الأحد: 24/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

ماذا يفعل صديقي اليهودي في رام الله ؟

نشر بتاريخ: 30/06/2016 ( آخر تحديث: 30/06/2016 الساعة: 14:06 )

الكاتب: رئيس التحرير / د. ناصر اللحام

خبران لم أجرؤ على نشرهما بسرعة . الاول في ربيع هذا العام ، حين كنت أقف مع الاسير المحرر المناضل الكبير الشيخ احمد ابو سرور قرب دار جاسر في بيت لحم ، وفجأة رن الهاتف وأخبرني المراسل أن ابن الشيخ ابو سرور قد استشهد للتو في مخيم عايدة ، فسألني الشيخ ( هل من أخبار جديدة ؟ ) . نظرت في عينيه والى لحيته الطاهرة وووجهه المشرق ، وتمنيت لو انني أستيطع أن اجهش بالبكاء ، ولكنني قلت له ( لا يا شيخ لا يوجد أخبار ) وافترقنا .

وقبل أيام وصلني خبر عاجل عن استشهاد الطفل محمود رأفت بدران وهو ابن صديقي المناضل صاحب القلب الطيب . ارتجفت يدي ولم اجرؤ على الاتصال به ، وحين اتصل الاخوة من سفارة فلسطين في السعودية ليسألوا هل الخبر صحيح أم لا ؟ وسألوني عبر الواتس أب هل استشهد ابن رأفت ؟ لم أجرؤ على الرد على الهاتف . وبعد ايام وحين تحدثت مع رأفت كان المشهد حزينا وقاسيا أكثر مما تخيلون . فليس أصعب في الحياة من أن تبلغ صديقك ورفيق دربك أن ابنه قد استشهد .

وبالامس قام شبان غاضبون من رام الله باحراق سيارة اسرائيلية دخلت الى المدينة وقت الافطار الرمضاني ، ونجا تسعة اسرائيليين كانوا سيتناولون طعام الافطار مع اصدقاء فلسطينيين منهم نشطاء في حركة فتح ومنهم مقربين من السلطة . وللوهلة الاولى تعاملنا مع الخبر على اعتبار انهم مستوطنون دخلوا المدينة بالتزامن مع اجتياحات دوريات الاحتلال الدائمة للمدن الفلسطينية ، وبالتزامن مع اقتحامات المستوطنين المتكررة للبلدات العربية حيث يسقط الشهداء ويجري احراق الزيتون وتخريب المزارع .
وبعد سويعات اتضح ان السيارة التي جرى احراقها تعود للصحفي التقدمي ميرون رببورت ، وهو مناضل يهودي من أجل حقوق الانسان ، ومدافع عن الشعب الفلسطيني وحقه في العيش بكرامة وانهاء الاحتلال ، وقد التقيت ميرون في محافل دولية عديدة ، وكان صارما وحاسما ولم يقبل التنازل عن مبادئه ، ونال غضب اليمين الاسرائيلي ، لدرجة ان صحافي اسرائيلي كبير قال لي ذات مرة : الحمد لله ان ميرون لا يفاوض باسم الشعب الفلسطيني .
ميرون رببورت تعرّض للطرد من تلفزيون اسرائيل القناة الاولى عام 2000 لانه اعدّ تقريرا عن عمال غزة ، والقهر الذي يتعرضون له على حاجز ايريز ، وحين نشر صورة للعمال العرب وهم يتوسدون احذيتهم الساعة الواحدة فجرا وينامون على الحاجز ، انتقد حكومة اسرائيل بعنف ، فجرى طرده من القناة .
وبعد سنوات جرى طرده من صحيفة يديعوت احرونوت لاسباب تتعلق بتقاريره المناصرة للشعب الفلسطيني ، و في العام 2006 عرضنا عليه وظيفة في وكالة معا ، فوافق بعد تردد ، ولكن كبار الصحفيين الاسرائيليين غضبوا من هذا العرض ، وقاموا باعادته الى العمل فورا خشية ان ينتقل الى وكالة معا .
في السنوات الماضية ، عرض ميرون رببورت ان اعمل معه على انشاء جبهة عربية يهودية يسارية لانهاء الاحتلال والدعوة لدولة واحدة لشعبين ، لكنني رفضت الاقتراح رغم معرفتي بحسن نواياه ، وأبلغته انني أجد نفسي صحافيا فلسطينيا ولا أجد نفسي سياسيا ولا " غاندي " في زمن الجنون والتطرف .
ميرون من سكان تل ابيب وقد وهب نفسه من أجل انهاء الاحتلال ، ونذر كل حياته في السنوات الماضية للاتصال مع العالم من اجل رفع الظلم والاحتلال عن الشعب الفلسطيني ، وقد تعرّض لمشاكل كبيرة جراء ذلك وفقد عمله أكثر من مرة . وأنا لم أتحدث معه حين أحرق شبابنا سيارته في رام الله ، لانني اقف مع شبابنا واقدم لهم الاعذار وأدافع عنهم . وبالمقابل كنت أتمنى لو أن سيارة ميرون لم تحرق . ولكن ما قيمة سيارة تحترق أمام طفل يستشهد !!!

وميرون من القلائل الذين يحاربون جنون التطرف اليهودي والتدين الراديكالي ، ومثله عميره هس وجدعون ليفي وفيليتسيا لانغر ويوسي سريد وشولميت الوني وزهافا جالئون ود. مايا زوزنفيلد وعشرات من دكاترة الجامعات في منظمات بتسيلم وييش جفول وووتش ذا محسوم يفيقون الساعة الرابعة فجرا ويذهبون الى الحواجز العسكرية للاحتلال لمساعدة العمال ومنع التنكيل بهم ، ويؤمنون أنهم لا يزالون يستيطعون وقف حكوماتهم عند حدها واحلال السلام .
هم كيهود لم يخجلوا من محاربة الارهاب اليهودي والتطرف ودفعوا ثمن ذلك ، ونحن كعرب لا نخجل ان نقول لهم انهم اصدقاء مخلصين للسلام ولحرية الشعب الفلسطيني ونطلب منهم المزيد والمزيد من المقاومة ضد الاحتلال . انهم هم اصدقاء فلسطين ، وليس ضباط الاحتلال الذين يخدمون في الجيش ويسارع البعض الى مصادقتهم واحترامهم .