الأحد: 24/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

هل يوجد إسلام سياسي وإسلام غير سياسي ؟

نشر بتاريخ: 16/06/2016 ( آخر تحديث: 16/06/2016 الساعة: 11:37 )

الكاتب: د. وليد القططي

كثُر هذه الأيام الحديث عن الإسلام السياسي لا سيما بعد قرار حركة النهضة الإسلامية التونسية في مؤتمرها العام العاشر فصل الجانب الدعوي عن الجانب السياسي في الحركة , وما ذكره زعيمها الأستاذ راشد الغنوشي عن خروج الحركة من الإسلام السياسي وإنه لم يعد هناك من مبرر لوجود الإسلام السياسي في تونس . وفي ضوء هذا التحوّل وما تبعه من نقاش متدحرج فإن ما يهمنا في هذا المجال هو الإجابة على السؤال المطروح وهو : هل يوجد إسلام سياسي وإسلام غير سياسي ؟ ولكن قبل ذلك لا بد من تعريف مفهوم الإسلام السياسي .

الإسلام السياسي كمفهوم ظهر بعد انهيار الخلافة العثمانية وإلغائها رسمياً عام 1924 على يد القوميين العلمانيين الأتراك كآخر نظام سياسي إسلامي , فنهضت تيارات فكرية وجماعات دينية وأحزاب سياسية وحركات إسلامية وشخصيات عامة وغيرها لإعادة النظام السياسي الإسلامي إلى الوجود والحكم , ليكون الإسلام كدين ودنيا مرجعية الدولة والمجتمع , فأُطلق عليها فيما بعد مصطلح الإسلام السياسي قاصدين به كل من يسعى إلى أن يكون للإسلام دورٌ في حياة الناس على مستويات الفرد والمجتمع والدولة , وأن يساهم في توجيه تيار الحضارة البشرية , انطلاقاً من الفهم الشمولي للإسلام كعقيدة وعبادة وشريعة ونظام حكم ومنهاج حياة .

ومن أوائل المستخدمين لهذا المصطلح الأستاذ محمد حسنين هيكل في كتابه ( خريف الغضب ) المنشور عام 1983 , وجعله عنواناً للجزء الثالث من الكتاب , وربط بينه وبين مصطلح آخر جديد هو ( الأصولية الإسلامية ) , اللذان يعينان العودة إلى الأصول الأولى للإسلام بالنقاء الذي كانت عليه زمن الرسول – صلى الله عليه وسلم – والجيل الأول من الصحابة – رضوان الله عليهم – واتباع الإسلام كمنهاج حياة ينظم المجتمع وسلوك أفراده . ولقد وضع الدكتور مصطفى محمود رؤيته لمفهوم الإسلام السياسي في كتابه ( الإسلام السياسي والمعركة القادمة ) المنشور عام 1992 بأنه " ... دعوة وتوعية هدفها الوصول إلى الرأي العام , ومرادها توصيل المنهج الإسلامي في صفائه وبساطته وشموله إلى عامة المسلمين ... لنقول لهم إن الإسلام حياة ومعاملة وعلم وعمل ومكارم أخلاق ورحمة وعدالة ورفق بالضعفاء ومعونة للفقراء وشورى للحكام وديمقراطية ومشاركة شعبية في القرار " . ويذكر الدكتور محمد عمارة في كتابه ( الإسلام السياسي والتعددية السياسية من منظور إسلامي ) المنشور عام 2003 أن أول من استخدم مصطلح الإسلام السياسي هو الشيخ محمد رشيد رضا للدلالة على الحكومات الإسلامية التي تسوس الأمة في إطار الإسلام .

والإسلام بدون فكر سياسي ينبثق منه عمل سياسي يسعى نحو تغيير واقع الأفراد والجماعات والمجتمعات والدول بل والعالم ليصبح أكثر انسجاماً مع مفاهيم الإسلام لا يوجد إلاّ من باب التخصص في العمل الإسلامي كمن يعمل في مجال الدعوة أو الفكر أو العمل الاجتماعي الخيري أو المقاومة ... والمشكلة ليست في الإسلام السياسي بقدر ما هي في الفكر السياسي المنحرف الذي يؤدي إلى ممارسة سياسية خاطئة كالفكر السياسي المتطرف الذي يتبنى الرؤية الأُحادية للأمور , والنظرة الإقصائية للآخرين , والثنائية القطعية التي لا مكان للوسطية فيها ... التي تقود جميعها إلى التكفير ومن ثم التفجير .

والمشكلة أيضاً ليست في الإسلام السياسي بقدر ما هي في الاستغلال السيء والتوظيف الرديء للدين لخدمة السياسة والسياسيين مثل : إصدار الفتاوى لطاعة الحكام المستبدين ودعم نظام الحكم الظالم وتقوية السلطة السياسية الفاسدة , والتنظير الديني لشرعنة الاستبداد السياسي وإمارة التغلّب ( الاستيلاء على الحكم بالقوة بدون وجه حق ) , والتأصيل الشرعي لحصر الحكم في فئة معينة ونخبة قليلة لإسقاط حق الشعب في المشاركة في الحكم واختيار الحكام، ولي عنق النصوص الدينية لتصبح الشورى معلمة (اختيارية) وليست ملزمة (إجبارية) للحاكم، وقصر نظام الحكم السياسي الإسلامي على قوالب نمطية جامدة مستنسخة من أزمنة غابرة لاستحضار شكل الحكم دون جوهرة ومبادئه العامة كالشورى والعدالة والمساواة والبيعة وحق مساءلة الحكام ونقدهم وعزلهم فيما لو أخلوا بشروط البيعة.

وأخيراً الإسلام السياسي الذي نفهمه هو الذي يدفع الناس إلى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر مهما اختلفت صور المنكر الذي أمرنا الله تعالى بإزالته مجسّدة في احتلال أجنبي خارجي، أو استبداد سياسي داخلي ، أو استغلال اقتصادي واحتكار للثروة، أو ظلم اجتماعي وفساد أخلاقي ، أو تطرف ديني يحتكر الحق والصواب ، أو غلو فكري يُلغى الآخر، أو تعصب حزبي يستعلى على غيره ... فإذا أردنا أن نتخلّى عن كل ذلك فإننا لا نتخلى عن الإسلام السياسي فقط، بل نتخلّى عن الإسلام نفسه، لأن ذلك هو جوهر الإسلام، لذلك فلا وجود لإسلام غير سياسي إلاّ في عقول من يريد عزل الإسلام عن حركة الحياة وتيار الحضارة وإبعاده عن الفاعلية في المجتمع والتأثير في مسار التاريخ.