الأربعاء: 27/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

نحو رسم سياسة اقتصادية فلسطينية

نشر بتاريخ: 03/07/2016 ( آخر تحديث: 03/07/2016 الساعة: 15:59 )

الكاتب: د. سليمان عيسى جرادات

افتقدت السياسة الاقتصادية الفلسطينية لبرنامج الخطط التنموية التي تعتبر اهم العناصر المستقرة لسياسات الدول ، والسياسة الاقتصادية الفلسطينية الى حد ما تعيش في ظروف سياسية غير مستقرة تزامنت مع مرحلة بناء مؤسسات السلطة الوطنية الفلسطينية منذ توقيع اتفاقية اوسلو عام 1994م ، بالرغم من بعض المحاولات من قبل المخططين انشائيا والابتعاد عن النماذج الاقتصادية المحتسبة بموجب معادلات رياضية ونماذج احصائية فنية تستند الى تشابك العلاقات بين القطاعات ألاقتصادية المختلفة التي يمكن التركيز عليها لاستثنائية الواقع الفلسطيني تحت سيطرة الاحتلال على مدخلات ومخرجات الانتاج الفلسطيني ، ولوجود اتفاقية لم تحقق الكثير من طموحات الاقتصاد الفلسطيني وخاصة انه بقي رهين سياسات الاحتلال الاسرائيلي يتعامل بموجبه وفقا للحالة السياسية والأمنية مما ادى الى تعثر الكثير من القوى الاقتصادية الفلسطينية .

وعلى الرغم من ضآلة الامكانيات في الاقتصاد الفلسطيني لسيطرته على 33 % من اراضي الدولة الفلسطينية على حدود عام 1967م واستغلال سلطات الاحتلال على بقية المساحات الاكثر خصوبة وإنتاجا تحت مسميات واهية ، إلا ان السلطة الوطنية الفلسطينية شهدت في تلك المرحلة اعادة منظومة الاقتصاد المحلي ويمكن ان نعرفها بمصطلح التنمية المرحلية لتقسيم التخصصات التنموية للبرنامج الوطني وفقا للمنح والمعونات الدولية لدعم عملية السلام في المنطقة لقطاعات التنمية مع عدم التركيز على توفير قاعدة البيانات المتكاملة لتلافي أي نواقص قد تعتري المسيرة التنموية في تلك الفترة منها واقع وإمكانيات الاقتصاد الفلسطيني ، نقص التخطيط للقوى العاملة ، وضمان مستقبل خريجي الجامعات التي في حالة تزايد شديد في صفوفهم ،عدم وضوح الرؤية في رسم السياسات الاقتصادية ، عدم تفعيل العلاقات الاقتصادية مع دول المنطقة والعالم بما يخدم مصالحنا والتعامل بالندية والمثل ، لأن سياسات الحكومات الفلسطينية ومنذ عام 1994م لم تراع اهمية هذا الجانب بما يكفل حسن التخطيط ودقة التنسيق وتظهر بوضوح الريادة الواضحة بالخطاب الانشائي في عملية رسم السياسات الاقتصادية بنحو علمي ولكنها في بعضها لا تستند الى قراءات وتنبؤات واستطلاعات وسيناريوهات ومسوح ودراسات وبحوث وخطط وأفكار رصينة وواقع تحت الاحتلال تأخذ بعين الاعتبار جميع التحولات الدراماتيكية والزيادات المتوقعة في عدد السكان والمتغيرات الاقتصادية المحلية ، وحالة الانقسام الفلسطيني الذي لا يقل تكلفته عن تكلفة الاحتلال ، وبالتالي انتجت لنا تنمية متواضعة وبطالة مستشرية وغيرها ، ولكنها وضعت اساساً للمراحل اللاحقة التي يمكن متابعتها من قبل فريق بمنزلة الميثاق الوطني الملزم للجميع من المتخصصين من القطاعين الحكومي والخاص .

