نشر بتاريخ: 09/06/2016 ( آخر تحديث: 09/06/2016 الساعة: 11:40 )
الكاتب: د.احمد يوسف
مع تقلبات الحالة السياسية إقليمياً ودولياً، وتراجع الأوضاع الأمنية وغياب الاستقرار في معظم دول المنطقة، فإن الوضعية التي آلت إليها قضيتنا الفلسطينية من التهميش والتراجع تبعث على الخوف والقلق، وتدعونا إلى دق ناقوس الخطر..
من هنا؛ نحاول النظر إلى بعض الملفات، وطرح أفكار نرى أنها قد تُعين على تصويب المسيرة وتخفيف الاحتقان، وقد تسهم في التئام الصف الفلسطيني واجتماع الشمل.. مجرد أفكار،تعبر عن رأيي الشخصي؛ وما لنا من مكانة اعتبارية، وأن ما نقدمه هنا إنما هو مجرد إعذار إلى الله، واعتذار للناس بأننا حاولنا، وهذا – في النهاية - هو جهد الاستطاعة، وإمكانيات العبد المقلِّ.
في الملفات التالية لنا رأي واجتهاد، وتطلعات لما نرغب في رؤيته هو واقع الحال والموقف...
حماس المقاومة: رأس النفيضة وتاج الفخار
يولد الفلسطيني في المخيم ليرضع من أمه شقوة اللجوء والاغتراب، وتكبر به السنين يحلم بالوطن ولا أمل، فيمتشق البندقية ليطل من فوهتها إلى مآذن القدس والخليل وقرى أجداده في يافا والجليل، فلا يرى في مشهدها إلا عساكر المحتلين وقطعان المستوطنين، تستبيح أحياءها قتلاً، وتعيث في الأرض الفساد.
إن الفلسطيني لم يترك درباً للسلام بهدف التخلص من الاحتلال إلا وسلكه، ولكن دون جدوى، فإسرائيل - الدولة المارقة – تريد إفراغ الأرض من أهلها وبسطها للمستوطنين.. من هنا، دخلت البندقية وتعاظم دور المقاومة، حيث سبق لها ممارسة الاحتجاجات السلمية بالكتابة على الجدران ثم بالحجر والمقلاع، بهدف استعادة الحق والحفاظ على الوجود، فالفلسطيني يقاتل من أجل أرضه وكرامته، وحماية مستقبل أطفاله، ونيل حقه في تقرير المصير .
ليس هناك في شعبنا من يهوى القتل لذات القتل، فالمقاوم الفلسطيني أمام تحدي الاحتلال يحمل روحه على راحته، عاقداً العزم أن يمضي شهيداً على طريق التحرير والعودة.
إن الدم الفلسطيني ليس إرهاباً؛ بل هو معالم الطريق للقدس وفلسطين، والفدائي المقاوم سواء من كتائب القسَّام أو سرايا القدس وكتائب الأقصى لن يسمح لرصاصاته أن تطيش بعيداً عن صدر المحتل الغاصب.
نحن شعب يئن ويتوجع تحت الاحتلال، ومن حقنا أن نقاوم المحتل حتى تتحرر الأرض والمقدسات، هذه هي الحقوق التي أقرَّتها تعاليم الأرض والسماء؛ فكل القوانين والتشريعات التي صاغتها البشرية، وكذلك الشرائع السماوية هي من منحتنا هذا الحق، الذي من أجله شعبنا يقاتل .
إن المقاوم الفلسطيني هو في النهاية مجاهدٌ تحركه دوافع وطنية، هدفه أن يعود الحق لإصحابه، فالقتل بغرض القتل ليس مقصوداً لذاته، ولكنها الطريق التي اختطته كل شعوب الأرض لنيل حريتها واستقلالها.
إن المقاومة الفلسطينية؛ بشقيها الوطني والإسلامي، هي رأس الحربة في المواجهة المسلحة مع الاحتلال، وهي بدعم العمق العربي والإسلامي، والتأييد الأممي لمشروعنا الوطني من سيأتي لنا بالتحرير والعودة.
إن كلمة الفصل وبيت القصيد هي أن المقاومة الفلسطينية لن تخوض وحدها معركة الخلاص من الاحتلال الاستعماري الاستيطاني، بل هي باعتبارها "رأس النفيضة" وتاج الفخار من سيبقي جذوة الصراع متقدة، للحفاظ على وعي الأمة والتزامها الديني والأخلاقي والنضالي تجاه أرض الإسراء والمعراج، إلى أن يأذن الله بأمره، ويتحقق بجهد الأمة وجهادها وعده لنا بالنصر والتمكين.
