الأربعاء: 27/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

الأردن في مواجهة داعش:اختبار لمدى فعاليةالتحالف الدولي لمحاربة الارهاب

نشر بتاريخ: 30/06/2016 ( آخر تحديث: 30/06/2016 الساعة: 13:49 )

الكاتب: انور رجب

تعرضت المملكة الأردنية خلال العشر سنوات الماضية الى عدة موجات من الإرهاب، كان الفارق الزمني فيما بينها متباعداً الى حدٍ ما، وكان أعنفها التفجيرات التي استهدفت ثلاثة فنادق في عمان وراح ضحيتها 70 مواطناً وزائراً، وجرح العشرات، وتبناها في حينه تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين الذي كان يقوده أبو مصعب الزرقاوي. وبعدها شهدت المملكة حالة من الهدوء والاستقرار استمرت حتى اندلاع ثورات الربيع العربي، والتي منحت التيار الجهادي فرصة للظهور من جديد، واستثمار هامش الحرية الذي فرضته تلك الثورات ساعياً لنقل التجربة الى الأردن، وشكل الحراك الذي قادته في حينه جماعة الإخوان المسلمين رافداً وغطاء له، حيث تقاطعت مصلحة الطرفين في تحقيق هذا الأمر، إلا أن قدرة الدولة الأردنية على التأقلم والتكيف مع تلك المرحلة، والتعامل بحنكة وحكمة مع استحقاقاتها حال دون ذلك، وقد ساعد فقدان الثورات لجاذبيتها نتيجة ما شهدته ليبيا ومن بعدها سوريا من حروب أهلية طاحنة في تعامل الشارع الأردني بحذر وخشية مع ذلك الحراك، خاصة بعد أن أصبح النموذج السوري تحديداً حاضراً وبقوة في مجريات الأوضاع في الأردن. وقد تميزت تلك الفترة بهجرة الفعل الجهادي الى خارج الحدود الأردنية، حيث استجاب مناصري التيار الجهادي وأعضائه لفتاوى منظري ورموز هذا التيار بالالتحاق بساحة المعركة في سوريا وقبلها العراق.

في السنتين الأخيرتين شهدت المملكة عدد من العمليات الإرهابية المتفرقة، والتي يمكن فهمها في إطار محاولات الجماعات الإرهابية وتحديدا تنظيم الدولة (داعش) لاختراق الساحة الأردنية ونقل فعلها لضرب أمنه واستقراره، وكان لتلك العمليات دلالاتها الخطيرة، وأبرزها الهجوميين المنفصلين خلال الشهر الجاري، حيث استهدف الأول مبنى للمخابرات الأردنية في مدينة البقعة وراح ضحيته خمسة من أفراد دائرة المخابرات، وهذا الهجوم يمكن تصنيفه ضمن هجمات ما يسمى بالذئاب المنفردة (أفراد أو مجموعات تحمل الأفكار التكفيرية المتطرفة وتعمل دون ارتباط تنظيمي ودون توجيه منه). والثاني استهدف نقطة عسكرية على الحدود السورية وأسفر عن مقتل سبعة من العسكريين وإصابة آخرين. والتي يمكن تصنيفها ضمن العمليات المنظمة التي تخضع لتخطيط مسبق، حيث أعلن تنظيم الدولة مسؤوليته عن تنفيذها.

السؤال الذي يتبادر للذهن: هل تأتي هذه العمليات في سياق إستراتيجية تدفيع الثمن، التي أشار لها أبو بكر ناجي – وهو قيادي ومنظر في التيار الجهادي، في كتابه (التوحش.. اخطر مرحلة ستمر بها الأمة) رداً على الدور الفاعل الذي تقوم به الأردن في إطار مشاركتها في التحالف الدولي ضد الإرهاب؟ أم انه يأتي في سياق وضع الأردن كهدف ضمن إستراتيجية تنظيم الدولة لتحويله لمركز ثقل للتنظيم وضمه لدولة الخلافة المزعومة؟

