نشر بتاريخ: 10/06/2016 ( آخر تحديث: 10/06/2016 الساعة: 13:48 )
الكاتب: جبريل عودة
إعتقاد البعض أن إنتفاضة القدس قد إنتهت , قد يكون هذا حُلماً لبعضهم ويريده أن يتحقق بأي ثمن , هؤلاء النفر في مقدمتهم نتانياهو وقادة جيش الإحتلال , وفي المقابل هناك من فقد الأمل في الحراك الشعبي الإنتفاضي ,لأسباب عديدة منها إصرار قيادة السلطة الفلسطينية على إستبعاد المقاومة والإنتفاضة كخيار لمواجهة الإحتلال ,وسعيها لمحاربة التحركات الجماهيرية الحقيقة التي تستهدف إشعال إنتفاضة من خلال زخم عملياتي يومي في وجه الإحتلال ,بذريعة الخوف من إنهيار السلطة جراء ردود الفعل المتوقعة من الإحتلال , وهناك من تحطمت أمانيه من عدم حصول دعماً جدياً من قبل الفصائل الفلسطينية , للشباب المنتفضين في ساحات القدس والضفة , وعلى الرغم أن الساحة الفلسطينية بما تحمله من تعقيدات وتناقضات حادة في الرؤية السياسية لمختلف الأحزاب والكيانات الفلسطينية , الا أنها تبقى ولُود للمفاجأت التي يصنعها الشباب الثائر, بعيداً على الحسابات والتعقيدات التي ترهق عواجيز السياسة الفلسطينية , والتي تضع سداُ منيعاً ضد التطور والإبداع في أساليب المواجهة وإنجاز المشروع الوطني التحرري , وعلى ما يبدو أن الشباب الفلسطيني قد تجاوز كل تفكير لا يصب في قنوات التحدي والتصدي للإحتلال , الذي يمارس أبشع أشكال الإرهاب والقتل في الضفة المحتلة .
والمتابع لمسار الإحداث اليومية في الضفة المحتلة, يشاهد بوضوح الصور المتعددة لإنتفاضة القدس ,عبر عشرات نقاط الإشتباك والمواجهة مع الإحتلال وعمليات الرشق بالحجارة والزجاجات الحارقة ,والتي تستهدف يومياً أهداف الإحتلال الثابتة والمتحركة في مختلف مدن الضفة المحتلة ,الإحتلال يعلم يقيناً بأن الإنتفاضة مستمرة وأن هدوء أيام لا ينسحب على المشهد العام, والذي تسيطر عليه حالة الغضب الشعبي المتزايد , لذا فأن الإحتلال يشن حملة مسعورة من الإعتقالات اليومية, والتي تستهدف الشبان والقيادات المؤثرة في مدن الضفة المحتلة , فلا يمر يوما دون تسجيل عشرات حالات الإعتقالات , في مختلف المدن والقرى والمخيمات , في محاولة لقمع وإفشال أي تصاعد في فعاليات إنتفاضة القدس ,وخاصة في أيام وليالي شهر رمضان المبارك , وقد صدر مؤخراً أكثر من تحذير من أجهزة الأمن الصهيونية حول إمكانية حدوث عمليات قوية في هذا الشهر .
عملية " تل أبيب " والتي أطلق عليها النشطاء على صفحات التواصل هاشتاقات بـ(عملية رمضان أو صلية كارلو) , بما يعبر عن تناغم وتناسق فريد من نوعه بين الفعل الميداني الفدائي والشعور العام لذا الجمهور الفلسطيني العريض , الذي يؤمن بالمقاومة كأحد الوسائل الإستراتيجية في ردع الإحتلال , فخرجت المسيرات العفوية في معظم المدن والمخيمات والقرى, وصدحت مآذن المساجد التكبير, وإنتشر الشباب يوزعون الحلوى على المفترقات إبتهاجاً بالعملية الفدائية , أمام هذا الإلتفاف الجماهيري الكبير حول المقاومة وفعلها والإنتفاضة وأدائها , لن تستطيع أي قوة مهما بلغت قمع هذه الحالة المتجذرة والأصيلة في نفوس الفلسطينيين , وهذه له دلالة عظيمة للمشككين في إستمرارية إنتفاضة القدس , والا ماهي الإنتفاضة الا شعوراً عاماً برفض الإحتلال , والتعبير عن ذلك بمختلف الوسائل المتاحة, ومن ضمنها التحرك في الوقت الملائم للرد على جرائمه بالأسلوب الذي يردعه ويصيبه في مقتل , وعلى هذا السياق تمضي إنتفاضة القدس كحالة شعبية عارمة , لا يمكن تجاوزها أو تجاهلها أو العمل على إستبعادها من ضمن الأدوات والحسابات في المواجهة مع الإحتلال , ويتضح جلياً رسوخها في الوجدان الفلسطيني وهي تستند إلى عمقها الجماهيري , ولعل منسوب المرتفع من التضحية والفداء, الذي يتمتع بها الشعب الفلسطيني من أهم الروافد التي تمد الإنتفاضة , بعوامل الإستمرارية رغم المحاولات العديدة لإجهاضها أو التقليل من جدوتها .
