السبت: 23/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

هدم السلطة واستمرارها !!!!

نشر بتاريخ: 19/06/2016 ( آخر تحديث: 19/06/2016 الساعة: 12:15 )

الكاتب: عصام بكر

اضعاف السلطة ووصلوها لحافة الانهيار التام هدف اسرائيلي غير مخفي مع الاحتفاظ بها والابقاء عليها سلطة هشة لا تتمتع باي صلاحيات ذات طابع سيادي او الانتقال من السلطة الى الدولة ، افراغها من اي دور سياسي او تنموي وتركها تواجه مصيرا مجهولا، اتفاقات تكبلها من كافة النواحي تسيطر اسرائيل دولة الاحتلال بموجبها على كافة مناحي الحياة ، وتتحكم بمقدراتها ومواردها بما فيها الارض وفي ذات الوقت تتخلص جزئيا من العبء السكاني في بعض التجمعات ذات الكثافة السكانية " المدن " والبلدات وهو ما سعت لتحقيقه من اتفاقات اوسلو .

والمراقب والمتابع لمدى التأكل الحاصل في مسألة وضع السلطة يلمس بقوة اعتماد اسلوب اسرائيل في الابقاء على حالة تفاوض ما في ظل وضع السلطة نفسها احيانا كمسألة تفاوضية بمعنى سياسة الابتزاز حتى على وجود السلطة نفسها وكل ذلك بطبيعة الحال في ظل تصاعد سياسات الاستيطان والتهويد الهادف لفرض الامر الواقع عندما تحين اللحظة بحيث لا يبقى خيارات اخرى امام الطرف الفلسطيني ومعه ، تبدو المقاربة المستحيلة ايضا بامكانية قبول
التوصل لاي تسوية مع ما يجري على الارض من استيطان وتدمير الوجود الفلسطيني فيها ، واخرها ما اعلن عن مشروع في محيط مطار قلنديا ومشروع قانون ضم المناطق المصنفة "ج " وعطاءات بناء مئات الوحدات الاستيطانية في منطقة القدس وحولها على سبيل المثال لا الحصر .

امام ذلك كله تبدو السلطة ليست في افضل احوالها ويراد لها ان تتحول الى عبء يومي على كاهل المواطن في ظل الاخفاق والفشل في تحقيق الحلم الوطني ، وحتى تحسين شروط الحياة المعيشية تبدو اكثر صعوبة من قبل ومعها تزداد الفجوة المتسعة ، وانعدام الثقة مع الجمهور ، فتصبح سلطة بلا سلطة تنحصر صلاحياتها ان بقيت في مجالات فرض الضرائب والقوانين التي يرى المواطن العادي فيها اضرارا بمصالحه وعلى حساب حياته ، هامش للحريات يتناقص بصورة مقلقة واغراق الناس بالديون وخدمات ضعيفة وفق الامكانات التي هي ايضا موضع تساؤل باستمرار ويطرح السؤال ما جدوى بقاء سلطة بهذه المواصفات ؟؟ ولماذا تبقى تقرر عنا ؟؟ وتبرز مقارنة الوضع ايام الانتفاضة الاولى وحياة الناس في ذلك الوقت والبعض يذهب للمقارنة حتى مع ايام الاحتلال !! حجم الديون التي تعاني منها السلطة والشعب والاخذة بالتصاعد وسلم العجر المالي بالمليارات يوصل الامور للخط الاحمر ، ازمات عميقة نتيجة تراكمات طويلة مع الرهان على بناء مؤسسات الدولة والانتقال بالسلطة للدولة في ظل الاحتلال هذه مظاهر لا يمكن القفر عنها او تجاهلها ومن مظاهر الازمات التي برزت في الفترة السابقة قضية اضراب المعلمين ، وقانون الضمان الاجتماعي ومشكلات لشرائح واسعة كالمزارعين والخريجين ........ الخ وضعت القضايا الاجتماعية والمطلبية في مصاف القضية الوطنية التي استمرت في التراجع وفي احسن الاحوال راوحت في ذات المكان .

