نشر بتاريخ: 18/06/2016 ( آخر تحديث: 18/06/2016 الساعة: 13:08 )
الكاتب: سري سمور
لا يظهر اسم (جمهورية ناميبيا) حاليا في وسائل الإعلام لأنها لا تشهد أحداثا ساخنة، وغير المهتمين لا يعرفون شيئا يذكر عن هذه الدولة شاسعة المساحة الواقعة جنوب غرب قارة أفريقيا، والتي استقلت عن جنوب أفريقيا التي كانت تخضع لنظام الفصل العنصري (الأبارتهايد) قبل 26 عاما تقريبا، ضمن اتفاق دولي ساهمت فيه الولايات المتحدة والإتحاد السوفياتي (سابقا) ومجموعة دول أخرى وبالطبع بمباركة الأمم المتحدة...وبعيد ذلك الاتفاق طالب الرئيس ياسر عرفات والذي كان وقتها رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية بتطبيق اتفاق يحاكي ما جرى في ناميبيا على الأراضي الفلسطينية المحتلة صيف سنة 1967م لوضع حد للصراع حيث كانت هذه المناطق تشهد انتفاضة الحجارة التي أعادت قضية فلسطين إلى صدارة الأحداث، خاصة مع تبريد وحلحلة بؤر صراع أخرى في العالم آنذاك، ومنها قضية ناميبيا...ورفض طلب أبي عمار إسرائيليا وأمريكيا وأوروبيا...واستقلت ناميبيا وأقامت نظاما برلمانيا، ثم لاحقا انتهى نظام جنوب أفريقيا العنصري وخرج نلسون مانديلا من سجنه ليترأس تلك الدولة، وبقيت فلسطين محتلة من النهر إلى البحر، واستمر الاستيطان والتهويد، ولم تفلح كل المؤتمرات والاتفاقيات التي رعتها دول كبرى من مدريد وحتى أوسلو الذي تم توقيع إعلان مبادئه في حدائق البيت الأبيض في إنهاء أو حتى مجرد تخفيف غلواء الاستيطان وشراسة المشروع الصهيوني المسكون بالهوس الأمني وعقيدة التفوق العرقي، بل إن إسرائيل قد تنكرت لاتفاق أوسلو وأفرغته من مضمونه...نتحدث هنا بعيدا عن رأينا في أوسلو وحيثياته وتداعياته المختلفة.
وإذا كان هدف (عملية السلام) النهائي هو قيام دولتين لشعبين فوق فلسطين الانتدابية، الأولى فلسطينية عربية يمكن أن تقبل من شاء من المستوطنين اليهود المستعدين للتخلي عن هويتهم الصهيونية والقبول بالعيش مع المسلمين والمسيحيين كما كان الحال قبل وعد بلفور أو قبل بدء الهجرة اليهودية من منطلق صهيوني، ودولة أخرى عبرية إسرائيلية هي قائمة فعلا حاليا، على أن تكف عن العدوان والتهويد وإجراءات تقوم بها هي أسوأ ما كان من الأبارتهايد...مع أن حصتها في المقترح حوالي 78% من الأرض وهو ما يتجاوز حصتها وفق شهادة ميلادها(قرار التقسيم).
هذا الحل الموجود على الطاولة منذ زمن طويل بات رومانسيا نظريا غير قابل للتطبيق بفعل إسرائيلي دؤوب جعله كذلك، مما دفع حتى بعض المتحمسين والمنظرين له في مراحل سابقة إلى التخلي عنه والدعوة للتفكير بطريقة أخرى(سري نسيبة مثالا) ولا يتسع المجال لشرح كل المعيقات والإجراءات الإسرائيلية التي خرّبت إمكانية تطبيق حل الدولتين، ولكن قادة المشروع الصهيوني ينظرون اليوم بغرور القوة إلى ذاتهم بحيث يقولون ضمنا:لماذا وما الذي يجبرنا على تقديم تنازلات للعرب والفلسطينيين؟! وهذا الغرور والصلف نابع من الأوضاع غير المستقرة في المحيط العربي، ومن كون الاحتلال يحصل على ما يريد مجانا مثل تطبيع العلاقات الذي كثر الحديث عنه وإن لم يعلن عنه رسميا مع دول عربية عدة.
إلا أن الكيان العبري، وهو رأس حربة الكولونيالية الغربية في المنطقة العربية، صارت كلفته أعلى من فوائده، بل صار عبئا اقتصاديا وأخلاقيا على الغرب، بل حتى أمنيا بات الغرب مهددا في عقر داره بسبب تبنيه لهذا المشروع على أرض فلسطين، ومن الناحية العسكرية فإن هذا الكيان المدجج بالسلاح الذي لا تبخل به عليه الترسانة الأمريكية لم يحسم معارك مع تنظيمات لا جيوش دول نظامية في 2006 أو 2008 وصولا إلى صيف 2014 حيث ظهر أن جيش الكيان يتقن فقط قتل الأطفال وتدمير البنى التحتية، بينما هو مثل(البط) في مواجهة مقاومين فلسطينيين في شريط ساحلي ضيق محاصر، بحوزتهم أسلحة خفيفة ومتوسطة ولم يتخرجوا من أكاديميات تشرف عليها أقوى جيوش العالم وأكثرها تطورا...فصار كل يوم يمضي يضع علامة استفهام عن جدوى وجود هذا الكيان بشكله الحالي.
