الأحد: 24/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

تعقيبا على خطاب المجدلاني في مؤتمر هرتسيليا

نشر بتاريخ: 20/06/2016 ( آخر تحديث: 20/06/2016 الساعة: 16:08 )

الكاتب: رائد محمد الدبعي

لو افترضنا جدلا السيناريو الآتي:
أن هناك إجماعا شعبيا ورسميا على أهمية مشاركة ممثلا عن فلسطين في مؤتمر هرتسيليا، لإحداث اختراق في موقف النخب الإسرائيلية المشاركة في المؤتمر، على فرضية أن تلك النخب غير مدركة للموقف السياسي الفلسطيني، وبحاجة إلى المزيد من الإطلاع على مواقفنا تجاه مختلف القضايا، لإحداث إزاحة في مواقف المتطرفين لصالح شعبنا، أو تعميق مواقف المقرين بحقوقنا في المجتمع الإسرائيلي، مما يتطلب المشاركة في المؤتمر.

ألا تتطلب تلك المشاركة خطابا وازنا، وشاملا، وعميقا، ومستندا قبل أي شيء، إلى الحقائق المنقحة، والتواريخ الدقيقة، والإعداد الجيد؟

دعونا سويا نحلل عبر السطور التالية خطاب السيد أحمد المجدلاني، في مؤتمر هرتسيليا بتاريخ 15 حزيران 2016، والذي نشر عبر العديد من المواقع الإخبارية المحلية.

هناك الكثير من القصور والفجوات التي واكبت خطاب السيد أحمد المجدلاني، حيث أن الخطاب افتقر إلى دقة المعلومات، ومتانة الطرح، والشمول، فعلى صعيد الأولى، ليس من الصعب اكتشاف اعتماد السيد أحمد المجدلاني على ذاكرته في إعداد الخطاب، دون إخضاعه للمراجعة والتنقيح، إذ أنه خلط بين قرار التقسيم الذي يحمل الرقم 181، وقرار عودة اللاجئين، الذي يحمل الرقم 194، حينما خاطب المؤتمرين قائلا "وعودة اللاجئين إلى ديارهم التي هجروا منها طبقاً للقرار الأممي 181 " ، كما أشار في خطابه إلى أن مؤتمر مدريد عقد عام 1992، علما بأن المؤتمر قد عقد في تشرين الثاني 1991، مستتبعا حديثه بأن "منظمة التحرير الفلسطينية في العام 1974، قد أعلنت استعدادها لإقامة السلطة الوطنية الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران"، فيما كان القرار في حينه ينص على أن " تناضل منظمة التحرير بكافة الوسائل وعلى رأسها الكفاح المسلح لتحرير الأرض الفلسطينية وإقامة سلطة الشعب الوطنية المستقلة المقاتلة عل كل جزء من الأرض الفلسطينية التي يتم تحريرها" كما يقول السيد مجدلاني " منذ تأسست م.ت.ف، وهي تناضل من اجل استعادة حقوق الشعب الفلسطيني، وذلك بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس مترامية الأطراف، مدخلا مصطلحا جديدا على القاموس السياسي الفلسطيني، إذ أن موقف القيادة الفلسطينية واضح في هذا الإطار، وهو أن القدس الشرقية، هي عاصمة الدولة الفلسطينية، وليس هناك من مبرر للمواربة أو التردد في هذا الشأن، من خلال اختلاق مصطلحات جديدة، قد تفسر من قبل الاحتلال بما يتوافق مع مصالحه وأطماعه، فيما يستشهد السيد مجدلاني " بارائيل شارون" كأحد الأمثلة على القيادات اليمينية التي صنعت السلام مع العرب والفلسطينيين، في سقطة أخرى لا أرى لها ما يسندها في تاريخ شارون الدموي ضد شعبنا، سواء كان في الحكومة أو المعارضة.

قد يقول قائل بأن تسليط الضوء على هذه التفاصيل، هو تحميل الأمور ما لا تحتمل، وبأن تلك الهفوات الصغيرة لم تؤثر على متانة الطرح، وقوة الرسالة، والمتمثلة باستعراض تمسك الفلسطينيين بخيار السلام، والشرعية الدولية، وهو الأمر الذي قد يكون صحيحا، لو كانت تلك الهفوات ارتكبت في مهرجان خطابي، وبحضور مجموعة من المواطنين غير المتخصصين، أو أنها ارتكبت على خطيب شعبوي، لا عضو في الصف الأول من قيادة الشعب الفلسطيني، وفي مؤتمر يشارك به أبرز النخب المتخصصة في مختلف التخصصات داخل إسرائيل، وغيرها من الدول. 
 