حركة فتح: جدلية الخصم والحليف!!
إن علينا أن ندرك بأن حركة فتح هي شريك نضالي لا يمكن الاستغناء عنه في رؤيتنا لمشروع التحرير والعودة. نعم؛ هناك انقسام قائم، وتوجس وغياب ثقة في العلاقة بيننا، كما أن هناك تشرذم وخلافات داخل هذه الحركة النضالية، التي بدأت الكفاح المسلح في منتصف الستينيات، وسبقت الجميع في رسم وتحديد ملامح المشروع الوطني، ولا بدَّ - حتى نجني خيرها - من العمل على جمع الشمل وتوحيد الصف، وهذا يستدعي لغة خطاب ومواقف غير تلك التي درجت على ألسنة الكلِّ فينا.. إننا بأمسِّ الحاجة إلى حسم الموقف باتجاه حركة فتح؛ وذلك باعتبارها شريكاً وطنياً يجب العمل معه، وليس ثقلاً سياسياً أو نضالياً نتخوف منه.
إن علينا أن نمدَّ الجسور مع الكل الفتحاوي، وأن يكون لنا سهم في الإصلاح بينهم، وأن نتصدر الجهد الوطني في التعجيل بإنهاء الانقسام، وبناء الشراكة السياسية التي ينتظرها شعبنا.
نعم؛ هناك تنافس سياسي، وتعبئة خطأ من كلِّ طرف باتجاه الآخر، ولكن هذه المسألة ليست مستعصيةً على الحل، وبالإمكان معالجتها في سياق تعميق الرؤية ووحدة الفهم لمشروعنا الوطني من جهة الطموح والتحديات، بحيث نعمل معاً؛ يداً بيد، في إطار الشراكة السياسية والتوافق الوطني.
قد يبدو مشهد العلاقة - الآن - معقداً، ولكن رؤية حكماء هذا الوطن يمكن أن تأتي بالحل، وإذا صدق العزم وضح السبيل؛ أي القناعة والإرادة السياسية لمن بيدهم مقاليد الأمور.
وبإيجاز يمكن القول: إن فتح وحماس هما الآن قاطرة هذا الشعب، ولا يمكن أن تمضي أمورنا السياسة، وتستقر أحوالنا الاجتماعية، والتمكين لمقاومتنا بدون اجتماع الصف ووحدة الموقف، وأيُّ تغريد خارج هذه الرؤية، سيظل مثل محاولة استنبات البذور في الهواء. ولذا، فإن المطلوب هو جهود مخلصة من الجميع لفك الاشتباك الداخلي وغياب الثقة بين فتح وحماس، والعمل على توحيد الكيانية النضالية بين الفلسطينيين بكل ما يفرضه ذلك علينا من إصلاحات وتغيير على مستوى نظامنا السياسي وتوحيد قوى الفعل المقاوم.
فصائل العمل الوطني والإسلامي: الشراكة والقرار
ما تزال قناعتي قائمة بضرورة إشراك فصائل العمل الوطني والإسلامي في كل المشاكل والقضايا التي تحتاج إجماع وطني، وليس من الحكمة أن تتحمل حركة حماس وحدها عبء المسئولية فيما الآخرون هم مجرد شهود وحكام عليها.
سنوات الانقسام أوشكت أن تطوي عقد من الزمان، ولا أحد يعرف متى تنتهي عذابات سكان القطاع بسبب الحصار الظالم الذي يفرضه الاحتلال، والواقع يفرض علينا أن نجري جردة حساب أو مراجعة لنكتشف أن الحمل ثقيل والقرار يحتاج رأي الجميع. أما أن تظل أحوال القطاع تراوح مكانها ولا أفكار إبداعية باتجاه الخلاص فهذا هو الانتحار بذاته.
إن على حركة حماس أن تراجع موقفها فيما يتعلق باستمرار قبضتها الأمنية والإدارية على قطاع غزة، ويكفي النظر في نتائج استطلاعات الرأي لإدراك أن الحاضنة الشعبية للحركة تتراجع بشكل يبعث على الخوف والقلق.
من هنا؛ فإن على حركة حماس أن تفكر بشكل جدي في موضوع الشراكة في إدارة شئون القطاع، وإلزام الكل الوطني والإسلامي بالعمل معها لحماية مستقبل مشروعنا الوطني.
