نشر بتاريخ: 11/06/2016 ( آخر تحديث: 11/06/2016 الساعة: 18:01 )
الكاتب: راسم عبيدات
في ذورة الجدل واستطلاعات الرأي بان الهبة أو الإنتفاضة الشعبية التي تدخل شهرها الثامن في طريقها الى الخفوت والموت التدريجي، جاءت عملية الشهيد ابو سرور في احد الباصات الصهيونية قبل حوالي خمسين يوماً في المنطقة القريبة من مستعمرة ابو غنيم لتقول بأن حالة الخفوت لا تعني موت الإنتفاضة أو قرب نهايتها، بل هي تنتقل من طور الى آخر وتعلو حيناً وتخبو حيناً آخر إرتباطاً بما يجري على الأرض وتصاعد حالة القمع والتنكيل والعقوبات الجماعية التي يتخذها ويمارسها الإحتلال بحق شعبنا الفلسطيني، وكذلك واضح ان الإشتباك الإنتفاضي يأخذ اشكالاً متعددة ويرتقي الى اطوار اعلى، كلما نضج الفعل الإنتفاضي وتراكم في أرض الواقع، ولعل عملية الإنتقال الى النار التي قام بها الشهيدان مخامرة في قلب تل أبيب شكلت تطوراً نوعياً في العمل الإنتفاضي الفلسطيني، من حيث الجرأة والإعداد والتخطيط والتنظيم والتوقيت والمكان،،فهي وقعت او نفذت في قلب تل بيب وبالقرب من وزارة الدفاع الصهيونية، وما يحمل ذلك من معاني ومضامين ودلالات التحدي لليبرمان وزير جيش الإحتلال ورئيس "الشاباك" الصهيوني، ليبرمان هذا المتبجح دوماً بأن القوة وحدها هي من تكسر وتحطم وتهزم إرادة المقاومين والعرب والفلسطينيين، كيف لا ؟؟وهو من دعا الى تدمير سد أسوان وتحويل غزة الى ملعب كرة قدم وسن قانون إعدام الإسرى الفلسطينيين،بالإضافة الى إجتياح قطاع غزة وتصفية قادة المقاومة هناك،وضم مناطق (سي) من الضفة الغربية لدولة الإحتلال.
هذه العملية أتت في ذورة الفرح الغامر الذي يعيشه اليمين الصهيوني،بتعين ليبرمان وزيراً للجيش وفشل مؤتمر باريس الإقليمي،والتطور اللافت في العلاقات الروسية – الإسرائيلية، وهي بذلك شكلت ضربة قوية لنظرية الأمن الإسرائيلي والسياسة الإسرائيلية،وهذه العملية تداعياتها وآثارها ستبقى قائمة لفترة طويلة. والإجراءات والقرارات الصهيونية سواء"للكابينت" المجلس الأمني الإسرائيلي المصغر او لنتنياهو رئيس الوزراء ووزير حربه ليبرمان وجهاز "الشاباك"،التي إتخذت بعد هذه العملية من حصار وتنكيل بأهالي بلدة يطا،من حيث عمليات الدهم والتفتيش المترافقة مع العبث والتخريب، والإعتقالات وسحب التصاريح ومنع التنقل والحركة، وكذلك التمهيد لهدم بيتي الشهيدين، وسحب التصاريح من عشرات ألآلاف من فلسطيني الضفة، ومنع قدوم المصلين من غزة الى القدس في يوم الجمعة وغيرها.
كل هذه العقوبات الجماعية والإجراءات والقرارات الإسرائيلية جاءت لتقول بمحدودية القوة الإسرائيلية،وبأن تلك العقوبات لا تخرج عن النسق المتوقع،وبصرف النظر عمن يقود السياسة الأمنية الإسرائيلية عاقل مثل يعلون او مجنون مثل ليبرمان.
