نشر بتاريخ: 12/06/2016 ( آخر تحديث: 12/06/2016 الساعة: 12:27 )
الكاتب: رئيس التحرير / د. ناصر اللحام
هالني حجم التأثير الذي تركه الاعلام الطائفي والفضائيات الملوثة على عقولنا في السنوات الماضية ، فقد تسبب تكرار الاخبار والتقارير والفيديوهات عبر اليوتيوب وبوستات الفيس بوك وتغريدات تويتر ، تسببت في خلق شحنة سلبية منحطة وهوجاء لوّثت كم كبير من الناس الابرياء والمحترمين الذين لم يخطر ببالهم قبل سنوات ان يكونوا حاملين لهذا الفيروس . ولكن المليارات التي يجري صبّها عبر وسائل الاعلام والفضائيات لاعادة انتاج هذه الفيروسات تلقى ضحايا جدد كل يوم .
فقد بدأت اللعبة سنة وشيعي ثم انتقل " الفيروس " بين الاقطار نفسها ، وقد علمت ان هناك " دولا " تمنع بناتها العربيات من الزواج من شباب من دول اخرى بحجة المحافظة على الجنس المختار والمنحدر من نفس الدم . كما انتقلت الامور لاحقا الى نفس البلد الذي صار ينقسم الى قبائل وطوائف وأعراق ومن جديد صار ذلك يؤثر على الانساب فتقول عائلة ما : نحن لا نزوج بناتنا للعائلة الاخرى لاننا أرقى قليلا - وكلاهما عائلتان فقيرتان تسعيان الى رزقهما . وبدلا من القول أمة عربية واحدة ، تسبب الارتباك في محاربة التطرف ، الى مزيد من الخراب . فصرنا نعرّف أنفسنا مسلمين ومسيحين ، كاثوليك وارثوذكس ، سنة وشيعة ، أكراد وبربر ، فتح وحماس ، خليجيين ومصريين ، سوريين ومغاربة ، طوارق أو من قبائل الورفلة وقحطان وعدنان وقيس ويمن وفينيقيين ( الفينيقيين هم الفلسطينيون واللبنانيون ) وغيرها من التصنيفات . ثم انتقل الانحطاط الى حد تعريف أنفسنا الى اسماء المدن وبعد ذلك انقسمت القرى نفسها الى شظايا !!!
ان هذا التقسيم غير مألوف على المجتمع العربي الاسلامي ، وهو سمة من سمات اليهود اساسا ، حاخامات اليهود الذين يدّعون أنهم منحدرون من نفس العرق ونفس الدم تحت ذريعة " شعب الله المختار " . مع ان المجتمع اليهودي قد تغيّر تماما في الثلاثين سنة الماضية . ومن كان يذكر شكل اليهود في الثمانينيات لا يمكن ان يجد أي شبه مع أشكالهم الحالية ، فقد تزاوجوا مع الروس والفرنجة والانجليز والهنود والاسبان والاحباش والافارقة حتى انقلبت سحنة امهاتهم ، وتلاشت سماتهم الاساسية الكلاسيكية . وكان كبار المثقفين في روسيا وانجلترا والمانيا وعلى رأسهم شكسبير وغوغول قد وصفوا اليهودي او اليهودية بثلاث صفات ( أنف معقوف وانسان قصير بشعر أسود وبخيل ) وهي الصفات العنصرية التي اطلقت ضدهم ولازمتهم في كل العصور لولا المجتمع العربي الاسلامي الذي سمح لهم بالانخراط سواسية مع السكان ، ولم يميّز بينهم وبين الشعوب التي يعيشون بين ظهرانيها في الحقوق والواجبات .
ان فكرة الاغترار بالنوع والجينات لم يجاهر بها سوى هتلر ونتانياهو ، مع فارق الدافع والحضور ، وصرنا نسمع يهودية من أصل مغربي مثل ماري ريجيف تصرخ وتجري في شوارع تل ابيب وتقول : اطردوا الافارقة انهم يفسدون المجتمع اليهودي !!!! مع ان اسرائيل هي نفسها التي زحفت على بطنها وسرقت مئات الالاف من اطفال الحبشة وارتيريا من أجل تهجيرهم الى فلسطين بحجة ان قبائل الفلاشيمورا يهود من عرق نقي . ويكفي ان تنظر الى التلفزيون الاسرائيلي و تشاهد ارئيل شارون البولندي الاشقر وجابي اشكنازي البلغاري وأفيغدور ليبرمان الروسي وشارول موفاز الايراني واسرائيل حسون السوري وعمير بيرتس المغربي وسط حرس حدود من اثيوبيا ، فينتابك موجة ضحك عارمة . اي جنس نقي وأي عرق طاهر . انكم جميعكم مثل ( قمح الشحادة ) كل حبة من كيس مختلف .
