نشر بتاريخ: 11/06/2016 ( آخر تحديث: 11/06/2016 الساعة: 17:57 )
الكاتب: د. مجدي جميل شقورة
طالعنا جميعاً المبادرة التي تقدم بها ناصر القدوة عضو اللجنة المركزية لحركة فتح خلال أمسية سياسية نظمها مركز مسارات، والقضية هنا ليست في محتوى المبادرة، على جودتها ومستوى الإبداع الوارد في نصوصها، بل في الشخصية التي قدمت المبادرة وكأنها طرف دولي أو طرف مراقب، في حين أن الرجل قد لعب أدواراً في الحياة السياسية الفلسطينية تجعله أحد اللاعبين الكبار، فقد تنقل القدوة (ابن شقيقة الرئيس الشهيد ياسر عرفات) من منصب ممثل فلسطين في الأمم المتحدة ثم وزيراً للخارجية ثم عضواً في اللجنة المركزية لحركة فتح ورئيساً لمؤسسة الشهيد ياسر عرفات، فهل طيلة هذه السنوات ظل الرجل يراقب الحالة السياسية الفلسطينية ونضجت الظروف اليوم كي يقدم مبادرته، أم أن الأمر بدا ملتبساً على مدى ربع قرن ثم تمكن الدكتور القدوة من قراءته وتفكيك شيفراته وحل معادلاته فقدم أطروحته ومبادرته بظن أنها ستجد عاصفة تنتظرها!!
تثير المبادرات التي يتقدم بها ساسة فلسطينيون عملوا في أرفع المواقع العامة في السابق استغراب كل مراقب ومهتم بالشأن الوطني، ووجه الغرابة في الأمر أن هؤلاء عندما كانوا في مواقعهم لم نسمع منهم تعليقاً أو إشارة أو نقداً أو ملاحظة، وسرعان ما يلعبوا دور الحكماء بمجرد مغادرتهم لمواقعهم، كما أن هذا النوع من المبادرات يدفعنا إلى محاولة قراءة ميكانيزمات صنع القرار السياسي في الحالة الفلسطينية، حيث على ما يبدو أن الجميع يُقر بأن المسار السياسي قام طيلة الوقت على العشوائية والتخبط والارتباك والافلاس من جهة المعلومة ومن جهة وضوح الرؤية، والدليل على ذلك أننا في كل مرة نلتقي فيها واحداً من الوجوه القديمة الجديدة يخبرنا فوراً أنه كان على الدوام صاحب وجهة نظرٍ ناقدةٍ وأنه مثل على الدوام الخط الممانع في القيادة، وأنه منع كوارث من الوقوع وقاتل على أكثر من جبهةٍ كي يستقيم الحال ويتحسن وضع البوصلة الوطنية.
ناصر القدوة كما غيره من الساسة الذين لا يعتذرون، وحدهم القادة الذين يصنعون التاريخ هم القادرون على أن يقدموا اعتذارات عن خطايا الفعل السياسي والممارسة السياسية، وظني أنه كان أولى بالرجل أن يحاكم الحقبة التي وقف فيها على رأس الدبلوماسية الفلسطينية قبل أن يحاكم الظرف الحالي، وقبل أن يقدم مقترحاتٍ تتعلق بإعادة تعريف المشروع الوطني وإعادة تعريف الأهداف الوطنية للشعب الفلسطيني وشكل المقاومة المتاح من أجل استرداد حقوقه، كان عليه أن يقف بجرأةٍ ويقول بأن المشكلة الأساس تتعلق بحركة فتح نفسها، بعدما ضاعت منها البوصلة وفقدت مع مرور الوقت أدوات الكفاح التي ابتدعتها وذهبت باتجاه التفاوض كمتلازمة لا يمكن الفكاك منها في منظومة حل الصراع، وكان عليه أن يقف ويعترف أن المنهجية المتعبة في صنع القرار تتجاوز حدود العقلانية وتذهب بعيداً باتجاه آليات تقوم على المزاجية والحالة العصبية، وهي مفاعيل إن ترسخت في أي حالة لا يمكن لها أن تنهض سياسياً أو شعبياً، ولا يمكن أن يكون لها وقعٌ وتأثيرٌ وصدى على أرض الواقع مهما كانت الخطوب ومهما كانت جسامة التحديات.
كان ينبغي على ناصر القدوة أن يخبرنا ما الذي يعتزم فعله هو وأقرانه في اللجنة المركزية لفتح، وما الذي يمكنه القيام به فلسطينياً وعربياً ودولياً من أجل إنهاء عار الانقسام، لا أن يخرج علينا بنصائحه وتأويلاته وارشاداته لصناع القرار وكأنه ليس منهم، ومن هنا يتوجب علينا أن ننظر بعيد الجدية نحو مقاربة ناصر القدوة التي لم تلق حتى صدى إعلامياً، ولم يلتفت لها أحد، لأن من جاء يحملها نسي في خضم الانشغال بالتحليل أن جاء يقدم رؤية وأفق لا أن يحمل معه تشخيصاً لحالة أُشبعت تحليلاً ونقداً على مدى عقود، كنا ننتظر "طحن" ناصر لا "قعقته"!!
_________________________
* باحث في الشؤون الفلسطينية