نشر بتاريخ: 12/06/2016 ( آخر تحديث: 12/06/2016 الساعة: 16:12 )
الكاتب: د.مصطفى البرغوثي
تسع سنوات كاملة مرت على حدوث الانقسام الأسوأ في تاريخ الشعب الفلسطيني.
في مثل هذا الشهر قبل تسع سنوات استبدل الأمل المتحقق بالانتخابات الديمقراطية وبتشكيل أول حكومة وحدة وطنية بصدمة الانقسام وانهيار تلك الحكومة التي لم تدم سوى ست وثمانين يوما.
ومنذ ذلك الشهر مررنا بعشرات محاولات انجاز وتنفيذ المصالحة، وكل أنواع الوساطة، الصادقة والمغرضة منها، واستمر الانقسام ليلحق أذى هائلا بالشعب الفلسطيني، وليتلاءم مع هدف إسرائيل في فصل الضفة الغربية بما فيها القدس عن قطاع غزة، وتكريس الحصار الإجرامي عليه. والمسألة لم تعد محصورة بالانقسام بل صارت أزمة عميقة أصابت كل مكونات البنيان والنظام السياسي الفلسطيني.
لسنا بحاجة لوصف متطلبات المصالحة وإنهاء الانقسام، فالاتفاقات عقدت وكتبت بالتفصيل ووقع عليها..... ولم تنفذ.
ولعل المشكلة تكمن في عدم إدراك أو عدم الاستعداد لمواجهة الشروط الثلاث الرئيسة التي لا يمكن بدون الإقرار بها تحقيق المصالحة أو تنفيذ اتفاقاتها أو إنهاء الانقسام.
ومن منطلق إدراك الظروف التي يعيشها الشعب الفلسطيني، باعتباره يخوض كفاحا ضاريا لحماية حقوقه الوطنية من التصفية ولإنهاء الاحتلال ونظام التمييز العنصري، أي لكونه ما زال يخوض نضالا وطنيا تحرريا.
ولان السلطة الفلسطينية ما زالت بكاملها تحت الاحتلال، ولا تمثل دولة مستقلة.
وبسبب التداخل المعقد لمهمات التحرر الوطني والاجتماعي.
فلسنا في دولة مستقلة، بل نحن في خضم نضال، من اجل تحقيقها. ولا يمكن التوافق على نمط الحكم الداخلي دون التوافق أيضا على أشكال النضال الموجه خارجيا.
وحيث أن من غير الممكن لحزب أو حركة واحدة استثناء باقي مكونات الحركة الوطنية والشعب الفلسطيني حتى لو فازت في الانتخابات بالأغلبية.
لكل ذلك، فلا يمكن تحقيق الوحدة، ولا تنفيذ اتفاقات المصالحة ، ولو استمرت الحوارات سنوات، إلا بالتوافق على شروط ثلاثة...
1) حق الشعب في الاختيار الحر الديمقراطي عبر الانتخابات الدورية لرئيسه وبرلمانه ومجلسه الوطني، وحتمية قبول خيار الشعب الديمقراطي وعدم تعطيله أو السماح لقوى خارجية بتعطيله.
وذلك لا يتحقق إلا بإقرار الدورية الحتمية للانتخابات في موعدها حتى لو عارضها الاحتلال، وحتى لو أصبح إجراءها شكلا من أشكال المقاومة الشعبية رغم انفه.
2) بغض النظر عن نتيجة الانتخابات، وحتى لو حصل أو لم يحصل حزب ما على الأغلبية، فلا بد أن تكون الحكومة، حكومة وحدة وطنية تمثل فيها كل القوى السياسية حسب حجمها الانتخابي الذي يقرره الشعب.
ويتبع ذلك فصل جهاز السلطة الوظيفي تدريجيا عن منظومة الولاء الحزبي، وتعيين القائمين عليه باعتماد مبدأ الكفاءة وليس الانتماء السياسي، وهذا احد أسس النظام الديمقراطي.
3) ضرورة تطوير منظمة التحرير لتكون جبهة وطنية عريضة، تمثل فيها كافة القوى الفلسطينية، وتتشكل في إطارها بالتالي قيادة وطنية موحدة تواصل إدارة معركة التحرر الوطني وتتخذ فيها كافة القرارات الكفاحية والسياسية بما في ذلك تحديد أشكال النضال في كل مرحلة، والموقف من كل مبادرة أو سياسة أو اتفاقات سابقة أو لاحقة.
ولا بد أن يكون لها برنامج وطني تخاطب وتقود من خلاله الشعب الفلسطيني بكل مكوناته.
لقد أثبتت الحياة أنه لا يمكن في الحياة السياسية الفلسطينية لأي طرف أن ينفي الأخر. كما لا يمكن قمع طموح الشباب والأجيال الصاعدة للتغيير والتجديد والتطوير.
كما أن الاعتقاد بإمكانية إزالة أو زوال الخلافات والاختلافات في الرؤى والبرامج بين القوى الفلسطينية هو نوع من الطوباوية الخيالية.
غير أن احتدام هذه الخلافات لتصبح صراعات تناحريه كما هو جاري حاليا هي وصفة للانتحار الجماعي.
وبالمقابل فمن الممكن تنظيم الخلافات والاختلافات بأسلوب سلمي وبناء. وذلك باعتماد مبادئ الديمقراطية والشراكة والعمل الجبهوي.
والحكم على البرامج في هذه الحالة هو الشعب وممثلوه.
الديمقراطية تضمن حكم الشعب واختياره، ولكن الشراكة تضمن عدم نفي الأقلية وتهميشها، في حين العمل الجبهوي يوفر الأرضية لتوحيد الطاقات المختلفة وإيجاد القاسم المشترك الأعظم بين الأطراف المختلفة واعتماده كبرنامج موحد.