إن الحديث عن الأردن بوصفه الهدف القادم لتنظيم الدولة، يعززه الكثير من الوقائع والحقائق على الأرض، والتي تشكل بمجملها مجموعة من الحوافز التي تشجع تنظيم الدولة على استهدافه، من أهمها أن التيار الجهادي فاعل في الأردن منذ أكثر من عقد ونصف ويتمتع بقاعدة صلبة فيه، نتيجة وجود بيئة جهادية متنوعة، إذ تشير العديد من التقارير الاستخبارية أن عدد الناشطين في الجماعات الجهادية في الأردن تجاوز الخمسة ألاف متمركزين في عدة مدن منها الزرقاء وعمان واربد والسلط ومعان، ويقاتل في سوريا والعراق أكثر من 3000 جهادي أردني معظمهم ينتمون الى تنظيم الدولة، وهذا العدد ينمو ويتضاعف، إذ أن الجيل الجديد من الجهاديين في الأردن ينتمي في اغلبه لتنظيم الدولة، يضاف إليه من يصنفون بالزرقاويين وهم المناصرين السابقين لأبو مصعب الزرقاوي ممن يعتبرون أنه هو من وضع اللبنات الأولى في بناء تنظيم الدولة. وبالتالي فان تمدد تنظيم الدولة في الأردن هو بمثابة استمرار لرؤية الزرقاوي في منح الصراع أسس طائفية، وهو من أهم أسباب قوة تنظيم الدولة خاصة بعد أن أصبحت بيئة الصراع اليوم طائفية بامتياز. ناهيك عن إستراتيجية داعش الجاذبة للجيل الجديد الذين يتأثروا بما حققته داعش من انجاز على الأرض وقوة خطابها وفعلها الميداني، حتى بات تأثير القادة الميدانيين يغلب ويتفوق على تأثير شيوخ ومنظري التيار الجهادي ورموزه التاريخيين أمثال أبو محمد المقدسي ومحمود أبو عمر - أبو قتادة.

ليس هذا ما يغرى تنظيم الدولة فقط، فالأردن على تماس مباشر مع أكثر المناطق سخونة، من حيث قوة وفعالية تنظيم الدولة فيها، أو من حيث توفر بيئة محرضة على الإرهاب، فهو اليوم محاصر من تنظيم الدولة بحدود تبلغ مساحتها حوالي 181 كيلومتراً مع العراق معقل التنظيم ومهد أطروحته الطائفية، وبحدود تبلغ حوالي 378 كيلو متراً مع سورية، وجهة الأردنيين الجهاديين أو أولئك المتأثرين بالرؤية الطائفية للصراع، مع الأخذ بعين الاعتبار أن أكثريّة سكان الأردن الساحقة هم من السنّة، هذا بالإضافة الى أزمة اللاجئين السوريين الذي وجد الأردن نفسه في مواجهتها ومجبر على التعامل مع استحقاقاتها الإنسانية والأخلاقية والقومية وبلا شك الأمنية أيضا، هذا في ظل ضعف الدعم والمساندة المقدمة للأردن من قبل المنظمات والمؤسسات الدولية ذات الصلة بموضوع اللاجئين. والأمر الآخر هو أن الأردن على تماس جيوسياسي مباشر مع القضية الأبرز التي تستغلها وتستثمرها الجماعات الجهادية في تغذية الفكر الإرهابي وتتخذ منها ستاراً وغطاءً ومبرراً لوجودها وفعلها وهي القضية الفلسطينية. حيث توفر ممارسات الاحتلال الإسرائيلي بحق الفلسطينيين واستمرار احتلاله للأراضي المقدسة بيئة محرضة على الإرهاب الذي يمارسه تنظيم الدولة. ناهيك عن أن إيجاد موطئ قدم لتنظيم الدولة في الأردن ستوفر منفذا له الى السعودية (ارض الحرمين).

وبالرغم من ذلك كله، وما يتوفر من مقومات تشكل منفذاً لتنظيم الدولة للولوج منها لنشر الإرهاب في داخل الأراضي الأردنية، إلا انه ومن الواضح أن الأردن تمكن من السيطرة على الفعل الجهادي الإرهابي وإبقائه بأدنى مستوياته، وتمكن من احتواء موجات الإرهاب المتكررة التي سعت لضرب أمنه واستقراره، فقوة الدولة وتماسك مؤسساتها العسكرية والأمنية، وقدرتها على إحباط العديد من العمليات التي كان يخطط لها تنظيم الدولة، وتزايد السخط في المجتمع الأردني ضده، وفقدان نموذج الثورات لجاذبيته داخل الأردن، شكلت بمجموعها عوامل حالت دون تمكن الجماعات الجهادية من خلق نقاط تمركز لها في الأردن (مناطق معزولة عن سيطرة الدولة) كما هو الحال في بلدان أخرى.