وكما تناولنا سابقاً بعض الأفكار في هذا الشأن؛ مثل ملف المعبر والكهرباء، حيث نترك لشركائنا من فصائل العمل الوطني والإسلامي اتخاذ القرار المناسب، بالتنسيق مع السلطة الوطنية في رام الله والدولة المصرية، وما يتوافق عليه هذا الإطار الوطني والإسلامي في سياق جهوده التشاورية يكون ملزماً لحركة حماس.
المجتمع الدولي: ضرورات كسب التعاطف والتأييد
إن قضيتنا الفلسطينية تعاني من تحيز غربي إلى جانب إسرائيل، وهذا ما جعل إسرائيل تتمرد على الكثير من القرارات الدولية، وتتمكن من تخطي العقوبات الأممية.
إن الحرص على كسب تعاطف وتأييد المجتمع الدولي، وحشد جهوده التضامنية خلف قضيتنا، هو مسعى يجب أن نعمل من أجله؛ لأن القضية الفلسطينية فوق أنها قضية العرب والمسلمين، إلا أنها قضية إنسانية بآفاق عالمية، وتشهد حالة من التعاطف تتعاظم سنة بعد سنة.
لا شك أن الإرهاب الذي أخذ بعداً دولياً واتهام جماعات تحمل عناوين إسلامية قد أثر كثيراً على مقاومتنا والتي تحاول إسرائيل وأجهزتها الأمنية شيطنتها وربطها بما يجري حول العالم من ظواهر وعمليات إرهابية مدانة من قبل مقاومتنا الفلسطينية، ولا علاقة لها - لا من قريب أو بعيد – بما نمارسه من حق الدفاع عن النفس،والتصدي للاحتلال لوقف عدوانه الهمجي، وجرائمه بحق شعبنا التي ترقى إلى جرائم الحرب، وانتهاكاته لحرمة مقدساتنا وتدنيسه لها.
إن كسب الرأي العام لصالح قضيتنا، هو مهمة يجب أن نوليها كل الاهتمام؛ لأن كسب معركة الرأي العام - اليوم - هي نصف الانتصار، والباقي متروك للإمكانيات وما في الحرب من خدعة ومفاجآت.
إعادة ترتيب الأولويات: الفصل بين الدعوي والسياسي والعسكري
لا ينتقص من قدر أي حركة وطنية أو إسلامية قيامها بإجراء بعض المراجعات على مستوى الرؤية أو التطبيق، ولقد شهدت السنوات الماضية الكثير من أشكال المراجعات بين صفوف الإسلاميين، ولقد رصدنا ذلك في كل من المغرب والسودان وليبيا وتونس والجزائر، وقبل ذلك في ماليزيا وتركيا وإندونيسيا، والآن يجري الحديث عن ضرورات ذلك في كل من مصر والأردن .
لقد تضخم العمل الإسلامي وتعددت واجهاته، فالذي كان قبل عقد من الزمان يعد بعشرة أو عشرين ألفاً أضحى اليوم خمسين أو مائة ألف، وفي السابق كانت وجوه العمل الإسلامي تنحصر في العمل الدعوي وبعض وجوه العمل الخيري، ولكن الإسلاميين اليوم دخلوا حلبة السياسة والعمل العسكري، وأصبح كل مجال يتطلب خبرات خاصة وقيادات مؤهلة لذلك، فالسياسة تحتاج إلى علم ومهارات ودراية بالعلاقات الدولية، وبفنون التفاوض وحل المشكلات، وكيفية بناء التحالفات، شخصيات ينطبق عليها قول عمر (رضي الله عنه) "لست خبَّاً ولا الخبُّ يخدعني".. كما أن العمل العسكري هو الآخر له خصوصيات أمنية وقتالية واستراتيجيات لا يعلمها من اقتصرت دراساته وحياته على العلوم الشرعية أو الإنسانية والأدبية. وكلُّ مجال سواء أكان سياسياً أو عسكرياً يحتاج قيادات ذات تأهيل متميز، وبخبرات مقنعة تمنحها شغل هذه المناصب بجدارة واقتدار.
بصراحة، العمل الإسلامي اليوم بحاجة إلى إجراء مراجعات لإعادة هيكلة مؤسساته الشورية، بحيث يتسنى أن تكون هناك مرجعيات قيادية تدير هذه الأعمال الدعوية والسياسية والعسكرية بشكل منفصل ومستقل، ولا يمنع أن تكون هناك مرجعية عليا لتنسيق العلاقة وتدبيرها بين الجهات الثلاث.
