04/06/2016 ( آخر تحديث: 04/06/2016 الساعة: 17:00 )
الكاتب: المحامي شوقي العيسة
في معسكر اليسار كان خالد الحسن (ابو السعيد) يعتبر الاكثر يمينية ، وفي اوساط فتح الشبابية (اليسارية) كانوا لا يأبهون كثيرا بما يقول ويعتبرونه يمينيا ، ابو عمار كان يحترم عقله ويستفيد منه ولكن يخالفه في العادة. اما المفكرين الصهاينة فكانوا يخشون من عقله وافكاره . الاجيال الفلسطينية الشابة الان لا تعرف عنه الا النزر اليسير اذا عرفت ، ولم تقرأ ما كتب.
هل نحن بحاجة الان لمجرد تسمية معالم باسمه ؟! ام بحاجة اكثر للعودة لافكاره في العمل السياسي ؟ . لن اعتبر نفسي متطرفا اذا قلت ان خالد الحسن كان الاكثر استخداما في الساحة الفلسطينية للمنهج الجدلي (الدياليكتيكي) الماركسي في العمل السياسي . كان من الداعين لتبني البرنامج المرحلي لمنظمة التحرير في السبعينات ، وكان من الداعين الدائمين لاستخدام الحاضنة العربية في مواجهة الولايات المتحدة الامريكية ، وكان من الذين ايدوا مؤتمر مدريد ومن الذين رفضوا اتفاق اوسلو ، استغرب كثيرون رفضه لاتفاق اوسلو لانهم لم يفهموا ما كان يقول لعقود مرت . ان رفضه للاتفاق كان انسجاما طبيعيا مع افكاره وما كان يدعو له . كان ضد التركيز على العلاقة مع موسكو واهمال العلاقة مع الغرب . كان ضد الصدام مع الاردن في عام سبعين وكان ضد الاسهام في الحرب الاهلية اللبنانية. كان يفهم السياسة الدولية على انها تعبر عن المصالح الدولية ، وان الصراع هو خدعة ومداورة وليس مؤامرة .
كان يدعو الى سياسة فلسطينية تقوم على اساس الثقة بالنفس وبالشعب ، ولذلك، كما يقول بلال الحسن ( كان خالد الحسن ضد التسرع في مفاوضات واشنطن ويعي ان الغرب وامريكا بالذات تحتاج الى التسوية للحفاظ على مصالحها في الشرق الاوسط ودعا الى استغلال هذه النقطة واعلان شروط فلسطينية متصلبه نسبيا ، ونظر الى التنازلات الفلسطينية في اتفاق اوسلو ليس باعتبارها حصيلة لتوازن قوى بل نتيجة لعدم ادراك تطلعات امريكا والغرب وبالتالي حصيلة لعدم التعاطي الواعي معها ) .
كان عميقا في فهم السياسة كعلم من العلوم، وكان يحدد مواقفه بناء على دراسة لكل العوامل المؤثرة في موضوع النقاش . وكان يؤمن بالقرار الجماعي ، واحترام اراء الشباب والقطاعات الشعبية في اتخاذ القرارات .
كان يؤكد على ان الارادة والعاطفة قاصرة بدون العقل ، وان لا رفض بدون البديل ولا موافقه بدون سببها. وان المبادئ ليست برنامج عمل ، وان لا برنامج عمل بدون استراتيجية وتكتيك. كان لا يخجل من الاستشهاد باقوال صحيحة لخصومه ، كان يستشهد بالغزالي وماركس ولينين وجورج حبش وقيادات الداخل والشباب والغربيين والسوفيات للتدليل على رأيه، وهذا يعتبر قوة وليس ضعف .
كان يدرس تجارب الاخرين بعمق ، قال ان لينين حين خالف ماركس في بداية القرن العشرين واعتمد في حزبه على المثقفين الثوريين بدل الطبقة العاملة فشلت ثورته في العام السابع . وقال في المجلس المركزي في عام 1991 يجب ان نستفيد من تجربة الثورة الجزائرية والفيتنامية عندما قاموا بانشاء حكومة مؤقتة لتقود المفاوضات ، وذلك كاحتياط اذا ما فشلت للمحافظة على منظمة التحرير . وقال وقتذاك حول العزلة التي تعيشها م ت ف بعد احتلال العراق للكويت انه ضد من يقول ان علينا التوجه لامريكا لفك العزلة امريكيا حتى نفك العزلة العربية ، (لانه اذا كان العرب يمارسون العزلة علينا فلماذا ستقوم امريكا بفكها ، امريكا لن تفك العزلة الا اذا فرضت عليها مصالحها ذلك . يجب ان نبدأ من خلال الدول العربية الصديقة . اذا بدأنا امريكيا سنقع في سلسلة من التنازلات التي تسمى الان في واشنطن بسياسة المنحدر اللزج) .
وقال (انني مع موقف جورج حبش بان المرجعية يجب ان تبقى هي الشرعية الدولية وان ندور دائما حول الشرعية الدولية) . وطالب من المجلس المركزي بتشكيل لوبي فلسطيني قوي في امريكا ، وقال (يجب ان ندرك ان امريكا لا تهتم بما يجري في العالم الا عندما يمس ذلك مصالحها الذاتية هذه هي العقلية الامريكية وهي عقلية ترفض ايقاظ ازمة. اما اذا اشتعلت ازمة تعالجها ، اما ان تشتعل حرب في الخارج واما تشتعل ازمة تهدد سمعة الحزب والرئيس في الداخل). واستشهد بقضية الاكراد. وقال (ان نجاح مرشح رئاسي لديهم اهم من كل الشعب الفلسطيني) . ونبه كذلك الى اهمية ما طرح حول تشكيل ما سمي لجنة الفكر وان كل العالم عنده مراكز دراسات ، وقال ( في الضفة عندهم 7 مراكز والقيادة التي تقود الضفة ليس عندها مركز واحد فلذلك ارجو مخلصا وبالحاح الموافقة على انشاء مركز من مجموعة من العقول الفلسطينية والعربية تكون الى جانب القيادة وتعطي كل المعلومات لتحتك العقول والافكار والله اني لا اخشى على هذه القيادة وعلى الشعب من قدراته النضالية وانما اخشى على القيادة من شيخوخة العقل بسبب هذا الانعزال المغلق على ارائها ولا تسمع من غيرها رأيا ) .
