الأربعاء: 27/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

العلاقات التركية الإسرائيلية فى ضوء النظريات المفسرة للعلاقات الدولية

نشر بتاريخ: 29/06/2016 ( آخر تحديث: 29/06/2016 الساعة: 11:29 )

الكاتب: دكتور ناجى صادق شراب

تقدم العلاقات التركية الإسرائيلية نموذجا متفردا فى العلاقات بين الدول ،ولا يمكن فهم هذه العلاقات فى سياق التفسيرات ألأيدولوجية والعقيدة ،التى قد لاتأخذ مكانا فى العلاقات بينهما، ويقصد بذلك تحييد المحددات الأيدولوجية والدينية فى تفسير العلاقات. وتتراوح هذه العلاقات بين العديد من النظريات المفسرة للعلاقات الدولية ، ولعل اهم هذه النظريات التى قد تقدم نموذجا تفسيريا،نظريات القوة او النظرية الواقعية والتى لها أشكال متعددة، لكن جوهرها ان تري العلاقات بين الدول على أنها صراع من أجل القوة بين دول تسعى لتعزيز مصالحها بشكل منفرد. 

ويرتبط بهذه النظريات ما يعرف بنظريات دورة القوة والمكانة ، والتى تسعى الدول الإقليمية إلى تحقيقها ،وترتبط العلاقات بينهما بنظريات التحالف الدولى ، ونظريات المصلحة القومية ، والتحولات فى هياكل القوة الإقليمية والدولية. وفى ضوء هذه النظريات يمكن القول ان العلاقات بين تركيا وإسرائيل تنطبق عليها هذه النظريات التفسيرية فى العلاقات ، وأقواها نظريات القوة والمصالح الإستراتيجية ، والتى محورها ان كل منهما ترى مصالحها الإستراتيجية من خلال المصالح الإستراتيجية للأخرى، وهذا يرتبط بالمدركات والتصورات السياسية للنخب الحاكمة فيهما إزاء الأخرى ، وملخصها ان تركيا وإسرائيل تدركان انه لا يمكن تحقيق دور الدولة القائد أو الدولة المحورية دون التحالف فى العلاقات بينهما، فكل منهما تقود لما تريد ، فتركيا عبر إسرائيل تحقق اهدافها مع الولايات المتحدة وأوروبا والمنطقة ، وإسرائيل تدرك أهمية الدور التركى فى العالم الإسلامى والمنطقة. 
وهنا نموذج العلاقة يقوم على أولوية المصالح على الإعتبارات الأيدولوجية او العقيدية، وهنا تسود نظريات المصلحةالمشتركة ، والنظريات الواقعية على العلاقات أكثر منها العلاقات المثالية ، وبالتالى هى قد تخضع لتقلبات القوة والمصلحة . 

وبقدر التوازن فى القوة ، وبقدر المصلحة بقدر إستمرار العلاقات، ونظرية المصلحة تغطى العلاقات الإقتصادية والتجارية والسياحية ، والعلاقات العسكرية .وتملك كل منهما ادوات تأثير مباشرة تؤثر فى الدور المحورى الذى تتطلع له تركيا وإسرائيل.والملاحظ على هذه العلاقات غياب البعد العدائى فى العلاقات ،فأساس العلاقات ليس العداوة ، بل أساسها المصلحة القومية لتركيا فى بعدها القومى وليس الدينى ، فتاريخيا ورغم تصويت تركيا ضد قرار التقسيم عام 1947،إلا إنها إعترفت بإسرائيل بعد عام ونصف، وتبادلت التمثيل الدبلوماسى دون مستوى السفير فى مارس 1949،ولتكون الدولة الإسلامية الثانية بعد إيران، وهنا لابد من ملاحظة هامة بالنسبة للسلوك السياسى للدولتين الإسلاميتين انه لا إعتبار للبعد العربى أوالإسلامى بالنسبة للقضية الفلسطينية فالأولوية مصالحهما، وهنا التلاقى مع إسرائيل والتناقض مع كل ما يرتبط بالعروبة من علاقات او مشروع قومى أو ايدولوجى.

