نشر بتاريخ: 13/06/2016 ( آخر تحديث: 13/06/2016 الساعة: 15:49 )
الكاتب: يونس العموري
هي مرحلة خلط الاوراق ومحاولة خربشة المفاهيم واعادة تموضع الاحتلال على خارطة العلاقات الدبلومسية، وتسويق وجهة النظر الاسرائيلية من جديد من خلال حملات العلاقات العامة الدولية على طريق ادارة الازمات السياسية... فالساحة المحلية وتلك الاقليمية والدولية باتت تعج بالكثير من الاراء والمبادرات وتلك المسماة باطروحات المؤتمرات الدولية لإطلاق عملية التسوية السياسية على اسس العودة الى طاولة المفاوضات .. والملاحظ هنا ان كل المبادرات والاطروحات تلك تهدف الى مجرد العودة الى ثنائية المفاوضات دون تحديد الأليات العملية لتلك المفاوضات او ايجاد أليات فعلية لإلزام الاحتلال بفعل التنفيذ ...
اذ تأتي الدعوة الجديدة التي اطلقها نتنياهو حول المبادرة العربية للسلام (والتي يدور الحديث حول تعديلها ) والتي كانت قد داستها مجنزرات قوات الاحتلال بعد اسابيع من توقيع العرب عليها بقمة بيروت التي غاب عنها الزعيم الراحل ياسر عرفات، في اطار الدعوات والإعلانات الموسمية التي عودتنا عليها ادارة نتنياهو فيما يخص تطورات القضية الفلسطينية على وجه الخصوص، وكافة قضايا المنطقة المتصلة ببعضها البعض بشكل عام... وغالبا ما تجيء هكذا دعوات لأغراض اسرائيلية داخلية ولإخراج تل ابيب من عنق الزجاجة، خدمة لتوجهاتها ولسياساتها الإقليمية والدولية ....
واذ تأتي هذه الدعوة اليوم، فبلا شك ان وراءها الكثير من المرامي والأبعاد، التي تصب بالنهاية في مسارات السياسة الأمريكية ودبلوماسيتها المتخبطة، جراء تخبطها بمعالجة ملفات المنطقة بسوريا واليمن والعراق وليبيا .. الأمر الذي أنتج سياسة أمريكية متخبطة من الطراز الأول ..وهو الأمر الملموس من مواقف الادارة الامريكية من اي جهود قد تأتي لمعالجة المسألة الفلسطينية بصرف النظر عن طبيعة وحقيقة هذه الجهود كالمبادرة الفرنسية التي كان واضحا عدم حماسية ادارة اوباما لها ... فهي من جهة تحاول جاهدة ان تطلق فعلها السياسي الدبلوماسي خدمة لأهدافها في المنطقة عموما، ومن جهة اخرى تعاني سياستها من عقبات كإنعكاس لتخبط أليتها العسكرية في في كافة المناطق، وعدم مقدرتها على تحقيق اهداف الغزوة الأطلسية التي قادتها جيوشها على العراق وافغانستان وليبيا في السنوات الأخيرة، الأمر الذي استدعى ويستدعي نشاطا محموما للفعل الدبلوماسي في محاولة لإختراق ما عجزت عن تحقيقة حتى الأن قواتها المسلحة واساطيلها المرابطة في المنطقة، وعجز ربيبتها وحليفتها ( اسرائيل) في تحقيق نوع من الإختراق العسكري لصالح المعسكر الأطلسي الأمريكي واجنداته السياسية الإقليمية المترابطة والأهداف الدولية ككل على اعتبار ان المنطقة (الشرق اوسطية) هي البوابة الفعلية لنفاذ ما يمكننا ان نسمية بالسيطرة السياسية على مفاعل وتفاعلات التأثيرات الدولية للفعل السياسي الأممي.....