ومن أبرز مفاعيل عملية تل أبيب والتي نفذها المقاومان خالد ومحمد مخامرة من مدينة يطا جنوب الخليل , أنها رفعت حالة التحدي الفلسطيني في وجه وزير الحرب ليبرمان , وهي تضع أمامه أولى الوجبات من الفشل الأمني والإستخباراتي , عبر ضربة فدائية لم يكن يتوقعها على بعد أمتار من مقر وزارته في تل أبيب , وتشكل عملية تل أبيب رسالة مفادها بأن إيمان شعبنا الراسخ , بأن لا أحد يستطيع أن يثنيه عن عزمه وإصراره في مقاومة المحتل , وأن القمع والعدوان لن يحقق الأمن للإحتلال ومستوطنيه , وأن التهديدات لن تخيف أصغر طفل في خليل الرحمن , وأن ليبرمان لا يختلف عن سابقيه والذين فشلوا جميعهم في قمع إرادة المقاومة وإحباط عزيمة الخلاص من الإحتلال الغاشم , قد يرتكب ليبرمان بعض الحماقات وهو يعيش حالة الضعف والعجز في مواجهة الإنتفاضة , قد يعمل على زيادة عمليات القمع والتضييق على الفلسطينيين , أو يصدر الأوامر لجيشه بتشديد الحصار القرى والبلدات وإغلاق الطرق الرئيسية , أو يرفع من وتيرة حملات الإعتقالات الليلية , أو يغامر بعملية إغتيال ضد قادة ونشطاء المقاومة , الا أن الخيبة والهزيمة ستلاحقه وسينتصر الشعب الفلسطيني بإنتفاضته على عتاة الإرهاب والخراب في كيان الإحتلال.
ولا يمكن إغفال أن عملية " تل أبيب " الجريئة في طريقة تنفيذها والمؤثرة في نتائجها , جاءت بعد أيام على فشل مؤتمر باريس , والذي صيغ بيانه بلغة أرادتها " إسرائيل " وحلفائها, بما يخالف تطلعات السلطة الفلسطينية بإمكانية إنجاز أي تقدم على صعيد خيار الدولة الفلسطينية في حدود 67 , ليسقط الرهان على المبادرات السياسية التي جوهرها دوماً يصب في خدمة مشروع الإحتلال على الأرض الفلسطينية , وما تؤكده التجربة أن المسار التفاوضي يوفر الغطاء للإحتلال , من أجل إستكمال مخططاته الإستيطانية والتهويدية , وإستهداف القضية الفلسطينية بمكوناتها الإنسان والأرض والمقدسات , ألا يستدعي ذلك الكل الفلسطيني إلى الإنتفاض نحو ترميم الشرخ الداخلي , وإستعادة الوحدة عبر برنامجا وحدويا جامعا وشاملا , للعمل على مواجهة الخطر المحدق بالقضية الوطنية , والمساهمة في دعم ومساندة إنتفاضة القدس وتبني خيار المقاومة كسبيل لا غنى عنه في المسيرة الوطنية الجامعة , ومن الواضح أن قضيتنا أحوج ما تكون الآن إلى الوحدة والإجماع الوطني والتمسك بخيار الجماهير بالمقاومة , وغير ذلك لن يكون إلا مزيداً من التأخير والردة عن مسار التحرير والإنعتاق من الإحتلال .