وبالمقابل فان هذا النجاح لا يعني انه يمكن الركون إليه، خاصة وان الموجة الأخيرة من العمليات الإرهابية التي ضربت الأردن حملت دلالات خطيرة، أهمها كما أشار الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية محمد أبو رمان هو انتقال خطر تنظيم الدولة من الخارج الى داخل الأردن. وفي ظل ما اشرنا له أعلاه من مقومات تشجع تنظيم الدولة على استهداف الأردن ووضعه ضمن قائمة أولوياته، فان مؤشر مخاطر تزايد العمليات الإرهابية أصبح في ارتفاع. ويزيد من تلك المخاوف هو لجوء أطراف إقليمية لتوظيف إرهاب تنظيم الدولة في تعزيز حالة الفوضى في المنطقة بما يخدم أجنداتها في فرض سطوتها وسيطرتها على المنطقة. وإذا ما نجح تنظيم الدولة في اختراق الساحة الأردنية، فان ذلك يثر العديد من التساؤلات حول مدى قدرة الأردن منفرداً دون دعم ومساندة إقليمية ودولية على مواجهة تنظيم الدولة، والذي سيجد حينها حاضنة إقليمية تتقاطع مصالحها مع نشر الفوضى في الأردن وفي مقدمتها النظام السوري وإيران، وربما محلية تمثلها جماعة الإخوان المسلمين التي ستجد في ذلك فرصة للانتقام من الدولة، بعد حالة التفكك والتشرذم التي ضربتها.

هذا القلق على مستقبل الأردن في ظل التهديد الذي يمثله تنظيم الدولة لا يأتي في سياق التشكيك بقدرات الدولة الأردنية ومؤسساتها الأمنية والعسكرية، ولا هو من باب تصوير الأردن بوصفه دولة ضعيفة في مواجهة الإرهاب، وإنما يأتي في سياق إدراك حجم المخاطر والتهديدات التي تحيط بالأردن في ظل بيئة إقليمية ودولية مضطربة، تخضع خارطة تحالفاتها وتجاذباتها لتغيرات دائمة وفقا لما تفرضه مصالح وأجندات الدول المتباينة والمتناقضة.

إن مواجهة الإرهاب في الأردن وإفشال مخططاته يصب في خدمة استقرار الإقليم وتحديداً الدول العربية، وهذا يقتضى من المجتمع الدولي ومؤسساته، ومن الدول العربية تحديدا ذات الثقل المالي اتخاذ العديد من الإجراءات والتدابير لدعم الأردن ومن ضمنها، أولا: تمويل خطة إستراتيجية للنهوض بالاقتصاد الأردني، ليتمكن على الأقل من تخفيض نسبة الفقر والبطالة بوصفهما من أهم العوامل المغذية للإرهاب والفكر لمتطرف، وثانيا: توفير الدعم اللازم لتطوير القدرات التقنية واللوجستية للمؤسسة العسكرية والأمنية الأردنية، خاصة وان الجيش الأردني الذي يتميز بالكفاءة والتماسك والقوة يحسب له المساهمة في أعمال الإغاثة في العديد من الدول واستقرار بعض دول المنطقة (البحرين مثلا). وثالثا: أن تساهم تلك الدول والمؤسسات الدولية في معالجة تبعات أزمة اللاجئين السوريين في الأردن (أكثر من مليون ونصف لاجئ)، سواء من خلال الدعم المالي بغرض توفير ظروف حياة مناسبة في معسكرات اللاجئين، أو من خلال استيعاب أعداد من هؤلاء اللاجئين في دول أخرى عربية وأوروبية.

خلاصة القول أن تصاعد الإرهاب في الأردن سيلقي بظلاله على المنطقة ككل، والتي لا تحتمل مزيداً من الأزمات، وإذا ما تمكن الإرهاب من الأردن "لا سمح الله" فعلي العديد من دول المنطقة أن تتحسس رأسها، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية التي تحاصرها حدود ملتهبة، ومنغمسة في أزمات متعددة في المنطقة، وعلى رأسها مواجهة المشروع الإيراني بما له من استحقاقات ضخمة. وكذلك على السلطة الوطنية الفلسطينية أن تتحسس رأسها بحكم العوامل المتداخلة التي اشرنا لها آنفاً. أما إسرائيل وإذا اعتقدت أنها ستظل في مأمن من هجمات تنظيم الدولة وغيره من الجماعات الجهادية فإنها واهمة، فالتجربة أثبتت أن جميع الدول التي دخلت لعبة توظيف هذه الجماعات قد اكتوت بنارها، وإسرائيل ليست بعيدة عن ذلك، وأحداث الحادي عشر من سبتمبر لا زالت ماثلة بالذهن. وعليه فإن الحفاظ على أمن واستقرار المملكة الأردنية ليست مسؤولية الأردن وحده، وإنما هي مسؤولية إقليمية ودولية، وبالتالي فان مواجهة طموحات تنظيم الدولة في الأردن تعد بمثابة اختبار لمدى فعالية التحالف الدولي – الإقليمي لمواجهة الإرهاب.