نشر بتاريخ: 20/06/2016 ( آخر تحديث: 20/06/2016 الساعة: 16:25 )
الكاتب: يونس العموري
لهرتزل المؤسس ان يفخر بالانجاز... فقد باتت المدينة على شواطىء المتوسط تحمل اسمه ويأتيها من ينطق بلغة الضاد متحدثا في مؤتمرها السنوي المعنون هذه المرة باسم (المناعة القومية للدولة العبرية) ، والامين العام يركض لاهثا ليتبوأ مكانه بالصفوف الامامية وليعتلي المنصة متحدثا .... وصفد الرابضة بالشمال قد اضحت منسية وهو المنحدر من روابيها ... والسفراء المعتمدون برام الله عاصمة الصدفة كانوا هناك ... ومن يتواصل مع مجتمع الاخر في محاولة منه للتاثير، والتأثير هنا ممكن بالرضى عما يفعله الاحتلال ويمارسه وبالتالي سيكون لهم جولة اخرى بتقديم واجب العزاء لرأس ورئيس الادارة المدنية ... وكان قد قالها القائل في حينه وايام قعقة السلاح والخشية من ان تصبح الخيانة وجهة النظر، والخيانة في اعرافهم لها الكثير من الموازيين والمقاييس وقد يكون التصدي للجريمة الارهابية من سادة هرتسليا خيانة باعراف من يؤمنون باعتلاء منصة المؤتمر الجديد على شواطىء المتوسط ... وسيظل التنسيق سيدا للموقف .. واللجنة التنفيذية هي صاحبة الكلمة العليا .. بصرف النظر عن العلو والأعلي والمعتلي ...
ايها الجالسون تنتظرون الخلاص، وان تأتيكم المعجزة من جديد، لا وقت للبكاء وللانتظار فالعاصفة قادمة وستكتشفون ان الانهيار قريب ، وسيكون بدون قاع ...
ويكون ان يأتي الخبر الكبير وقد يكون السخيف، وقد نكون مطاردين لاهثين خلف سراب التحليل واستنباط الموقف والسفر عبر حياكة النص للقول والكلام ومحاولة الاسترشاد، وبلحظة قد نطرد من وقائع الواقع ونسقط في تناقضات الفهم والافهام ... الا انه الموقف وللموقف رأي وتسطير لملحمة الذات مع عبثية اللحظة...
ولنا ان نبدأ بالحكاية الأن في ظل كل هذه العبثية التي نحيا، حيث فلسفة الحقيقة والدفاع عن الموقف واكتشاف الذات، والتضرع لسيادة اعمال العقل وان لا نساق كما تُساق البهائم ...
ولنا ان نبدأ بالرواية فحينما يختلط الحق بالباطل، ويصبح الباطل سيد الموقف، لابد من اعادة لتمركز المفاهيم وتعريفها والاتفاق على شكل وطبيعة منطلقاتها، وتحديد المعايير والمقاييس التي من خلالها من الممكن تحديد حقيقة الموقف، وطبيعة المعادلة الفعلية لخارظة التناقضات الحاكمة للفعل ولردات الفعل، وللحدث وتاثيراته على مختلف المستويات، وطبيعة صناعة المواقف اتجاه اي من القضايا المتفاعلة على مختلف الساحات، حيث اننا نعيش بعصر ما عدنا من خلاله نستوعب الحدث وبالتالي صارت الخربشة اذا ما جاز التعبير سيدة الموقف وليس أدل على ذلك الا ما بتنا نتلمسه بظرفنا الفلسطيني المعاش ... والمنهج اضحى معلوما ومعروفا وهنا لابد من التوقف لإعادة الحسابات ... والتساؤلات تغزو الوجدان ليل نهار .. فما الجدوى من التهافت على المشاركة بواحد من المؤتمرات الاستراتيجية للدولة العبرية الذي يرسم ملامح المرحلة والتخطيط لكيفية التصدي للتحديات التي تواجه تل ابيت واركان الحرب والأمن القومي .. ؟؟؟ وهل تعني المشاركة الفلسطينية العربية الرسمية وغير الرسمية القبول بما يصدر عن هكذا مؤتمر ..؟؟ واين هي هوامش التأثير بمسار مؤتمر هرتسليا ..؟؟ وكيف سيكون تسويق المشاركة الرسمية الفلسطينية من قبل حكومة الاحتلال امام العالم ..؟؟ وهل بالامكان الحديث عن مقاطعة كيان الاحتلال بالمحافل الاقليمية والدولية وحصار وجهة نظر الاحتلال دوليا ونحن نشارك بهرتسليا ..؟؟ وما هية أليات اقناع المواطن بمقاطعة الاحتلال ومنتوجاته التي تغزو الاسواق الفلسطينية في الوقت التي نشرعن القبول بالمشاركة بالمنتوج الفكري السياسي الاحتلالي من خلال منتوجات مؤتمر مناعة الأمن القومي لدولة الاحتلال ...؟؟؟