حالة البلد التي دخلت منذ فترة في مخاض قاس وازمة شديدة التعقيد على مستوى صنع القرار والمسؤولية في اتخاذه تجعل من وضع السلطة مكشوفة بدون هامش مقنع للعمل ، حالة من الفلتان واستهداف الامن الشخصي والمجتمعي فوضى محدقة يراد لها ان تعم وسط تصاعد معدلات الجريمة ، حالة من السخط وعدم الاتزان تفتح بدوها اسئلة كثيرة عن قيمة وجود جسم لا يحمي الناس !!! ما وظيفة هذه السلطة ؟ مناطق بكاملها لا تستطيع السلطة التواجد فيها او دخولها او العمل فيها مع استمرار الانقسام والتقسيمات التي وضعها الاحتلال لتصنيف المناطق جرائم باتت تهدد النسيج الوطني والاجتماعي وتترك اثارها المدمرة على المجتمع وكيفية ايجاد الطرق التي تحمي السلم الاهلي برمته ، على مدار سنوات طويلة كانت القوى الوطنية والاطر والاتحادات والمؤسسات اكثر فاعلية وتأثيرا وكانت تتحمل مسؤولية استتباب الوضع الداخلي وعدم تعكير صفو العلاقات الداخلية لمواجهة الاحتلال والعمل على حل اي
اشكال يبرز هنا وهناك بسرعة ونجاعة وتقبل الجميع لانها تنبع من الحس الوطني والايمان العميق باهمية الترابط والتماسك الداخلي وهناك من الامثلة الكثير الذي يمكن ذكره في هذا المجال ، للاسف الصورة اليوم تبدلت ولم تعد ثقافة الانتفاضة الاولى هي الغالبة وانما " تذويت " الخلافات والابتعاد عن
المصلحة الوطنية وايجاد مبررات لتنامي ظواهر غريبة وليست اصيلة ولا تمت بصلة لتراث الشعب الفلسطيني .

في وضعنا الفلسطيني الراهن لا يخلو اي مجلس او اجتماع او نقاش حتى على مواقع التواصل الاجتماعي من الحديث نفسه بصور واحداث مختلفة او متشابهة حالة من التذمر والنقد حد السخرية حول الحال الذي يطال الجميع والمتاهة المرشحة للمزيد من الانحدار ، واليأس الذي يعتري النفوس من عدم المقدرة على ايجاد معالجات جدية ، هناك نزعات فردية مستشرية بقوة ومصلحية ضيقة تنمو باطراد وجماعات مصالح تسعى لزيادة نفوذها واحكام قبضتها على المجتمع ومقدراته ، وابتعاد الاطر القيادية عن الجمهور والعزلة بين القمة والقاعدة مثلا بيان اللجنة التنفيذية الاخير وبياناتها عموما هل تترك صدى
عند الناس كالسابق ؟ بالكاد اوساط قليلة تتابع ما يجري في اجتماعات القيادة وكذلك الحكومة انتقادات هائلة لسياسات البلد الاقتصادية والاجتماعية التي تضرب عصب الحياة وصمود الناس انتقادات حول التعينات والتوظيفات ، ميزان المصروفات والاستثمارات مع استمرار اهمال الاغلبية الساحقة من الفقراء والعاطلين عن العمل والحديث عن حالات هدر المال العام تخرج الناس عن صمتها وهو يشمل بما يشمل معظم مكونات النظام السياسي من جهاز تنفيذي رسمي ومؤسسات واحزاب ثم تلقى خطب عصماء حول سياسة الصمود والبقاء لتبدو كلمات جوفاء خالية من المعنى والجدية ، والا ما معنى المناشدات شبه اليومية في الصحف والمواقع لتقديم العلاج او دفع الاقساط الجامعية او اجراء عمليات جراحية او غيرها الكثير