وتأرجحت العلاقات بين صعود وهبوط،وتقدم وتراجع حسب التغيرات فى المصالح، وفى التحولات فى موازين القوى الإقليمية والدولية ، وحسب التغيرات السياسية فى داخل كل منهما.فتدنى مستوى التمثيل الدبلوماسى بينهما فى اعقاب العدوان الثلاثى على مصر عام 1956، وفى اعقاب قرار إسرائيل بضم القدس عام 1980.وبعدها عادت العلاقات للتقدم فى اعقاب التوجه العربى نحو التسوية وما تلاها من توقيع إتفاقات اوسلو . ووصلت ذروة العلاقات بتوقيع إتفاق إستراتيجى يصل لدرجة التحالف فى المجال الأمنى والعسكرى والإقتصادى.

وقد شكل وصول حزب العدالة والتنمية مرحلة جديدة فى العلاقات، ورغم أيدولوجية وإسلاميته لكن العلاقات بقيت على مستواها، والتحول الذى طرأ ولم يصل حد القطيعة مع الحرب ألأولى على غزة بعد فوز حماس فى الإنتخابات والحكم وسيطرتها الكاملة على غزة، بدا شكل من التقنين فى العلاقة او بصيغة اخرى توظيف هذه العلاقة لصالح حكم حماس وتثبيت تواجدها، وكانت الضربة الموجعة للعلاقات مع حادثة سفينة مرمرة 2010 ومن تداعياتها طرد السفير الإسرائيلى من أنقرة ، وسحب السفير التركى ، لكن العلاقات لم تقطع، وبقيت فى صورة مجمده. ولعل من اهم التداعيات التى ترتبت على حادثة السفينة ليس الحدث نفسه، بقدر انها مست هيبة الحكم وشخص اردوغان نفسه، ولذلك الإصرار على إستعادة هذه الهيبة فى المفاوضات الجارية، والتى كما أشرت تبقى المصلحة عاملا قويا فى إستعادتها،وكما اشار بن جوريون ان العلاقة مع تركيا تشكل حزاما إستراتيجيا هدفه إحتواء المنطقة العربية ، واحد المداخل للتعامل مع القضيةالفلسطينية لتفريغ مضمونها الإسلامى. 

ولعل من أبرز التحولات التى تدفع فى إتجاه عودة العلاقات ما قاله احد الدبلوماسيين الإسرائيليين ان الدافع ألأمنى وتمدد داعش والجماعات المتشددة فى سوريا يشكل عاملا جديدا فى هذه العلاقات، إلى جانب الحاجة للغاز الطبيعى من إسرائيل ومروه إلى اوروبا عبر تركيا. هذه العوامل هى التى تقف وراء المفاوضات التركيةإلإسرائيلية وتقدمها، وتبقى مسألة الحصار على غزة وهى ليست بالعقبة الكبيرة لتلاقى المصالح المشتركة فتركيا حريصة على بقاء حماس فى غزة كقاعدة وأساس قوي لحركة ألأخوان، وإسرائيل حريصة أيضا على إستمرار حماس لتجذر الإنقسام الفلسطينى وتحوله إلى كيان حقيقيى ينسف حل الدولتين. 

وفى هذا السياق التوظيف للعلاقات الإسرائيلية التركية الإسرائيلية بأن تكون غزة جزءا من أى إتفاق كحفظ ماء وجه لتركيا لإستئناف علاقاتها مع إسرائيل. ومن خلاله يمكن الوصول لإتفاق تهدئة طويل ألأمد يحيد غزة امنيا وهو ما تريده إسرائيل. وعموما لا يمكن فهم هذه العلاقات إلا فى إطارها الشمولى وفى التحولات فى موازين القوى الإقليمية والدولية التى طرأت على المنطقة بعد ثورة التحولات الكبرى فى المنطقة وما ترتب عليها من تغيرات فى أدوار الفاعلين من غير ذات الدول كحماس، وفى التحولات فى مفاهيم ألأخطار التى تهدد دول المنطقة ، وأن إسرائيل لم تعد هى العدو او الخطر المحدق بالمنطقة ،وفى التوجهات العامة العربية الإسرائيلية. وتبقى العلاقات التركية الإسرائيلية نموذجا لعلاقات القوة المتحررة من بعدها العروبى والإسلامى ، وهذا هو الفارق فى النموذج العربى الإسرائيلى، وتبقى نموذجا يمكن البناء عليه فى علاقات الدول على أساس القوة وتلاقى أو تنافر المصالح المشتركة..