الأربعاء: 27/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

هل شرب الدواعش من خُلاصة الشر ؟

نشر بتاريخ: 14/07/2016 ( آخر تحديث: 14/07/2016 الساعة: 15:38 )

الكاتب: د. وليد القططي

في قصة أرض النفاق ليوسف السباعي يبتكر بطل القصة طريقة سريعة لحل مشكلة الأخلاق في المجتمع المصري , حيث يُلقي كيساً من الدواء سرقه من دكان عطار يبيع الأخلاق مكتوب عليه ( خُلاصة الأخلاق ) في نهر النيل الذي يشرب منه كل المصريين ليتخلوا عن الرذائل ويتحلوا بالفضائل . ويبدو أن هذه القصة قد تكررت مع الدواعش , ولكن بطريقة عكسية فشربوا من نهر أفرغ فيه الشيطان كيس دواء مكتوب عليه ( خُلاصة الشر ) , فاُشربوا في قلوبهم الغلظة والقسوة وفي عقولهم الجهل والحُمق وفي سلوكهم الفظاظة والهمجية .

وكأن الرسول – عليه الصلاة والسلام – يقصدهم في الحديث الذي رواه الشيخان عن حذيفة بن اليمان – رضي الله عنه – عندما سأله عن أهل الشر فأجابه " هم دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها ... وهم قومٌ من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا " . وكأن الامام على بن أبي طالب – كرّم الله وجهه – ينظر إليهم عندما وصف أشرار آخر الزمان كما روى نُعيم بن حماد في كتاب الفتن " ... قلوبهم كزبر الحديد , هم أصحاب الدولة , لا يفون بعهد ولا ميثاق , يدعون إلى الحق وليسوا من أهله , أسماؤهم الكُنى ونسبتهم القُرى وشعورهم مرخاة كشعور النساء ... " .

وإن لم يكونوا قد شربوا من خُلاصة الشر فكيف نفسّر كل هذا الجنون الذي وصل إلى محاولة تفجير ضريح الرسول وصاحبيه في المسجد النبوي الشريف , وقتل الناس بالجملة في المساجد والأسواق والمطارات , والتفنن في عمليات الاعدام حرقاً بالنار أو غلياً بالماء أو دهساً بالدبابات ... ومن يرتكب هذه الجرائم البشعة من الدواعش وأشباههم من خريجي نفس المدرسة التكفيرية هم الحلقة الأخيرة من مسلسل طويل بدأت أولى حلقاته منذ ما يزيد عن قرنين من الزمان غير أن جذوره ضاربة في عمق التاريخ وصولاً إلى الخوارج أول من ابتدع جريمة تكفير المسلمين , وصورت أولى مشاهده في صحراء نجد القاحلة عندما تحالف رجال الدين مع رجال السياسة وتلاقح التطرف الديني مع الاستبداد السياسي ليوّزعوا فتاوي التكفير والتضليل والتفسيق والتبديع على من عداهم من المسلمين ناهيك عن غير المسلمين .

وهم يستندون في مذهبهم هذا على قراءة متطرفة للإسلام – عقيدة وشريعة – لقلة من المجتهدين القدامى والمحدثين , ويستثنون الكثرة من المجتهدين المخالفين لمذهبهم , فأصبح مذهبهم المتطرف عندهم هو الإسلام نفسه وليس اجتهاداً داخل الإسلام , وبالتالي من يخالفهم يوضع خارج الإسلام - أو على الأقل خارج الإسلام كما فهموه - فيُحكم عليه بالكفر وفي أحسن الأحوال بالفسق أو الضلال أو البدعة , فيصبح الدين بهذا الفهم منبعاً للشر ومنتجاً للرذيلة ومحرّضاً على الجريمة ودافعاً للقتل , بدلاً من أن يكون منبعاً للخير ومنتجاً للفضيلة ومثبطاً للجريمة ومانعاً للقتل . وبذلك يُستغل الدين لتبرير الشر الذي يبلغ ذروته في قتل الناس تحت مسميات مختلفة , وكأن هذه المدرسة دين جديد مقدم على الدين الذي جاء به محمد – عليه الصلاة والسلام – وفتاوى شيوخهم كأنها نصوص جديدة نسخت نصوص القرآن والسُنة .

وربما كانت خلطة خُلاصة الشر التي أعدّها الشيطان خصيصاً لهم وأتت أُكلها ارهاباً وقتلاً وتدميراً وافساداً في البر والبحر قد أُخذ بعضها – وربما كلها – من خُلاصة الشر التي شرب منها الصهاينة , فالتقت القراءة الخاطئة لعقيدة الفرقة الناجية مع عقيدة شعب الله المختار لينتجا معاً أصل العنصرية ومنبع الكراهية وأم الفواحش ممثلة في تقديس الذات الفردية والجمعية وتشرّبها لصفات العُجب والكِبر والغطرسة والغرور , واحتقار الآخر – الكفار أو الغوييم – ونزع الصفة الانسانية عنه أو جعله في مرتبة أدنى من البشر لتبرير قتله واستباحة دمه وعرضه وماله .

وتلك الخلاصة الخبيثة المشتركة تحتوي أيضاً على نظريتين مشتركتين هما نظرية نهاية التاريخ التي اُقيمت على أساسها دولة داعش ( الإسلامية ) التي ستمهد لظهور المهدي المنتظر الذي سيتوقف التاريخ عنده . وهذا يعطيهم الحق في ارتكاب الجرائم الوحشية ضد من يخالفهم لوقوفهم أمام حركة التاريخ ونهايته التي أرادها الله تعالى . والنظرية الأخرى هي نظرية الحكم الدينية التي تُعطي للحاكم ( الخليفة ) صفة القداسة الدينية باعتباره خليفة الله في الأرض الذي يتصرف بمشيئة الله تعالى , وهذا يعطيه الحق أيضاً في قتل المخالفين الذين يخرجون عن ارادته التي هي – بزعمهم – إرادة الله تعالى .

وكل هذا الشر نابع كذلك من استراتيجية الرعب التي اتبعوها فقي اقامة دولتهم وتمددها من خلال استخدام اقصى درجات العنف والإرهاب ضد الآخرين لبث الرعب وهزيمتهم نفسياً , وهي استراتيجية مشتركة مع أضرابهم الصهاينة , حيث توّسعت وتمددت الدولتان – الصهيونية والداعشية – في البداية بسبب اتباع هذه الاستراتيجية فتحقق لكليهما شعار ( باقية وتتمدد ) , وحتماً لا مفر بعد هذا البقاء والتمدد وفق منطق التاريخ وسننه وعدل الله تعالى وحكمته الانكماش ثم الزوال والتبدد .