ولا يمكن فهم الدعوات المتعددة الاشكال (للمؤتمر الدولي للسلام) الا في هذا السياق.. ولعل هذا مفهوم وواضح المرامي والمعاني .. ولعل عقد هكذا مؤتمر ستحاول من خلاله ادارة اوباما الإثبات انها مازلت ممسكة بقواعد اللعبة السياسية في المنطقة وكونها اللاعب الأساسي فيها وان واشنطن ما زالت تملك مفاتيح الحلول وقرارات السلم والحرب اقليميا ودوليا (وهذه حقيقة لابد من الاعتراف بها) بعد ان تم تقويض سياساتها وإستعداء الشعوب لها ولفعلها في المنطقة وعدم مقدرتها ومقدرة حلفاءها من تسويق ما يسمى برؤيتها السلامية او حتى نهجها المتمثل بمحاربة الإرهاب وتعزيز ونشر المفاهيم الديمقراطية حيث إنكشاف زيف الديمقراطية الأمريكية حينما تأتيها بالنتائج المغايرة والمتناقضة ومصالحها... ومما لاشك فيه ان رؤى الادارة الأمريكي وكذلك ادارة الدولة العبرية التي يتم اطلاقها بالمواسم لا تغدو كونها فقاعات صابون او بالونات اختبار وفي احسن الأحوال تكون جسورا لعبور مخطط سياسي أمريكي إسرائيلي نحو المنطقة... حيث غالبا ما تكون بوابات العبور عبر القضية الفلسطينية ومفرداتها للنفاذ الى الساحة الإقليمية...
وفي هذا السياق لابد من التذكير برؤية ادارة البيت الابيض المبادرتية المتكررة بين الحين والاخر، حيث الاعلان المتكرر للسلام في المنطقة تتمثل بضرورة قيام دولة فلسطينية .. و ظلت محل استهلاك اعلاني اعلامي امريكي لفترة طويلة من الوقت وكان اللعب السياسي (اذا ما جاز التعبير) يتمحور حول تواريخ قيام هكذا دولة، وفي كل مرة وعند الإستحقاق التاريخي المعلن، نجد الكثير من التبريرات التي تسوقها الكثير من الاطراف لخلق تواريخ وحتى اشتراطات جديدة لنشوء وقيام الدولة الفلسطينية، ومع كل تجديد للتاريخ الموعود او فرض شروط جديدة نجد الإستغلال الأمريكى يتجلى بالمنطقة حيث تجتهد سياسة الإبتزاز بحق دول المنطقة على قاعدة ان ثمة دولة فلسطينية موعودة وفقا للرؤية الأمريكية... وهكذا تتوالي الأساليب الأمريكية في المضي قدما بسياساتها القائمة على اساس خدمة المصالح العليا للدولة العبرية وتحقيق ما يمكن ان تعجز عنه تل ابيب ذاتها ....
وما الدعوة لمؤتمر السلام الذي يأتي تارة على لسان فرنسا او من خلال قبول نتيناهو المزعوم بالمبادرة العربية الهادف من خلال هكذا قبول لإجبار الطرف الفلسطيني لإطلاق مفاوضات ثنائية الشكل وان كان من خلال ما يسمى بالمؤتمر الدولي للسلام .. وحتى هذا المؤتمر المزعوم سيكون ان يدعو لعودة الاطراف المتنازعة الى طاولة المفاوضات الثنايئة ، ولابد من ان يدرك الجانب الفلسطيني ان مسيرة التسوية السياسية بمعاييرها ومقاييسها وقوانينها قد فشلت فشلا ذريعا ولا يعول عليها وما هي الا جزء من فبركة الدعاية الأمريكية لسياسة البيت الأبيض اتجاه المنطقة وان الدعوات المعلنة لعقد مؤتمرات دولية لأجل ا يسمى بالسلام ، هو مؤتمر حافل ومزروع بحقول الألغام وسيدور في نفق مسدود. فالرئيس الأمريكي الحالي اوباما وقبله بوش وباعتقادي اللاحق دعوا جميعا لضم الكتل الاستيطانية الكبرى في الضفة إلى إسرائيل، واستبعد البحث بقضايا القدس واللاجئين، واستبعد أطرافاً بارزة لها أراضٍ محتلة.
