نشر بتاريخ: 10/07/2016 ( آخر تحديث: 10/07/2016 الساعة: 11:21 )
الكاتب: شفيق التلولي
آخر العنقود نص مسرحي لمشاغب ينحدر من أسرة فلسطينية غزية بسيطة يحاول فيها الأب إسعاد أبنائه على الرغم من الظروف القهرية وضنك العيش، بدا ذلك واضحا منذ المشهد الأول الذي اعتمد على إقامة حفل عيد ميلاد لوسام آخر العنقود كدلالة واضحة على ذلك، ويؤكد ذلك نهاية النص المسرحي حينما آثر الأب إلا أن يحتضن الإبن "وسام" رافضا فكرة البراءة منه والذي اختارها إخوته وعمه "أبو زكي" العائد من ليبيا كواحدة من بلاد الربيع العربي المزعوم حيث أكل أحلامه وأتى على مستقبله ومستقبل عائلته التي فقدها هناك حيث استطاع الفنان القدير "جواد حرودة" أن يتقن دوره دور "أبو زكي" بإقتدار ليكون كوميديان المسرحية، وهنا يعالج الأب "أبو عفيف" مشكلة اجتماعية كبيرة وهي انحراف سلوك الشباب الغزي ممثلة بالشاب "وسام" نتيجة للفقر والبطالة موكدا أن الحل لا يكمن بفكرة البراءة التي تفكك المجتمع كما تفكك الوطن نتيجة الإنقسام بقدر ما أن الحل يعتمد على التوجيه والإرشاد وضرورة حل مشكلة الشباب ومنهم هو وإخوته الذين ينتظرون تحقيق أحلامهم في إيجاد فرصة عمل والزواج والإستقرار.
لم يخلو نص كاتبه "عاطف سلامة" من التلميح للواقع السياسي والإجتماعي وتعقيداته العشائرية وعاداته وتقاليده هذا الواقع المزري الذي تعيشه غزة جاء في مشاهد عدة ما بين رجالات الشرطة تارة التي تحاول مكافحة ظاهرة المخدرات "الترامادول" والجاهات والمخاتير تارة التي تحاول حل المشكلة التي وقعت بين عائلة "أبو عفيف" "وأبو صخر" بسبب "وسام" الذي وجب عليه زواج إبنة الأخير بعدما أقام علاقة معها، إلى المقنعين الذين يحاولون أخذ مديونيتهم لوسام بالقوة عبر الاعتداء المتكرر على بيته وأفراد أسرته، إلى الحالة العربية العامة التي تعاني التشظي والإحتراب بسبب ما آلت إليه الأوضاع فيها نتيجة للربيع المفترض جاء ذلك في متن النص من خلال الربط بين حاجة "أبو عفيف وأم عفيف" الماسة للمال من إخوتهم المنتشرين في كل من ليبيا وسوريا والعراق واليمن فيما يعجز إخوته عن مساعدته لما ألم بهم هناك من ويلات.
بين الثيمة الفكرة والحبكة البسيطة إلى المعقدة استطاع أن يخرج المخرج والفنان الكبير "على أبو ياسين" عملا مسرحيا رائعا في معالجة درامية للفكرة المطروحة على خشبة المسرح جمعت بين الكوميديا والتراجيديا يتخللها فقرات استعراضية غنائية تحاكي فكرة النص في مزيج بين الفرح والحزن الذي يشتبك فيه الضحك مع الدموع، ومن الحبكة إلى الصراع وتتابع أحداث الحكاية وترابطها وقبل أن يكاد يسدل الستار على مشهد البكاء الذي تملك الجمهور حينما توحدوا مع هذه اللحظة وانصهروا مع العرض المسرحي المدهش حتى أطل الفنان المبدع والمميز "زهير البلبيسي" الذي يلعب دور "أبو صخر" ليقاطع الفنان المخضرم والرئيسي في هذا العمل المسرحي "على أبو ياسين" الذي يؤدي دور "أبو عفيف" رب هذه العائلة الفلسطينية المتفرعة الأحداث والتي تعكس مظاهر المجتمع الفلسطيني طالبا منه إسدال الستار على مشهد من الفرح والسرور والسعادة من خلال مشهد إشهار فرح إستعراضي غنائي لوسام وأخيه الأكبر الذي يحلم بالزواج على إبنتيه والإعلان عن إنهاء الخلاف والشقاق فيما بين العائلتين.
آخر العنقود عمل مسرحي يؤديه بإتقان نخبة من الفنانين المسرحيين الكبار وكوكبة رائعة من الفنانين الشباب والواعدين رغم قلة الإمكانيات وعدم وجود مسرح بكامل المواصفات الفنية في غزة سوى مسرح مركز سعيد المسحال الثقافي والتي تعرض على خشبته خشبة عسقلان هذه المسرحية الرائعة والجميلة.
آخر العنقود نص مسرحي غير معهود ونحن عليه شهود والله خير الشاهدين.
#شاهد_شاف_كل_حاجة