أما على صعيد متانة الطرح والأسلوب، فقد افتتح السيد مجدلاني خطابه باستسماح العذر من المؤتمرين لصراحته ووضوحه في عرض مأساة شعبنا، بينما من المفترض من صاحب الحق والقضية المقدسة العادلة أن يتبنى لغة قوية وحاسمة أمام عدوه، لا أن يلتمس منه الأعذار، ومن يتحدث باسم شعبنا عليه أن يكون قويا، عزيزا، مدركا لأهمية استخدامه التعبيرات التي تعبر عن قضية شعبنا إلى أبعد حد، مستذكرا قول الشهيد ياسر عرفات للعالم أجمع " جئتكم بغصن الزيتون في يدي وببندقة الثائر في اليد الأخرى فلا تسقطوا الغصن الأخضر من يدي" ، فيما سقط مجددا في فخ محاولته مخاطبة عقول المؤتمرين، والتأثير عليهم، حينما قال " هذا يعني ليس الشعب الفلسطيني من سيدفع ثمن هذه السياسات والتوجهات، بل المجتمع الإسرائيلي بمختلف توجهاته وانتماءاته "، إذ كان يستطيع أن يشير بشكل حازم ومباشر أن تلك السياسات اليمينية تهدد كلا الجانبين، دون إغفال أن شعبنا في الوطن والشتات، أول ضحايا الاحتلال، كما أنني لا أرى مبررا للتصريح باسم ايران، بأنها تتبنى المبادرة العربية، دون أن يصدر – وفق حدود اطلاعي – أي موقف ايراني رسمي يؤكد التزامها بالمبادرة، وبالتالي لم يكن هناك من داع للتصريح باسم غيرنا.

كما أن السيد مجدلاني كان يستطيع طرح قضية التطرف الديني في المنطقة بشكل أكثر عمقا وتأثيرا، حيث أنه قال " ولنا في داعش والنصرة من جهة ومن شوائب المستوطنين الذين يمارسون الإرهاب ضد شعبنا في الأراضي المحتلة خير دليل ومثال على ذلك"، فهل يفهم من ذلك أننا نقسم المستوطنين إلى فئات، وأن اقتلاع الشوائب من بينهم، ينهي مشكلتنا مع الآخرين منهم، ممن يستعمرون أرضنا، دون أن يمارسوا عنفا وإرهابا ضد شعبنا؟ أوليس استعمار أرضنا واقتلاعنا منها هو أقصى درجات الإرهاب؟ ولماذا لم يطرح السيد مجدلاني حالة التطرف الديني الحاد التي تجتاح المجتمع الإسرائيلي، والتبرير الديني لجرائمه ضد شعبنا بغطاء رسمي من الحكومة اليمينية المتطرفة، التي تتبنى خطابا لا يقل خطورة عن خطاب داعش، وغيرها من القوى التكفيرية في المنطقة.
 
أما من حيث الشمول، فقد خلى خطاب السيد مجدلاني من أي ذكر للأسرى، أو حصار أهلنا في قطاع غزة، وخنقها، أو التمييز الذي يمارس علنا ضد أهلنا في الداخل، أو معاناة أهلنا في مخيمات اللجوء، التي ولد وترعرع، بها السيد مجدلاني، أو سرقة حقنا في المياه لصالح المستوطنين، أو القضاء الإسرائيلي العنصري، أو جدار الفصل العنصري، أو تهويد المسجد الأقصى، أو القتل الممنهج لشبابنا على الحواجز، وحرق الأطفال، أو حالة الغليان الشعبي نتيجة لاستمرار الاحتلال وعقوباته الجماعية ضد شعبنا. 
 
الذي لا أشكك أبدا بقدرات السيد أحمد المجدلاني، ومعرفته بتاريخ شعبنا، لكنه من الواضح بأنه قد ذهب إلى هذا المؤتمر الذي يضم مجموعة من المتخصصين في مختلف المجالات، وبمشاركة عدد كبير من المتخصصين من مختلف دول العالم، دون أن يولي مشاركته الأهمية التي تستحق، وبأنه تعامل مع المؤتمر وكأنه مهرجان خطابي، لا يوثق به تصريحات السياسيين التي تتصف بالعاطفة وتجييش المشاعر. 

أتمنى أن يلقى هذا التعقيب الإهتمام الذي يستحق، كون مصلحة الوطن هدفه الأول والأخير، ولما لهذه المشاركات من حساسية، كون كل ما يعرض بها يحفظ في ملفات المؤتمر، ويوثق كونه الموقف الفلسطيني، وهو الأمر الذي يتطلب لاحقا، مراجعة حقيقية لخطابنا، وعدم التعويل على الذاكرة، فعلى صعيدنا نحن كشباب فلسطيني ناشط، نمثل فلسطين في بعض المؤتمرات الدولية، لا نتردد بمراجعة، خطابنا، وتنقيح مقترحات القرارات التي نعرضها في المؤتمرات الشبابية، وعرضها على خبراء العلاقات الدولية، واللغة، والسياسة.
هذا إن كان يحق لي بالأساس افتراض السيناريو المذكور في صدر المقال.