كل هذا التشخيص لمعضلة متعمقة تنخر عصب المجتمع منذ سنوات دون حل يبدو صحيحا ولكن !! ايضا هذا ليس صدفة وانما مر بمراحل عديدة منها محاولات الاحتلال خلال اجتياحات المدن وما عرف "بالسور الواقي " 2002 وما تلاها من الحديث عن غياب الشريك الفلسطيني ومحاولة وصم نضال الشعب الفلسطنيني "بالارهاب " ، ثم خطة الفصل والانسحاب من قطاع غزة التي نفذها ارئيل شارون ، واستمرار قضم الارض يوميا ومنع اي امكانية لدور سياسي للسلطة - حتى في الانتخابات التشريعية استغلتها اسرائيل لتجنيد العالم والقيام بخطوات لضرب الاطر والمؤسسات بما فيها المجلس التشريعي المنتخب وتحويل السلطات للسلطة التنفيذية تحت مبرر الانقسام وغياب التشريعات ، وفي كل هذه المراحل لعبت العديد من الدول على المستوى الاقليمي والدولي ومنها الوازنة دورا مهما في تقديم نصيحة السلطة "بالتكيف " مع الوضع الحالي ، وارادت لها ان تبقى (صرافا اليا) وسلطة تقوم بفرض الضرائب على شعبها في مرحلة تحرره الوطني ، ولا تقدم بالمقابل الخدمات او يتم اضعافها لتصل لدرجة لم تعد قادرة على تقديمها ، الحياة الديمقراطية احد اوجه الاستقرار والمناخات لتعزيز المواطنة معطلة ولا تجديد للشرعيات فيها ، وسلطة لا تقوم بواجبها لخدمة شعبها وحماية امنه وكرامته ، وبطبيعة الحال ايضا لا تملك امكانية الانتقال لبسط نفوذها على المناطق المصنفة "ج " والتي تشكل اكثر من 60% من اراضي الضفة الغربية وفي ظل استباحة كل الارض يوميا من الاحتلال دون رادع من اي جهة دولية ، كل هذه الامثلة والمؤشرات تشير الى امكانية تصدع الهيكل العام للسلطة وترنحها وقبل الانهيار يأتي الانقاذ من من ؟ من اسرائيل الحريصة على عدم حدوث الانهيار الكامل لان عواقبه ستكون وخيمة عليها اولا وعلى المنطقة برمتها ربما وهذا هو القانون الساري المفعول سلطة خاوية لا تنهار بالضرورة

السلطة تأسست بقرار دولي وهناك مصلحة دولية في استمرارها وعدم وصولها للانهيار الكامل ، اضعافها ، تقويض صلاحياتها للحد الادنى ينشأ معها وضع من عدم الاستقرار ليصبح اي حل مهما كان للتسوية افضل من الدخول في الفوضى التي قد تنمو معها جماعات متطرفة ولا احد امام الامثلة الماثلة في الاقليم
والجوار يريد ذلك ، وقد هدد الرئيس عباس مرارا على ضوء الوضع المربك ووصول الامور لحائط التعنت والمواقف الاسرائيلية بتسليم مفاتيح السلطة للاحتلال وهو مؤشر لمدى استحالة التعايش مع الحالة المركبة الناشئة سلطة تحت الاحتلال وسلطة بلا سلطة وتدهور وتأكل المؤسسات الرسمية ، والمواطن يختنق يوميا باجراءات الاحتلال وعقوباته الجماعية ويريد سلطة تحميه وتعبر عن احتياجاته وتلامس الوضع الكارثي الذي وصل اليه، وقبل ذلك كله تمثل بالمعنى الوطني مصدرا للاعتزاز باعتبارها انجازا وطنيا يعكس التضحيات الجسيمة التي قدمها الشعب الفلسطيني طوال ما يقارب العقد من الزمن وبصفتها ايضا مصلحة وطنية علينا لا يمكن السماح بتحويلها لاداة تساهم في تقويض النضال الوطني ، ولهدم المشروع الوطني بدلا من كونها بوابة للاستقلال والحرية والانعتاق من الاحتلال بكل اشكاله .

