نشر بتاريخ: 12/06/2016 ( آخر تحديث: 12/06/2016 الساعة: 16:09 )
الكاتب: عايد عتماوي
لا يوجد اصطفاف خلف خطاب فلسطيني متزن. حسنا، لا يوجد خطاب فلسطيني متزن اصلا. ولو "دقينا زيادة" لوجدنا بأنه لا يوجد خطاب فلسطيني سياسي رسمي يرتقي لمستوى "الخطاب" كما هو معرف في علم السياسة. عدا عن منشورات بعنوان "الموقف" وبعض المواد المتوفرة على موقع ال nad-plo الخاص بمنظمة التحرير الفلسطينية، لا يوجد اي شيء يمكن من خلاله وباستخدامه الادعاء بوجود خطاب. طبعا اراهن بأن نسبة المشاهدة أو الزيارة لذلك الموقع لا تتجاوز ال 10% من ابناء الشعب الفلسطيني، واقل من ذلك بكثير عندما نتحدث عن الشباب.
الخطاب السياسي هو عبارة عن رسالة، يكون من ضمن اهدافها الإخبار، والدفاع عن وجهة نظر، وبث الامل وكسب التأييد وغيرها من الخصائص الواجب توافرها. من خلال الخطاب السياسي يحشد السياسيون الدعم ويقنعوا الناس ببرامجهم السياسية، ويواجهوا التشكيك الهدام، ويطمئنوا الناس بالوحدة، وبامكانية احداث التغيير، ويشجعوا الناس على ان يكونو جزءا من البرنامج الذي يمثله هذا الخطاب.
عندما نقول بأنه لا يوجد خطاب فلسطيني سياسي فأننا نعتمدبذلك على حقيقة عدم وجود تواصل ما بين القيادة والقاعدة في فلسطين. نقول ذلك لأن الحالات التي اضطرت فيها بعض القيادات لمخاطبة الشعب كان الخطاب فيها ضعيفا وركيكا ومتكلسا لا ينتمي لهذا الزمان، ولا يراعي التغيرات السياسية، ولا يراعي التقلبات في المزاج السياسي لدى اكبر قطاع في المجتمع الفلسطيني: الشباب.
لا تزال اغلب القيادات الحالية تعتمد على عناصر خطابية اكل عليها الدهر وشرب. قائد يتحدث عن "تحرير فلسطين" في خطابه، وهو جزء من حزب سياسي داعم لحل الدولتين، اي داعم لاقامة دولة على 22% من فلسطين التاريخية. وهنا نتساءل: اي فلسطين، واي تحرير، وبأي طريقة؟ ثم يتجلى التفتق الذهني لدى هؤلاء القادة ويصل الى قمته عندما يتحدثون عن تاريخهم البطولي في تهريب السلاح على الحمير، أو عند الحديث عن المغارة التي اختبأ فيها ذلك القائد وعن سماعه لوقع البساطير فوق المغارة، وعن "تشاهدت وحطيت الحبة ف بيت النار" وغيرها الكثير من القصص التي لا تنتمي لخطاب سياسي رسمي بل تنتمي للمة من لمّات الحكواتية، ايام الزمن الغابر، ايام ما قبل التلفاز، والانترنت، واليويتيوب، والفيس بوك والتويتر.
نوع اخر من الخطاب في فلسطين يعتمد بالاساس على ال "لا". يعتمد على رفض الحل السلمي، ورفض الاتفاقيات، ورفض المفاوضات، ورفض اي شكل من اشكال السلمية في النضال. هذا الخطاب تجييشي عاطفي وبكل تأكيد منسلخ عن السياق السياسي العام بشكل مقلق. خطاب صواريخي موسمي نسمعه في التأبينات وفي حفلات الاتطلاقة، وفي المناسبات الفلسطينية الاليمة مثل النكبة، والنكسة وغيرها. هذا الخطاب ينتمى الى الحقبة الناصرية، والى حقبة سبقتها حيث كان فهم الشعوب في هذه المنطقة للمؤسسات الدولية و"للشرعيه الدولية" وقرارات الشرعية الدولية يساوي صفر. ينتمى الى حقبة المخاتير، والى حقبة الجهجهون، وحقبة الفزعة، الى حقبة قديمة جدا، سبقت حقبة "جوع يا سمك" بسنوات كثيرة. حقبة من تاريخنا لم نكن نفهم فيها "موازين القوى"، والمعادلات الدولية، والمصالح، واسس بناء التحالفات، وطبيعة هذه التحالفات، وعمرها الافتراضي، وعوامل التأثير على هذا العمر. ذلك الخطاب الذي يقول كل شيء عما لا يريد، ولا يقول اي شيء عما يريد.