ان المباهاة بعرق وازرداء الاعراق الاخرى سمة من سمات العنصرية المقيتة ، وسمة تاريخية من سمات اليهود ، اخترعها الحاخامات كي يسيطروا على الفقراء اليهود ويستمرون في حكمهم والتحكم بهم ، وان الثقافة القومية العربية لا تفرق بين عربي وغير عربي ، ولا تفرق بين سني وشيعي وكردي وبربري ، لان صلاح الدين الايوبي كردي وعرفات سني وحين دخلت الحضارة الفارسية في الاسلام ساهمت بكل ما تملك من اجل رفع الراية ، كما ان حضارة الروم كانت من اهم أهداف النبي محمد عليه الصلاة والسلام لضمها الى الاسلام ، وهكذا جاء العلماء من جميع الامم الى الاسلام بدء من الخوارزمي ومرورا بعلماء سمرقند وطشقندووصولا الى كل العباقرة والعلماء الذين " اخذوا الجنسية " وصاروا مساهمين في هذا الامة العريقة .
أجبن الجبناء ، وارذل الصفات هو أن تفتخر بعرقك ودمك وانت لا تقدم شيئا لشعبك او للامة سوى انك تنعق بأنك تنتمي لهذه العصبة او تلك فقط . فهل تفاخر بشئ انت لا شأن لك بانجازه يا جاهل . قدّم نفسك من خلال عملك وحضورك وثقافتك ولا تلتفت الى المغرضين النائحين على أطلال الفتنة ، لا تستمع الى سياسيين ورجال دين يخفون رؤوسهم بعمائم تدعو لتمجيد الشيعة على السنة أو العكس ، فهؤلاء هم سقط المتاع وسوف يسقطون عن الطاولة في اول ضربة .
الان متوفر في الاسواق فحص D N A وهو تحليل الحمض النووي لمعرفة أصولكم من iGENEA ويمكنكم من معرفة الأصل الذي تنحدرون منه، عن طريق عينة لعاب يتم فحصها بعد أن يكون قد تم أخذها بسهولة. و سيتم معرفة الأصل الذي تنحدرون منه ، كذا المنطقة الجغرافية التي تنحدرون منها. فضلا علي ذلك يتضمن الاختبار مدخلا مؤقتا غير محدود الي أكبر قاعدة بيانات عالميا حول تحليل الحمض النووي لتحديد الاصل الذي تنحدرون منه.
وقد اعجبني كثيرا احد السياسيين العنصريين الذين طالبوا بطرد المهاجرين من اوروبا ، وحين وافق على اجراء فحص الكروموسوم ، اتضح ان دمه ينحدر من سلالات المهاجرين ، فضحكت المذيعات على الهواء كثيرا وهو غادر الاستوديو خجلا مترنحا .
تخيلوا يا سادتي ...
لو أجبرنا دعاة الفتنة من العرب ، بل أجبرنا كل من يريد ان يرشح نفسه لقيادة دينية او سياسية او ثقافية في اي بلد عربي او فارسي على اجراء هذا الفحص ، كم من القادة سيكونون من عرق اّخر ؟ كم منهم سيكون أجدادهم من كربلاء وقم ؟ كم قائد ايراني سيكون جده عربي أصيل ؟ كم قائد خليجي سيكون جده فارسي قح ؟ كم قائد فلسطيني سيكون اجداده من الخليج او من المغرب العربي ؟ كم قائد تركي سيكون اجداده من الشام ؟
الفحص لا يكلف سوى 500 دولار فقط . وستعرف أصلك وأجدادك فورا .
هل يا ترى من هم اجداد نتانياهو ونفتالي بينت والحاخام غليك وماري ريجيف وايلات شكيد ؟ وماذا سيفعلون لو انهم اكتشفوا أن أجدادهم كانوا عمالا من يطا في ميناء يافا ؟ او ان جدة الحاخام غليك حبلت من تاجر من عين سارة بالخليل ؟ او ان والدة جدة المرشح ترامب امتلأ بطنها من تاجر سعودي مرّ هناك في طريقه لشراء التوابل من الهند ؟
من اليوم فصاعدا لن أصدق اي قائد سني أو شيعي او ارذوكس او كاثوليك أو امريكي أو اوروبي أو عربي ، ولن أصدق اي قائد لبناني او فلسطيني يتحدث عن الطائفية قبل ان يحضر لي شهادة نسب ونعرف من أين حملت جدة جدته .
أيها القادة ... خمسائة دولار فقط وسنعرف اصلكم وفصلكم . فاتقوا الله حتى يرحمكم .