الاحتلال بأجهزته الأمنية وبكل ما يمتلكه من خبرات وأجهزة تجسس وتكنولوجيا متطورة،وعمليات تنسيق امنية مع السلطة،بدا غير مسيطر على الوضع او لا يمتلك المعلومات الكافية عن الوضع الأمني في الضفة الغربية، وبأن ما يطلق عليه بعمليات "الذئاب" الفردية والعفوية،هناك عجز في رصدها ووقفها او إفشالها،حيث النسبة الكبيرة تنفذ، بعكس العمليات التي أتت في إطار تنظيمي،فهي تمكن من إحباط معظمها قبل تنفيذها،فأبو سرور رغم الحديث عن كونه عضوا في كتائب القسام، ولكن المبادرة للتنفيذ لم تكن بقرار تنظيمي كما ظهر لاحقاً،وكذلك عملية أبناء العم مخامرة،فعمليتهما تحتاج الى جهد من حيث تصنيع السلاح والتدرب عليه ونقله للداخل الفلسطيني – 48 – ورصد وتحديد المكان أيضاً، كلها تطرح أسئلة امام الأجهزة الأمنية الإسرائيلية المستنفرة أصلاً،من طراز هل هذا يعني انتقال الهبة الجماهيرية الى تطور وشكل نضالي أعلى..؟؟ وهل سيشكل هذا العمل الفدائي نموذجاً سيحتذي به أخرون،والمسألة فقط مسألة وقت؟؟؟أم ان ما حدث عابر ولا يمكن تعميمه..؟؟
هذه العملية شكلت الإختبار الأول بالنار ل"ليبرمان"،والذي قال بأن الردود على مثل هذه العمليات،لن تكون بالأقوال بل بالأفعال في الميدان،وفي هذا السياق أصدر قراراً بمنع تسليم جثث الشهداء الذين يهاجمون أو يقتلون مستوطنين وجنود،رغم ان وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي "جلعاد أردان" ،عقب عملية دفن الشهيد علاء أبو جمل اتخذ قراراً بعدم تسليم جثث الشهداء،تحت حجج وذريعة ان أكثر من (200) مواطن من أهلي جبل المكبر هتفوا للشهداء على مقبرة جبل المكبر،رغم قرار محكمة "العدل" العليا الصهيونية،التي ألزمت شرطة الاحتلال والأجهزة الأمنية بتسليم جثث الشهداء وفق شروط التزم بها أهالي الشهداء قبل شهر رمضان الفضيل.
وكذلك، فإن ردود الفعل لا تنحصر في الجانب الميداني، بل تتخطاه إلى جوانب سياسية محلية وإقليمية ودولية. إذ لا يمكن تجاهل محاولات رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو الإقناع بأنه يرغب في السلام مع المحيط العربي على أرضية مبادرات إقليمية سواء كانت مصرية أو سعودية كنوعٍ من الرد على المحاولات الدولية لتحريك التسوية. ولهذا السبب، فإن الكثير سوف يُعتمد على الإجراءات التي سيقدم عليها الجيش الإسرائيلي.
المعلق السياسي لـ "يديعوت"، ناحوم بارنيع، كتب أمس أن " بأن الشائعات عن انطفاء الانتفاضة الحالية كانت سابقة لأوانها. فالبندقية المصنوعة محلياً حلت محل سكين المطبخ، لابسو البدلات حلوا محل فتيان المدارس، ولكن "الإرهاب" لا يزال هنا فتاكاً كما كان دوماً". ولاحظ بارنيع أنه "إذا ظن احدٌ ما أن تولي افيغدور ليبرمان وزارة الجيش سيجلب معه فعل سحرٍ يحّل المشكلة، فعليه أن يعيد التفكير. شيءٌ واحدٌ فقط تغّير في الطقوس التي تُرافق كلّ عملية: هذه المرة، لن نسمع ليبرمان يتهم الحكومة بالعجز والاستسلام للإرهاب".
المعلقين السياسيين والكتاب الإسرائيلين قالوا بأن "انخفاض "العنف" في الشهور الماضية حَدث بفضل مزيجٍ من السياسة الحازمة للجيش والشاباك وتجنب العقوبات الجماعية في المناطق وتوثيق التنسيق الأمني مع أجهزة الأمن الفلسطينية. وهذا مزيجٌ فائق الحساسية يسهل جداً تخريبه بتصريحات غير حذرة. وفي الأيام القريبة، سيتبين إن كان ليبرمان انتهج سياسة مغايرة لتلك التي انتهجها سلفه، موشي يعلون".
على كل ما نخلص إليه بأن الاحتلال ما دام موجودً،وما دام يمارس القمع والبطش والتنكيل والعقوبات الجماعية،ويسن القوانين والتشريعات العنصرية،وصادر حرية شعب وحقه في تقرير مصيرة والإنعتاق من الاحتلال،فإن جذوة وشعلة الإنتفاضة لن تموت ولن تنطفىء.
القدس المحتلة – فلسطين
11/6/2016
0524533879
[email protected]