لا بد من الصراخ الآن... ولابد من العويل... ولا بد من محاولة رسم لوحة الواقع الذي نحيا... ولابد من مواجهة الحقيقة بمواجهة الذات... ولابد من أن نعي أن ثمة انكسار بأنفسنا قد حدث... وأن في النفس الكثير من التناقض وثمة ضجيج مشاغب يغزو الوجدان... فما بين قتل الفقراء بحواري غزة وتشويه ابتسامة طفل يحاول أن يعبث بسنين عمره الشقي، وما بين النوم في بحر التنظيرات بشطر الوطن المسلوب (الضفة الغربية) يكمن تمزق الذات والهوية، التي لطالما اعتبرناها واحدة موحدة...
لنا أحلامنا وصراخنا وآمالنا التي كنا نعتقد انها ممزوجة بتلك المعاناة من صلف الاحتلال والة التدمير والقتل... إلا أن المشهد هذه المرة مختلف، ويأتي اختلافه باختلاف وقائع الوطن خلال هذا الانهيار الكبير بالمفاهيم التي كانت حاكمة لمعادلة الوجود الفلسطيني ... وصرنا نُساق الى مؤتمراتهم التي تبحث وقائع أمنهم وآمانهم بحجة الدفاع عن ذواتنا وتسويق وجهة النظر الفلسطينية او هكذا ندعي ....
ما بين مؤتمر المناعة القومية لإسرائيل والعدوان على ما تبقى من فلسطين صياغة واحدة فالمؤتمر يؤسس بالنظرية حقيقة المرحلة موصفا اياها والعدوان انما يأخذ بعين الاعتبار توصيات وصياغات الاستنباط الفكري ورسم خارطة طريق العدوان وتحديد الآليات وفقا للنظرة الشمولية الراهنة ....
وللحقيقة ان جماهير الضفة الغربية وغزة والشتات والرابضين داخل الخط الاخضر اضحوا مربكين مرتبكين بتحديد الغث من السمين ... فحينما نشارك بالمؤتمر رسميا يتناقض الموقف مع نبض الجماهير وتصبح تلك الجماهير بحالة فراغ وافراغ من المحتوى ... وكأن مجريات الفعل العدواني الاحتلالي على جزء من الوطن او على عاصمة الوطن اصبح فعلا روتينيا تتعامل معه جماهير الضفة الغربية كما تتعامل معه جماهير اي عاصمة عربية أو أوروبية بالمساندة وأعتقد أن هذا ما أذهل الكل... بل إنه قد شكل صدمة لنا بالأساس... فمن غير المعقول أن تتظاهر رام الله بشكل سلمي من خلال مسيرات الشموع وتسير تظاهرات الاطفال وإنجاز أعمال الإغاثة... فهذا غير منوط بجماهير الأرض المحتلة.. ومن غير المعقول أن تكون المهرجانات الخطابية سيدة الموقف هنا... وما بين هذا وذاك يكون الاكتفاء باصدار بيانات الشجب والادلنة والاستنكار بصرف النظر عن الحدث وحجمه وهو الطبيعي في ظل المشاركة الفاعلة المتفاعلة مع هرتسليا وتوابعها ...
اعتقد أن ثمة هزيمة قد لحقت بنا هنا... هزيمة صارخة أمام كل هذا الانهيار ... وثمة خجل يتبلور الآن بذواتنا من مواجهة اللحظة... التحدي يتسلل الى ثنايانا.. والسؤال يتبلور ويتضح اكثر تحت المجهر... فما العمل يا سادة القول البليغ في ظل اختطاف جماهيرنا واقناعها بإمكانية رغد العيش تحت جنح التسليم بواقع الأمر والإستسلام لحيثيات معادلة العقلنة والتعقل...