وعليه فما السيناريو المتوقع؟ هناك رأي يقول بأن فشل حل الدولتين الواضح، دون الإعلان عنه صراحة، يعني أن الحل المناسب هو حل الدولة الواحدة، لا سيما وأن الفلسطينيين بين النهر والبحر سيصبحون أغلبية خلال سنوات، وسنكون أمام ضغط دولي لمحاكاة جنوب أفريقيا وسينتج عن ذلك عودة من لا يقبلون أو لا يستطيعون التأقلم من المستوطنين إلى الدول التي هم حاليا يحملون جنسيتها؛ فغالبية الإسرائيليين يحملون جنسيات دول غربية، وهذا الحل سيقود إلى تدمير ترسانة إسرائيل العسكرية النووية سلميا، ويكون لهذه الدولة الجديدة جيش عادي أو لربما فقط قوة شرطية، وستنعم هذه الدولة برخاء اقتصادي لما تتمتع به من موقع وقوى بشرية متميزة!
يبدو لي هذا الحل حالما كثيرا؛ فمن لم يستجب لنداء عرفات بتطبيق أنموذج ناميبيا في ظل وضع دولي وعربي أفضل قبل ربع قرن لن يستجب الآن، خاصة في ظل هيمنة التطرف الديني والعنصري على المجتمع اليهودي في الكيان.
وقد يقول قائل أنني أخلط السياسة بالأيديولوجيا، وكأن هذه سبة، وكأن العدو لا يمارسها جهارا نهارا، ولكن الأمر ليس أيديولوجيا بل عقيدة مستمدة من نص قرآني واضح (وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا) أي أنه لا بد من مواجهة أو مواجهات ومعارك تقود إلى تحرير القدس؛ ولنكن واقعيين ولنصارح أنفسنا:هل يمكن لأي حكومة صهيونية أيا كان قادتها أن تتنازل عن القدس و المسجد الأقصى(يزعمون كذبا أنه جبل الهيكل) حتى لو وضعنا وزن كل يهودي في العالم ذهبا وماسا ومعادن نفيسة؟! كلا، فالقوم سيطرت عليهم أحلامهم التوراتية المزيفة، وهم في طريقهم لارتكاب حماقة كبيرة في القدس، تضاف إلى حماقاتهم التي يمارسونها على مدار الساعة، وعليه فإن المناجزة أمر لا مفر منه، وهي صيرورة منطقية للأحداث.
والأقرب هو الأنموذج الأيوبي؛ حيث أن السلطان الناصر صلاح الدين يوسف بانتصاره المؤزر في حطين مهد لاسترداد القدس، وقد سمح لمن يدفع فدية من الفرنجة، كان أحيانا يدفعها من خزينة دولته،بالخروج الآمن، وأقام بعض الخارجين من المناطق المحررة في مدينة صور، وأظهر السلطان تسامحا لا مثيل له...ولكن هذا التسامح جاء بعد كسر شوكة الممالك الصليبية بسلسلة حروب ومعارك وتكتيكات سياسية وعسكرية، وضمان عودة القدس للسيادة الإسلامية.
إسرائيل اليوم هي أسوأ من فرنجة ما قبل حوالي 1000 عام بمستوطناتها وعنجهيتها، ويتبلور وإن ببطء وتخبط وبأخطاء سياسية وانشغال بمعارك جانبية وخلافات بين المكونات نموذج أيوبي معاصر، علاقته بالنظام الرسمي العربي والإسلامي الضعيف أو المنشغل بمشكلاته أو حتى للأسف أحيانا متواطئ مع الغزاة، ستكون أشبه بعلاقة الأيوبيين مع العباسيين، حيث أجبر صلاح الدين الخطباء على الدعاء للخليفة الضعيف في بغداد كرمز لوحدة المسلمين، وعمل على إنقاذ العاضد الفاطمي من تسلط شاور وضرغام، في خطوات ضرورية في الطريق إلى القدس.
فالأقرب والله أعلم تحطيم المشروع الصهيوني بعد معارك ضارية، تجبر وتقنع الغرب بعدم فائدة هذا الكيان، وبعدها من أراد من اليهود أن يبقى فليكن وفق ما كان أجداده قبل قرون لا وفق خزعبلات نتنياهو وشارون وهرتزل!