إن من الصعب تصور هذا الاتساع من العمل، وهذه الأعداد الهائلة من الكوادر، تدار بنفس الآليات والهياكل، التي درجنا عليها يوم كان حضورنا كتنظيم لا تتجاوز نسبته في الشارع 5-10%، فيما نحن اليوم تتفاوت نسبة تمثيلنا بين الفلسطينيين بين 20 – 40%.
إن هذه الأعداد الهائلة تحتاج إلى إعادة هيكلة وتصنيف، وتوطين الكوادر والقيادات كلٌّ في المكان المناسب له، بحيث تتوزع الجهود والأعباء، وتتوسع دائرة القيادة في إطار التخصص، ونمنح الفاعلية في الأداء والعمل لكل العاملين لهذه المجالات الثلاث؛ الدعوي والسياسي والعسكري.
في الحقيقة، هذا مجرد رأي شخصي خاضع للنقاش الموسع، وليس بالضرورة أن يكون هذا الاقتراح صائباً مئة بالمائة، ولكني على الأقل أطالب بدراسته داخل أطر النخب الفكرية في الحركة.
ختاماً: لا بدَّ من نظرة تقييمية للواقع
إن جماعة الإخوان المسلمين - اليوم - في العديد من دولنا العربية بحاجة إلى مراجعات جادة في فكرها السياسي، وعلاقاتها الإقليميّة والدوليّة على مستوى الرؤية والتطبيق.. فمن ناحية، هناك حالات من التشرذم والانقسام التي تشهدها التنظيمات الإخوانية في كل من الأردن والجزائر ومصر، كما أن حجم الخلافات والاتهامات اتسع على الراقع من ناحية أخرى.
باختصار: إن الإخوان المسلمين اليوم – ونحن جزءٌ من منظومتهم الفكرية - عليهم الاجتهاد والحرص أن يكونوا ضمن الخارطة السياسية، وتجنب حالة التفرد بها، كما إن عليهم العمل ضمن توافقات وطنية يتحقق حولها الإجماع والاعتراف بوجود الآخرين. وإذا كان هذا السبيل غير مناسب لتحركاتهم، فعليهم ترك السياسة جانباً، والتفرغ لعملهم الدعوي وأنشطتهم التربوية والخيرية.وعليه، فإن من يريد كسب أصواتهم أن يقوم بعقد الصفقات معهم، حول شكل الحكم ونمط الحياة التي يريدون مشاهدة صوره وتطبيقاته.
لا شك أن الواقع الذي أعقب انتكاسة الربيع العربي يفرض حقائقه وضغوطاته على الجميع، فإذا داهمك الموج فإما أن تكون قوياً وتمتطيه أو يأخذك تحت أجنحته ويطويك. ليس هناك اليوم أمامنا ترفٌ في الخيارات، والتعاطي مع الواقع بفقه الضرورة وحكمة التخذيل هو منهج التدبير في السياسة وسيد الأحكام.
قد يكون من الصعب الحديث عن نجاح أو فشل لتجربتنا كإسلاميين في الحكم؛ لأنها لم تزل – حتى اللحظة - على المحك. فمنذ فازت حماس في الانتخابات، كان واضحاً أن هناك أكثر من جهة محلية وإقليمية ودولية تتربص بالحركة ولا تريد التمكين لها، كما أن أداء الحركة لم يكن أيضاً بالشكل الذي انتظرته الأغلبية التي منحتها أصواتها في انتخابات يناير 2006. إن الحركة، وفي ظل غياب قدرتها السياسية على التكتيك والمناورة، فقدت بعض حلفائها واستعدت آخرين.
في الحقيقة، أن الحركة بعد تجربتها في الحكم خلال السنوات العشر الماضية قد أدركت - الآن - عن قناعة ويقين، أنه ليس لها من خيار إلا العمل بمبدأ الشراكة السياسية مع الآخرين، على قاعدة من التفاهم والتوافق الوطني، وتوطيد العلاقة مع العمق العربي والإسلامي. وعليه؛ لم يعد العمل بأن تمضي حركة حماس بمفردها، حيث الأعباء أكبر من إمكانياتها وفوق طاقة تحملها، وطالما أن الاحتلال ما زال قائماً، فإن ذلك يستدعي طاقة الجميع في فصائل العمل الوطني والإسلامي، بحيث تتعاضد الجهود وتتوحد في مساحات المشترك، من حيث الرؤية النضالية والاستراتيجية الوطنية، وليس التفكير بالمنطق الحزبي، الذي تنعدم معه – للأسف - رؤية الآخرين، وتجاهل أي دور لهم.