كما ان هذه المؤتمرات والتي كان اخرها دعوة وزير الخارجية الفلسطينية لضرورة ان تعقد موسكو هكذا مؤتمر، تفتقر إلى أية آليات عملية لإنهاء الإحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، وبالتالي لن تقدم أفقاً سياسياً لحل شامل، حيث انها لا تنعقد على اساس قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية ( المطلوب تعديلها ) التي جاءت وتأتي لتخفض السقف السياسي العربي الرسمي ذاته... وبرغم ذلك فهذه المباردة لا تلقى الأذان الصاغية من الجانب الإسرائيلي والأمريكي... وبذلك فتلك المبادرة المسماه عربية ووفقا للسياسة الأمريكية لا تصلح لأن تشكل قاعدة انطلاقية للحل...
وعلى ضوء هذا التحليل اعتقد ان مؤتمر بارس وحتى وان انعقد مؤتمر موسكو انما تهدف الى امكانية فتح النقاش والحوار للقضية الفلسطينية ما بين الجانب الفلسطيني الرسمي الضعيف بالظرف الراهن والإسرائيلي المتغول والضارب بعرض الحائط كافة اشكال قرارات الشرعية الدولية والقوانين والاعراف الاممية، من دون استنادات قاعدية تصلح لأن تشكل قاعدة علمية وعملية لإطلاق المفاوضات الفعلية وبذات الوقت دون تحديد اهداف هذه الحواراوت واللقاءات في اطار المؤتمر ودون اي شكل من اشكال الألتزام وحتى اليات إلزام للأطراف المتنازعة،ومن هنا فالمؤتمر فاقد لفحواه ولمحتواه منذ الأن... كما انه يجيء للإلتفاف على الصيغة الدولية الاجماعية لعقد مؤتمر دولي للسلام، تشارك فيه جميع أطراف الصراع والكتل الدولية الكبرى والأمم المتحدة.
ان عقد (مؤتمر للسلام) بالصيغ المطروحة حاليا انما يهدف الى محاولة تعزيز الرؤية الأمريكية للمنطقة من خلال تعزيز سياسات المحاور وتقسيم الدول العربية ما بين معتدلة واخرى متطرفة وتدعيم مواقف الرباعية الرباعية المعتدلة والتي قد تصبح خماسية أوسادسية ايضا في وجه ما يسمى بقوى الممانعة والرفض العربية مع العلم ان الكل العربي الرسمي قد وافق على أطروحة السلام مقابل التطبيع، وقد وافق على مد جسور الحوار والنقاش مع الجانب الإسرائيلي تحت شعار تفعيل المبادرة العربية وتم تشكل لجنة عربية رسمية لهذا الغرض، وبالتالي يكون التطبيع العربي الرسمي الاسرائيلي قد بدأ بالشكل الفعلي وفي ظل الرفض الاسرائيلي لكل الاطروحات العربية الا فيما يخص تطبيع العلاقات ... وتل ابيب لا تريد بالظرف الراهن اكثر من تواصل للمفاوضات واللقاءات وتحقيق ما يمكن تحقيقه على هوامش اللقاءات تلك والمتمثلة بخلق اجواء تطبيعية رسمية مع الأنظمة العربية على اعتبار ان اللجنة العربية المشكلة من قبل الأردن ومصر تمثل جامعة الدول العربية اولا وكافة الدول المنضوية في إطار القمة العربية الرسمية... وبالتالي فإن الدعوة لمؤتمر دولي انما تأتي اولا لتعزز هذا المفهوم التطبيعي على قاعدة الحوار والنقاش والمفاوضات.... حيث ان الرباعية العربية المعتدلة ستكون حاضرة في هذا المؤتمر وهو ما تتوق اليه ادارة البيت الألبيض وبالتالي تل ابيب لخلق تواصل فعلي وعلني ومكشوف مع ما يسمى بالمحور العربي المعتدل.. بهدف خلق النواة الشرق اوسطية الجديدة مفصلة على المقاس الامريكي....