والله اني ارانا نكرر كلماته هذه ، بعد خمس وعشرين عاما بنفس القوة .
واضاف ، صحيح لا توجد قيادات شعبية بدون المنظمات او التنظيم او الاحزاب السياسية ولكن يوجد هناك ايضا الاغلبية الصامتة التي فيها المواد الخام وهذه الاغلبية هي التي نقودها فلا بد من مشاركتها الراي والمواقف عبر التنسيق وليس الاوامر العسكرية .
واضاف ، (ان من استقل برأيه ضل وذل ، لذلك يجب اعطاء هذا الموضوع اهمية كبيرة حتى نستطيع السير في سياسة صحيحة . وقال الاعلام لم يعد كتابة مقال ولا ابراز صور ومقابلات لقد اصبح حملات اعلامية واصبح دراسة واقع المجتمع وتساؤلاته : ماذا يسالون؟ ماذا يجهلون؟ ما هو الخطأ الذي يرددون حتى نصححه ؟ لا بد من العلم والعقل في تخطيط وممارسة الاعلام السياسي فنحن نمر بمرحلة نضالية هي حرب العقل ان حربنا مع امريكا واسرائيل حرب ذكاء وليست موازين قوى عسكرية هي ليست في صالحنا) .
اثناء اعادة قراءتي لما قاله ابو السعيد للمجلس المركزي في عام 91 حول لجنة الفكر ومراكز الدراسات ، تذكرت ما ورد في مقدمة التقرير الاستراتيجي لعام 2015 الصادر عن المركز الفلسطيني للدراسات الاسرائيلية ( يضع المركز بين يدي متخذي القرار السياسي وصناعه وكذلك الجمهور العام، التقرير الاستراتيجي لعام 2015 ، المشهد الاسرائيلي) انا من الجمهور العام قرأت فهل قرأ الاخرون .
لقد اقتبست الكثير من كلمة الاخ خالد الحسن في عام 91 في المجلس المركزي لعلمي بعدم توفرها للكثيرين ولعدم اطلاع الكثير من اجيالنا الجديدة على افكاره وكتاباته وهي كثيره ، ولعل اهمها كتابه قبيل وفاته الذي تضمن اقتراحه برنامج متكامل للحل بعنوان قضية من السلام الشائك دراسة بمنهجية جديدة لحل الصراع العربي – الاسرائيلي . لا ادري مدى توفره ولكن كتاب المناضل الفتحاوي ماجد كيالي الذي صدر هذا العام (فتح 50 عاما قراءة نقدية في مآلات حركة وطنية) يتضمن في الوثائق الوثيقة الرابعة وهي لخالد الحسن وتلخص ما يطرحه كتابه.
ساختتم بما جاء في خاتمة كلمة الحسن عام 91 في تونس لانني ارى انها تصلح لقولها في اجتماع لمجلس مركزي او وطني يعقد هذا العام اذا عقد، فكم هي تنطبق على حالنا
( يجب ان ندرك دقة علاقتنا مع اهلنا في الداخل. اهلنا في الداخل كبروا. عندما بدأنا في فتح كنا نقول اننا الجسر الذي ستمر فوقه قيادات المستقبل ، لاننا نمثل جيل الهزيمة . ان هذه النتيجة قد تحققت والحمد لله . ان ما جرى في الضفة وغزة من انتفاضة ما هو الا بروز شخصية نضالية قيادية شابة للشعب الفلسطيني لا تستهينوا بها والا استهانت بكم . لقد ارسلوا اقتراحات وقريبا سيقرروا وينفذوا اذا لم ننفذ نحن. لذلك لا بد من المشاركة الفعلية بقيادة مشتركة حتى تكون القرارات واحدة).
فتح لديها من الكفاءات الكثير ومن القيادات القادرة والواعية الكثير وان كان خالد الحسن تميز بنظرة ثاقبة وعمق فذلك لانه حسب رايي فهم ان القائد السياسي وخاصة في مرحلة الثورة عليه مسؤولية هائلة بان يفهم ما الذي سيحصل قبل ان يحصل بسنوات ليس للتسليم به بل للعمل على تغييره لصالح الثورة .
حين نقرأ ما كتبه الاخ ابو مازن في كتبه او نبيل شعث وما يكتبه نبيل عمرو او ماجاء في مساجلات توفيق الطيراوي مع الاخ احمد يوسف او رسالة الاخ الرجوب للغنوشي او كتابات ماجد كيالي او ما يقوله ناصر القدوة او كتابات الجيل الثاني والثالث من فتح ، نجد الكثير من الفهم للهم الوطني وما الذي يجب فعله ، اذا ما الذي يجري في السنين الاخيرة حتى وصلتم ووصلنا معكم الى ما نحن عليه اليوم ، ما الذي عمى بصيرتكم واقماركم ، افيقوا فشعبنا بحاجة ماسة لكم .