نشر بتاريخ: 27/06/2016 ( آخر تحديث: 27/06/2016 الساعة: 17:11 )
بقلم: عبدالله بدران
انتهت معارك تحرير الفلوجة وعادت المدينة إلى أهلها ووضع العراقيون بنادقهم جانباً. عادت الفلوجة لتلحق بمدن الأنبار المحررة، رفع على أبنيتها علم العراق بعد أن سقطت راية داعش وأفكاره. ويبقى استثمار جرعة الدواء دون ترك الداء، لأن ارتخاء أمنياً ومراهقة سياسية، قد يطيحان بكل الإنجاز المعبد بدم المحررين، وقد يطيحان بفرحة من انتظم من مقاتلين ومن أبناء العشائر الانبارية، في حلقات أدوا فيها أجمل دبكة شهدها العراق يوماً حتى الآن.
لا تحتاج لمقص دقيق ويد حاذقة لتحدد ملامح الفلوجة قبل وبعد التحرير، بالموجز المختصر، هي أولى ولايات داعش في العراق بعد إعلان التنظيم ذلك في حزيران/ يونيو 2014.
سبق للمدينة أن اكتوت بحرب، كانت حينها بحاجة لمقص حاذق بين شعاب التفاصيل، هي الحرب الأميركية على مقاومتها التي لم تطل بعد أن خطفها زعيم القاعدة في بلاد الرافدين أبو مصعب الزرقاوي، وهكذا معارك وحروب غيرت شكل المدينة وتغير الدين السمح على نصول السيوف.
كان الحد الفاصل الأكثر وضوحاً عندما احتل داعش الفلوجة، دخلها في كانون الثاني/ يناير 2014 بتنسيق مع خلاياه اليقظة داخل المدينة فتحولت إلى ولاية بعد أن كانت لها رمزية مقاومة المحتل سابقاً وانتقلت إلى معقل التكفير واستهداف أبناء الجلدة قبل غيرهم.
لكن الميدان وداعش، لم يكونا قدر الدعاية، فأفلت الميدان والمواجهة، بغطاء قدرات داعش العسكرية والقتالية.
ثلاثة وثلاثون يوماً قاد فيها العراقيون المعركة بكل تفاصيلها، جيوش في الميدان وجيوش في الاستخبارات وجيوش من الأصابع تتراقص على لوحات الحواسيب نقلاً للواقع كما هو. يقابلهم في المعركة من اختار أن يقف إلى جانب داعش ومن زوايا شتى ليس الحياد إلا أحد أعذارها. خسر داعش الجولة فانتصر العراقيون وتحررت الفلوجة.
هكذا أنهت القوات العراقية أسطورة داعش في أبرز ولاياته ومعاقله بعد انتهاء معركة حي الجولان شمال المدينة. 33 يوماً من قتال بلا قواعد وسباق العقول الأمنية خاضتها صنوف عراقية عسكرية شتى وتوحدت تحت بندقية وطنية في حرب وطنية.
أبرز الولايات التي تغنى بها التنظيم بلا داعش، 1000 كيلومتر أو يزيد توزع تحريرها على ثلاثة مراحل، انتهت المرحلتان بتحرير الكرمة والصقلاوية و47 قرية محتلة، فانتقلت القوات إلى مرحلة كسر العظم ورهان صعب بين ثنايا لعبة سياسية وطائفية أريد لها أن تغطي نصراً ناجزاً وتقدماً عسكرياً للقوات العراقية، أتقن العراقيون اللعب في صحراء الأنبار ولم يتعثر التحرير أو النصر بحبال الإقليم والداخل، ولا بدور التحالف الأميركي الغامض.
تحركت القوات بعد أن تأكد لها أن داعش بنى استراتيجيته الدفاعية حول أسوار المدينة لا داخلها، فزاد الطين بلة على التنظيم، واهتزت الأرض تحته، بعد أن انتدب لعمليات تحرير داخل المدينة، قوات النخبة في الجيش العراقي ممثلة بجهاز مكافحة الإرهاب وفرقة الرد السريع ومغاوير الشرطة الاتحادية، وبحصار مستمر على مسلحي داعش من الحشد وفصائل المقاومة بحزام المدينة الإداري.
أنهت القوات مشوارها بين حقول ألغام ملك داعش ثلاثة أعوام وقتاً لزرعها، هذا بالنسبة للوجود العسكري للتنظيم، لكنها مدينة لم تكن يوماً تحت سلطة الدولة العراقية.
أنهت القوات مشواراً صعباً بين لهيب المفخخات وكمائن داعش ومعرقلاته في جو لاهب وحرب مدن أريد لخسارة المارينز الأميركي فيها عام 2004 أن تتكرر بعد عقد وأكثر.
في الفلوجة حسبة أسسها داعش وعقوبات لم يسمع بها وأقفاص لسجن الإنسان وشارع يكمم فمه ورياض أطفال تحولت إلى معامل للتفخيخ ومستشفيات تدار منها العمليات العسكرية، ومساجد تبيح منابرها إراقة الدم.
في الفلوجة أطفال حملوا السلاح ونساء رجمت وأرض مزروعة موتاً وسماء لاهبة وأناشيد كئيبة معبأة بالتطرف والحقد.
في الفلوجة يوم حكمها داعش دروس وعبر، قد تفرض على أهلها أن يقرأوا الدرس لمستقبل العراق، وعلى بغداد أن تستثمر الفرصة لتعلم الدرس أيضاً لدرء حصول نكسة تُكسر بها هيبة الدولة وتطيح بنظام الأمن.
أحياء الفلوجة، ليس كأنها عاشت حرباً، ربما لأسباب متعلقة بكونها حرب تحرير الإنسان والأرض، بعد أن أحكمت قضية وطنية إيقاع البندقية المحاربة، لا يصدق من يتجول في حي نزّال والمعلمين والشهداء والصناعي، أن المارينز الأميركي كُسر هنا يوماً ما، كسرٌ ألهم التنظيمات المسلحة فاستعدت لجولات دون أن تحسب فارق الخسارة فيها. فكسب الأرض من قاتل محرراً مدافعاً بمعركة ربما من حُسن أبنية المدينة عدم انخراط التحالف بشكل واضح وكبير، رغم ضغوط فشلت لأسباب تتصل بحساسية ملف الفلوجة.
انتهت معارك تحرير الفلوجة وعادت المدينة إلى أهلها ووضع العراقيون بنادقهم جانباً، نزع عن المدينة نقاب ذل وبقي لها نقاب الدين إن أرادته، عادت الفلوجة لتلحق بمدن الأنبار المحررة، رفع على أبنيتها علم العراق بعد أن سقطت راية داعش وأفكاره. ويبقى لنا كلنا وكل من يتحدث العربية والانكليزية أو غيرها استثمار جرعة الدواء دون ترك الداء، لأن ارتخاء أمنياً ومراهقة سياسية، قد يطيحان بكل الإنجاز المعبد بدم المحررين، وقد يطيحان بفرحة من انتظم من مقاتلين ومن أبناء العشائر الانبارية، في حلقات أدوا فيها أجمل دبكة شهدها العراق يوماً حتى الآن.. والأيام بيننا.