الخطاب الثالث هو الخطاب "النخبوي". ذلك الخطاب الذي يتشدق بالماركسية، و "يتبطح" في حضن لينين وكارل ماركس وغيرهم من اليساريين القدماء. بغض النظر عن رأيي في النهج الماركسي او الاشتراكي، مع العلم بأن رأيي قد يعجب اليساريين كثيرا، لكن هذا الخطاب ايضا فشل فشلا ذريعا في التحشيد وفي خلق جو مناسب للوحدة الوطنية، ولوحدة الخطاب الرسمي، ولنجاح هذا الخطاب.هناك انفصام واضح، فأغلب قيادات هذا الخطاب تعتمد على مصطلحات ومفردات تُناقض عملهم اليومي في دوائرهم في منظمة التحرير. يتحدثون عن "من الميه للميه" وهم موافقون على حل الدولتين وحدود الرابع من حزيران 1967. ومنسلخ على اقل تقدير كونه يأتي من برج فكري عاجي، وبطريقة فوقية لسان حالها يقول: قرأت 10 كتب عن الفكر الاجتماعي وعن الرأسمالية والاشتراكية، ماذا قرأت انت، وماذا تعرف؟" عدا عن ان هذا الخطاب قديم، متكلس ومغبر، فهو خطاب لا يراعي التغير الحاصل في المجتمع، ولا يراقب النزعات والتقلبات في مزاج الشارع، وفي مزاج الشباب الناشط ايضا.
انعزال الشباب عن الحياة السياسية في فلسطين ليس اخطر من اصطفافهم خلف خطاب سرابي بامتياز. شباب فتح يهللون لاطلاق الصواريخ، والكثير من شباب حماس يسعون للعمل في اسرائيل بأي طريقة، نفس الدولة التي يهللون لخطاب دمارها واقتلاعها من اسسها. اما شباب اليسار فكما اسلفنا ساروا في تلم النخبوية وسكنوا بروجهم العاجية و وسموا فكرهم وعقولهم بال "لا" وبال "لا شيء يعجبني". هل نلومهم على ذلك؟ لا، لا نلومهم بل نلوم قياداتهم، مثلما نلوم قياداتنا في احزابنا وفي الاحزاب الاخرى.
الانعزال المقلق للشباب عن الحياة السياسية هو مؤشر لفشل الاحزاب الفلسطينية قاطبة في تحدي الواقع وكل ما يفرضه هذا الواقع اللاانساني علينا، وفي الخروج ببرنامج سياسي متزن ومتين يأخذ بعين الاعتبار حقيقة ان فلسطين هي ارض خصبة للتغيير بأنواعه واشكاله المختلفة. اصطفاف الشباب خلف هذا الخطاب او ذاك هو اصطفاف زائف، لا يخلق ذلك الايمان المطلوب لدفع عجلة التنمية الى الامام. اصطفاف ضعيف يسقط امام اي تحدتفرضه المتغيرات السياسية المحلية، او الاقليمية، وحتى الدولية ان اردتم. اصطفاف لا يجوز ان يقارن بالاصطفاف الذي كان ايام الانتفاضة الاولى، ايام عصيان بيت ساحور، وايام المناشير، وايام الخوف ليس على النفس بل على المُطارد.
ذلك الاصطفاف الذي ايقظ العالم من غيبوبته، وايقظ المجتمع الاسرائيلي من الغفوة، وخلق حراك سياسي كان من اهم نتائجه التأكيد على وجود الشعب الفلسطيني، و اسسلمرحلة تأسيس الكيانية السياسية الفلسطينية لأول مرة في التاريخ الحديث، وغير ذلك الكثير من الانجازات التي نفتخر بها. نريد هذا النوع من الاصطفاف، نريد خطاب سياسي متزن، يلقيه قائد سياسي متزن ومتواصل مع القاعدة، نريد قائد سياسي شجاع وجريء يخرج علينا بخطة فيها شيئ من الامل، فيها خطوة عملية واحدة افضل من دزينة برامج غير واقعيه مصيرها الارشفة وغبرة الرفوف.