نشر بتاريخ: 23/06/2016 ( آخر تحديث: 23/06/2016 الساعة: 15:12 )
الكاتب: رئيس التحرير / د. ناصر اللحام
منذ ثلاثين عاما زرعت منظمة التحرير الفلسطينية استثمارا سياسيا ضخما في العلاقة مع الولايات المتحدة الامريكية ، وبدأ الامر بعد منتصف الثمانينيات وظهر الى العلن بعد مؤتمر مدريد عام 1991 ووصل ذروته وطرح ثماره عند توقيع اتفاق اوسلو في الحديقة الخلفية للبيت الابيض عام 1993 . ودأب الفلسطينيون على ذلك ربع قرن حتى وصلنا الى نتيجة الى شجرة امريكا عاقر ولا تطرح ثمار السلام ولا الصداقة أبدا .
المقربون من الرئيس لم ينفكوا يذكرون ما قاله الرئيس حسني مبارك للرئيس عباس في اخر لقاء لهما : ان أي زعيم عربي يتدفأ بامريكا سيبقى بردان ، وان أي زعيم عربي يتغطى بامريكا سيبقى عريان . ونستطيع ان نتخيل مدى تأثير كلمات الرئيس المخلوع مبارك على الرئيس ابو مازن من خلال خطاباته اللاحقة ، حيث كف ابو مازن عن التعويل على الولايات المتحدة في اي شئ ، بل وحين ظهرت وثائق ويكليكس للملأ ، سارعت انا لسؤاله عن الامر فابتسم وقال : ان الذي يخفي شيئا عن شعبه يتحمل مسؤوليته . ولم يستغرب أبدا التسريبات الامريكية عن زعماء الشرق الاوسط .
الشعب الفلسطيني لا يكنّ أي عداء للولايات المتحدة الامريكية ، بل ان أكثر عمل قامت به الثورة الفلسطينية والانتفاضات كلها ، انها كانت تحرق العلم الامريكي في بعض التظاهرات من شدة الغضب ، لكن وطوال مئة عام مضت لم تستهدف منظمة التحرير وفصائلها ، ولا التنظيمات الاسلامية وفروعها اي مواطن امريكي او مسؤول او شركة او سفارة لامريكا . بل حافظت على احترام علاقة صداقة من طرف واحد . ورغم ان امريكا تناصب العداء للشعب الفلسطيني من خلال دعم مطلق لجميع جرائم الاحتلال وفي جميع المحافل الدولية ، الا ان الشعب الفلسطيني لا يزال يراهن على " صحوة ضمير " قد تعيد الحق والعدالة الى هذه العلاقة .
الرئيس عباس الذس يمارس السياسة منذ 55 عاما ، يأس من واشنطن ، ومن الحزب الجمهوري والحزب الديموقراطي اللذان يحتكران صوت الناخب الامريكي بقوة المال والاعلام . ويبدو أنه وصل الى نتيجة ان واشنطن خلعت سروالها لتل ابيب وقطعت كل خطوط الرجعة . ولذلك ومنذ العام 2008 كف عن التعويل على اي حل يأتي من واشنطن ، وان اي تدخل أمريكا انما سيتسبب في تدمير جهود السلام وتخريب افاق الحل ، لان شركات السلاح واصحاب الكارتيلات هناك يستثمرون حياتهم في بقاء الصراع القائم بين العرب واليهود .
في العام 2013 حاول الرئيس الامريكي باراك اوياما ان يكسر هذا القاعدة ، ووعد بتدخل مباشر لاعادة قطار المفاوضات الى سكته ، لكن نتانياهو ويعلون أهانا اوباما بشكل شخصي وحفرا ضده حد وصل الامر بنتانياهو ان يذهب الى واشنطن ويخطب ضد اوباما . كما تعمّد نتانياهو ويعلون الى كسر انف جون كيري وتحقيره في كل مرة هبطت طائرته في مطار اللد .
واليوم يستطيع السفير الامريكي في تل ابيب أن يقرأ هذه المقالة ويضحك حتى يملأ صوته الغرفة ، وأن يقول ( ومن هي فلسطين حتى تتأثر بها امريكا العظمى ) . ولكن التاريخ أثبت كل مرة ان ما يرفضه الفلسطينيون سيرفضه العرب ، ويرفضه المسلمون ، ويرفضه احرار العالم . وانها مسألة وقت حتى يصار الى طرد السفير الامريكي من جميع العواصم العربية .
اليوم نستطيع ان نقول ان الرئيس عباس حرّر نفسه وحرّرنا من هذه العلاقة الفاشلة . وأن نقول " وداعا للاحتكار الامريكي لعملية السلام ومرحا بكل احرار العالم ودعاة السلام الدولي . وبالنسبة لجائزة نوبل للسلام التي حصل عليها اوباما ، يستطيع اوباما ان يضعها في طيره ، وطيره هو طائرة F35 التي أرسلها امس الى تل ابيب .