أعلم واعرف أننا نعيش لحظة تاريخية فيها الكثير من مشاهد التناقض، حيث أنجز الانقسام انجازاته وفعل مفاعيله... فقد أصبح للنضال وجهة نظر اخرى، وللكفاح أيضا تعريف مختلف عن ذاك المرتبط بتاريخ المسيرة التحررية... وصرنا مختلفين حتى على تعريف فعل المقاومة وأحقيتها برد العدوان... ولأول مرة صرنا نراقب المشهد وكأننا نعيش بغير فلسطين المحتلة... وكأننا بواحة رام الله المحررة نحيا بكنف الأمن والأمان وتحقيق أهدافنا على الأقل الإنسانية... والكل يعلم ويعرف أن الحد الأدنى من ضرورات الحياة الانسانية غير متوافق او متوافر وتلك المسماه حياة في المدن المحتلة بالضفة الغربية...
هو الصمت من جديد يغزونا وكأن عدواه قد أصابتنا بمقتل وأصبحنا نلوذ بالفرار حتى من انفسنا حينما يغزونا الخجل... ولا مبرر لنا مهما حاولنا التفسير، وبصرف النظر عن القمع أو ما يسمى بالمصلحة الوطنية العليا...
نصرخ من وجع اللحظة وكيف تحولنا إلى أداة مهجنة ومدجنة كما يُراد لنا أن نكون نستقبل أنباء القتل، وربما نشفق على أنفسنا من تلك المشاهد الآتية إلينا عبر الأثير... وهو السؤال الذي يقض مضاجعنا ليل نهار.. هل نحن بالفعل بمستوى الحدث..؟؟ أم هو العجز..؟؟ أم صار لنا تعريفات ومفاهيم مختلفة...؟؟ وهنا لا أستثني أحدا... جماهير وقادة ونخب ثقافية وحتى ممن يمتشقون اليوم بنادق الكفاح بالضفة الغربية... صرخة مدوية تكاد تهز اركان كل فلسطين المحتلة اليوم...
أين نحن من كل هذا..؟؟ أين انتم من كل هذا.. بل دعوني أقول أين التيار الاسلامي النضالي الكفاحي ...؟؟ أين أدبيات اليسار واقتناص اللحظة الجماهيرية وتثوير الفعل وتطويره...؟؟ أين تراكمات التاريخ والبناء عليها...؟؟ أين حركة فتح بكل تراثها مما يجري..؟؟ لا يكفي القول إن وقائع الوطن مختلفة اليوم عن السابق، ولا يكفي القول إن الحصار وتقطيع الأوصال قد حال دون أن نأخذ مواقعنا في الملحمة لأسطورية... فإذا كان ثمة اختلاف فيما مضى حول تفسير فعل الانقسام فقد أصبح الانقسام واضح المعالم اليوم في هذا الوطن...
لأول مرة لا يلتحم الوطن مع قضاياه المصيرية ، ولأول مرة يصبح الميدان متشرذما ومشتتا وغير متوافق... ... وأعذر لنفسي وسأسمح لذاتي بأن أواجه الذات بالحقيقة المرة.. فثمة هزيمة هنا تتضح معالمها أيها السادة الكرام بكل الأماكن وعلى مختلف المستويات... هزيمة تكريس انقسامنا وثقافة المساندة كانت فارغة أيضا من مضامينها ومن معانيها ومن الحد الأدنى من الفعل وردة الفعل...
يا سادتي في كل مكان وفي شوارع وطن الأمان بالضفة الغربية الممزقة أوصالها... لا شك أن صراخ فقراء الوطن قد بات يزعجكم وأنتم تنعمون بالعيش في جنان روابيه.. هل لكم أن تسمعوا هذا البيان.. فللفقراء فقط حق دخول جهنم.. فجهنم الفقر لهم ولا شريك لأحد فيها سواهم... ولا جنة إلا جنانهم بأتون الفقر والحرمان... وللفقر قصص وحكايات مع أبطال الحواري المتمرغين بتراب الأرض... فها هو المشهد يبدو أكثر اتساعا ... والطريق الى هرتسليا حتما لا يمر عبر القدس المحتلة بل الطريق الى هرتسليا بالضرورة انه يمر عبر اورشليم عاصمة دولة اسرائيل ...