نشر بتاريخ: 09/06/2016 ( آخر تحديث: 09/06/2016 الساعة: 11:03 )
الكاتب: د. وليد القططي
تشهد المنطقة حراكاً سياسياً مُعلناً عنوانه : إحياء عملية السلام المتوقعة بين ( إسرائيل ) والسلطة الفلسطينية , وهذا الحراك السياسي العلني يُخفي تحته حِراكاً سياسياً خفياً عنوانه : دمج ( إسرائيل ) في المنطقة لتصبح جزءاً أساسياً من المنظومة الإقليمية وإحدى مرتكزات الصراع الإقليمي وروافده لصالح المحور المعادي للمقاومة . وتحت هذين العنوانين – العلني والخفي – يأتي الحديث عن تعديل المبادرة العربية للسلام والمبادرة الفرنسية للسلام , وكذلك تزايد اللقاءات بين مسؤولين عرب من دول مجلس التعاون الخليجي وشخصيات إسرائيلية , إضافة إلى الأخبار عن قرب التوصل إلى اتفاق بين تركيــــا و( إسرائيل ) يُنهي الخلاف بينهما , فهل نحن أمام موسم جديد للهجرة إلى ( إسرائيل ) ؟ .
موسم الهجرة إلى ( إسرائيل ) لم يُعد أمامه أي معوّقات في ظل انهيار النظام العربي بعد اندلاع ثورات الخريف العربي التي أخرجت مارد الفتنة المذهبية من قمقمه وأشعلت فتيل الحروب الأهلية والصراعات الداخلية التي جعلت الأمة الواحدة شعوباً وقبائل شتى ليتنازعوا , وانقلبت فيها الموازين ليتحوّل فيها العدو إلى صديق محتمل وحليف ممكن , والصديق إلى عدو , والحليف إلى خصم . وهذا الموسم يأتي في ظل انقسام فلسطيني أفقد الفلسطينيين قدرتهم على التأثير في الموقف العربي وساهم في تراجع القضية الفلسطينية من الأجندة العربية الرسمية إلى الصفوف الخلفية من مجالات الاهتمام العربية , ولم تعد الحقوق الوطنية الفلسطينية هي المعيار الذي يحكم علاقة العرب بالكيان الصهيوني .
وطالما أن الحقوق الوطنية الفلسطينية ليست هي المعيار في الوقت الراهن للأنظمة العربية في علاقاتها الخارجية وخاصة مع الكيان الصهيوني , فلتعدل كل المبادرات لتلائم المقاس الإسرائيلي , وفي إطار هذا السياق يأتي الحديث عن تعديل المبادرة العربية للسلام التي تُعطي الكيان الصهيوني الاعتراف والشرعية والسلام والتطبيع مقابل دولة فلسطينية غامضة الحدود والسيادة على 22% من الأرض الفلسطينية في الضفة والقطاع , أما التعديل المطروح فهو يُعطي ( إسرائيل ) ما تريده من سلام وتطبيع مقابل بدء المفاوضات على أساس وعد بدولة فلسطينية غامضة تستمر المفاوضات على تفاصيلها عشرات السنين .
وفي إطار هذا السياق أيضاً جاء البيان الختامي لمؤتمر باريس التمهيدي حول المبادرة الفرنسية الذي شكل تراجعاً عن بعض بنود هذه المبادرة السيئة في الأصل , فجاء هذا البيان ليجعلها أكثر سوءاً بعد أن سجل الكثير من النقاط السلبية , فلم يحدد سقفاً زمنياً للمفاوضات كما في النسخة الأصلية . والبيان خلا من أي دعوة لوقف أو تجميد الاستيطان , وساوى بين طرفي الصراع – الضحية والجلاد - , وتجاهل حق العودة , ولم يؤكد على المرجعيات الدولية , ولم يحدد آليات تنفيذ أو جداول زمنية , ويفتقر إلى خطوات وأهداف حقيقية وخطة عمل مدروسة , ولم يحدد معالم الدولة الفلسطينية من حيث الحدود والسيادة .
إن هذا الموسم الذي يشهد هجرة سياسية نحو ( إسرائيل ) وأهم ملامحه تعديل المبادرتين – العربية والفرنسية – السيئتين أصلاً , ليتم تفضيلهما حسب المقاس الإسرائيلي , وكذلك كثرة الأخبار عن لقاءات مسؤولين خليجيين وإسرائيليين لبحث العلاقات بينهما , والأخبار عن قرب التوّصل لاتفاق تركي إسرائيلي ينهي الخلاف بينهما ... جميع هذه الجهود والتحركات المضبوطة بتوقيت ( أورشليم ) لن يوقفها إلاّ إذا أصبح للعرب والمسلمين مشروعاً قومياً عربياً مدعوماً من الأمة الإسلامية يضع القضية الفلسطينية في مركز اهتماماته , ويرى في المشروع الصهيوني ودولته ( اسرائيل ) خطراً مركزياً على الأمة يعوق وحدتها ونهضتها وتحررها , وترى في الصراعات والتناقضات الاقليمية بين أطراف الأمة المختلفة مهما بدت لنا عميقة صراعات وتناقضات مُمكن حلها , بل من الواجب حلها لتوجيه جهود الأمة نحو صراعها وتناقضهما المركزي .