لمعالجة قضايا الوضع الداخلي التي بات توصف بالمصيرية لا بد من مراجعة سياسات السلطة ووظيفتها وبنيتها ، وهي من الاهمية بمكان بحيث يجري تعريف علاقتها بالمنظمة ، وهي مرجعيتها ، وتحديد جدول اعمال وطني لتغير منهجي ملموس في سلوك السلطة تحديدا تجاه الوضع الاقتصادي والمشاريع الخدمية المقدمة للجمهور وحالة الحريات العامة وتحويل الرهان على السلطة ووضعها في موضع "المعادي " كما يراد لها لسلطة تخدم الناس كل الناس ، بالشراكة الوطنية والسياسية التي وضعت برامجها واليات عملها في هيئات واطر منظمة التحرير الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني في كل اماكن تواجده ، وافشال الرهان ايضا يتطلب تطوير منظومة مؤسسية قادرة على معالجة قضايا الناس الحياتية بعيدا عن الرتابة والروتين والتكلس ، يعاد معها احياء مفاهيم واضحة لسلطة تحت الاحتلال تسعى لتوفير افضل الامكانات لشعبها من اجل البقاء والصمود وتطوير اشكال مقاومته الشعبية للاحتلال حتى يرحل لا ان تصبح سلطة جيوب وبلوكات معزولة ، مسافة واسعة تفصلها عن شعبها ، قبل ان تغرق السفينة هناك من يتحضر للقفز مبكرا بدلا من ايجاد الحلول وتقليص الهوة الحاصلة في المجتمع والعمل بقوة لمنع الغرق .

دون الاحساس بالاوجاع التي خلفتها تراكمات اكثر من 20 عاما من التدهور لا يمكن تحصين البيت الداخلي وزيادة قدرته على المقاومة والبقاء ، محللين كثر يجمعون ان الوضع وصل الى ما يشبه سنوات النكبة قبل 68 عاما غياب للهوية الجامعة ، وتهاوي الاطر والمؤسسات المرجعية المقلق ، وكأن الكل يتنظر (الكارثة ) واسرائيل دولة الاحتلال تواصل سعيها المحموم للاطاحة بالمشروع الوطني وتصفية حقوقنا - لذا فان المطلوب معالجات جذرية تتخطى الشكلية والعموميات والدخول في التفاصيل قرارات واضحة تخيلوا لو لم يكن هناك قرار بتشكيل المنظمة مثلا هل حافظ الشعب الفلسطيني على هويته ووحدته كشعب !!!

اعادة الاعتبار للهيئات القيادية ونفض الغبار عن تراكمات طويلة رافقت المسيرة الوطنية واعادة الاتفاق على اولويات المرحلة التي نعيش ، والعمل على عقد مؤتمر شعبي بمشاركة الجميع ويتفق على وقف التناحر على سلطة بلا سلطة اولا وان نصل لمقاربة جوهرها الاساس نهاية السلطة هل تكون الى دولة ام الى فوضى ؟؟ واتفاقات جزئية ؟ ام احياء للخيارات الاخرى ؟؟ واذا وصلنا للدولة نحدد من يحكم وطبيعة نظام الحكم وعلاقات الدولة العتيدة الاقلمية والدولية – الانتظار قاتل وثمنه ليس بالسهل ، وهو سيف لا يرحم والوضع لا يطاق نحن بحاجة الى اخذ نفس عميق لابداء الحكمة والتروي ولغة الحوار لادارة الامور بمنتهى العقلانية ورح المسؤولية بعيدا عن شعارات لا تلقى صدى او قرارات لا تنفذ ، الانتخابات ربما كلمة السر المتفق عليها وربما تكون احدى ادوات الحل بمشاركة الجميع ، وتوحيد خطاب سياسي جامع بما يحسم مسالة التأرجح الحالية والخروج من النفق باقل الخسائر ان امكن