وما يمكن قوله هنا ان المجتمع الفلسطيني غني بشخصيات حكومية واقتصادية وأكاديمية ومراكز بحثية لوضع السياسات الاقتصادية في اطار الخطط التنموية الحقيقية القابلة للتنفيذ بالشراكة مع اللجنة الوزارية الحكومية ذات الاختصاص وتفعيل المجلس التنسيقي للقطاع الخاص ، لتؤكد بوضوح على قدرة التعاون والتنسيق على انفاذ تلك السياسات في تحمل مسؤولياتها وهنا بيت القصيد ، فحين نتحدث بموضوعية عن الخطط الحكومية خلال السنوات الماضية بهذا المستوى فليس معنى ذلك ان هي خطط قاصرة ، بل على العكس فهناك العديد من الانجازات للحكومة الفلسطينية قد حظيت بإشادة من خبراء ومختصين ومخططين محليين ودوليين ولكن ما أردت الاشارة اليه ،هي الظروف المحيطة بالعملية التخطيطية في الوقت الراهن بالمقارنة مع الواقع على وجه التحديد، فعلى الرغم من التحديات منها قلة الايرادات وهيمنة بعض الاقطاب الاقتصادية على حركة السوق التجارية ، وعدم التزام بعض الشركات الكبرى والمتوسطة من دفع المستحقات الضريبية عليهم ، ووقف عمليات التهريب بكافة اشكاله وأنواعه وطرقه ، وضعف القرارات الحكومية ، وارتفاع معدلات النمو السنوي للسكان الامر الذي يتطلب اعادة النظر في تلك ألسياسات وان لا احد يخرج عن الخطط الحكومية التنموية بما ينسجم مع الإيقاع مع حركة التنمية فالتخطيط ورسم السياسات في علم الاقتصاد والإدارة المالية يشبه رأس المال ،فهو يحتاج الى بيئة امنة ومستقرة والالتزام بالخطط لكي يتمكن المخطط من ترجمتها الى مشاريع ملموسة على الارض هذه البيئة للأسف اصبحت سلبية لغياب التخطيط وحل الارتجال محله .

وفوق هذا وذاك غياب وحدة الاقليميين بين المحافظات الشمالية والمحافظات الجنوبية نتيجة لاستمرار حالة الانقسام وسياسة الامر الواقع التي تفرضه سلطة الامر الواقع في المحافظات الجنوبية وعدم تجاوبها مع كافة المبادرات لطي هذه الصفحة السوداء في تاريخ شعبنا ، وعدم الاستقرار الامني الذي يفرضه الاحتلال بين الفينة والأخرى لخلط الاوراق ، وهيمنة عدم التوافق في المشهد السياسي الاقليمي والدولي اتجاه ايجاد حل على اساس الشرعية والقرارات الدولية وإلزام حكومة الاحتلال الاسرائيلي بالشرعية الدولية وتنفيذ التزاماتها بالانسحاب التام من اراضي الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران ، كل تلك الظروف وغيرها عصفت بالعملية التخطيطية وجعلت البعض يتحدث عنها بشيء من السلبية ..وقد انعكست هذه الاجواء على الواقع التنموي اذن المشكلة التي تواجه التخطيط الفلسطيني بمجال التنمية الاقتصادية اليوم هي عدم فهم دورها ومهامها من جانب ، ومن جانب آخر عدم الزامية الخطط لبعض الجهات على تنفيذها الامر الذي يعطي الجهات المعنية بتنفيذ تلك الخطط مجالا واسعا للالتفاف والعمل بعيداً عنها.

خلاصة القول مضت القيادة الفلسطينية والحكومة الفلسطينية بإجراءات جدية في عملية الاصلاح بمختلف القطاعات ولكن بقي الاصلاح الاقتصادي الحقيقي يحتاج الى تخطيط متكامل ، هذا لن يتحقق ما لم تكن هناك بيئة مستقرة وحالة انسجام بين القطاعين العام والخاص من اجل التخلص من حالة الاستثناءات الكثيرة والابتعاد عن الارتجال في اتخاذ القرارات من هذه الجهة او تلك وضرورة التركيز على تفعيل قطاعات التنمية الاخرى ، ووضع قوانين لا تراعي مصالح الاقطاب الاقتصادية المستغلة للحالة الفلسطينية وإعطاء مساحة اوسع للقطاع الخاص للتخلص من تردده الدائم وعدم قدرته على الاقدام في منافسة القطاع العام المترهل جدًا بإمكانياتها في المجال الاقتصادي وغير القادر على ادارة ملف التنمية بنحو ناجع قد تكون الظروف الاستثنائية التي تعيشها الحكومة الفلسطينية على مستوى استمرارية الاحتلال ، واستمرار الانقسام ، وتردد القطاع الخاص ، وإمكانيات متواضعة وما ذكر اعلاه عوامل غير مساعدة لإيجاد تنمية حقيقة ومستدامة في الملف الاقتصادي الفلسطيني.